شبكة ذي قار
عاجل










في الحادي عشر من شهر فيفري 1970 أطلقت اليابان قمرها الصناعيّ الأوّل . وفي الحادي عشر من شهر فيفري 2012 هدمت مجموعة مسلّحة تمثال جمال عبد الناصر في مدينة بنغازي. كان القمر الصناعيّ إعلانا عن ميلاد المارد اليابانيّ.. وكان هدم تمثال عبد الناصر إيذانا ببدء ليبيا رحلة النكوص والارتداد وتصفية الحساب مع الماضي على حساب المستقبل. كان البناء هاجس اليابانيّين، لذلك لم ينشغلوا بالماضي لأنّهم ينظرون إلى مستقبل بلادهم وأبنائهم، ولم تمنعهم كلّ جراحهم وآلامهم من الإمساك بمقابض الخشب والحديد ليبنوا بلادهم. فطووْا سريعا صفحة الهزيمة والخذلان، وشرعوا في التأسيس لبلد جديد وهم ما زالوا مثخنين بندوب هيروشيما وناغازاكي، واستطاعوا في ظرف ربع قرن أن يخرجوا من دهاليز هزيمتهم ويخلقوا معجزة غير مسبوقة في التاريخ. تساموا على جراحاتهم وهزيمتهم .. فصنعوا بلدا جديدا.أما في ليبيا الجديدة فهم ينكؤون الجراح .. ويصنعون الفتنة ويبذرون الشقاق .. قبل حوالي سنتين كتبت ما معناه أن عبد الناصر لم يسقط لأنّه ليس صنما، إنّما هو رمز. والرموز لا تسقط أبدا. لم أكن أعرف وقتها أن هناك من يتربّص بتمثال عبد الناصر في مدينة بنغازي. وإنّما كنت أتحدّث إلى الذين لا ينفكّون يُشهرون معاول الهدم في تجربته السياسيّة ويشوّهون صورته في أذهان الأجيال الشابّة من الذين لم يعاصروا فترة حكمه. وما زلت اليوم عند رأيي إذ أنّني متأكّد أن هدم تمثال الحجارة لن يزعزع مكانة الزعيم عبد الناصر في ضمير الأمّة، كما أنّ الهتافات التي كانت ترافق عمليّة الهدم لن تنجح في تشويه الحقائق المتّصلة بحقبة عبد الناصر وفكره. الله أكبر !!! الله أكبر !!! تلك كانت هتافات الحاضرين الذين حرصوا على متابعة مشهد إسقاط التمثال في الوقت الذي كانت فيه المعاول والمطارق تنهال على النصب الحجريّ .. والجرّافات تمارس هوايتها في التدمير ..كان مهرجانا حضره الحاقدون وسجّلته وسائل الإعلام .. تماما كما حصل يوم هدموا تمثال صدّام حسين ساعات بعد احتلال بغداد.ما الذي يجمع بين أولئك في بغداد وهؤلاء في بنغازي؟ الحقد على العروبة باسم الإسلام .. وكأن الإسلام عدوّ للعروبة .. أو كأن عبد الناصر كان عدوّا للإسلام .. وهم يعلمون علم اليقين أنّه لم يكن كذلك. الله أكبر !!! الله أكبر !!! سقط الطاغية .. هكذا كانوا يصرخون في حفلة هستيرية لا نفهم دوافعها إلا عندما نتذكّر أنّهم هدموا أضرحة الأولياء ونبشوا قبور الموتى .. وكيف لهم أن يبرّروا تحطيم قبور والد معمر القذافي ووالدته وأفراد عائلته ؟ وهل تقنع أحدا تفسيراتُهم لقصف بعض الأضرحة بالصواريخ ؟ بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق مباشرة جرفوا قبر ميشل عفلق .. وهدموا تمثال أبي جعفر المنصور باني بغداد العظيمة . ثم فجّروا قبة ضريحي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء عام 2006.  الله أكبر !!! الله أكبر !!! أيّ ثأر لهؤلاء؟ وأيّ مستقبل يعدوننا به؟ وهل لهم في العراق من " مآثر" سوى هدم التماثيل والثأر من الماضي؟.. كذلك كان الأمر في أفغانستان إبان حكم حركة طالبان، فقد شنّت السلطات في مارس 2001 حملة منظمة لتحطيم التماثيل الأثرية الموجودة في مقاطعات البلاد كلّها .. بلا استثناء. والجميع يذكر كيف استخدمت طالبان الديناميت لتفجير تماثيل بوذا العملاقة في باميان بعد أن قصفتها بالدبابات والصواريخ .. إنّ جمال عبد الناصر لا يحتاج إلى تماثيل ، فصورته في الأفئدة، وفكره في الوجدان ، ورمزيته في الذاكرة .. ولعله لم يكن مخطئا عندما قال : "لن يغفر لي الأمريكيّون ما فعلته معهم حيّا أو ميتا". فقط .. كان مؤلما وجارحا لمصر التي أنجبت عبد الناصر أن يهديها بعض ثوار الناتو تلك الهديّة .. هديّة هدم التمثال في الذكرى الأولى لسقوط محمد حسني مبارك .. في نفس اليوم بالضبط ..  akarimbenhmida@yahoo.com




السبت٢٥ ÑÈíÚ ÇáÇæá ١٤٣٣ ۞۞۞ ١٨ / ÔÈÜÜÇØ / ٢٠١٢


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق عبد الكريم بن حميدة طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان