كلام اولي عن المحرقة : قرائي الأعزاء ! من المعلوم ان البشر يتعاطفون ويتضامنون، مع بعضهم، في السراء والضراء، غير اني اعترف لكم وأقول بأني لا اشعر بالحاجة الى ذرف الدموع كلما سمعت بخبر المحرقة التي طالت الشعب اليهودي على يد النازيين في عدة دول من دول الغرب الاوربي، ليس تضامنا مع النازية طبعا، ولا كرهـا باليهود، لان اولئك اليهود لم يكونوا اسرائيلييـن، ولم تكن لنا معهم اية مشكلة آنذاك، كما ليست لنا اليوم اية مشكلة مع الدين اليهودي نفسه، ليس فقط كدين يسميه اخوتنا المسلمون بالدين السماوي، ولكن ايضا كأي دين يجب احترامه، حتى لو لم يكن سماويا. بعض اسباب فتورنا تجاه المحرقة: وقد تكون لنا نحن العرب والعراقيين اسبابنا النفسية التي تقودنا الى نوع من الفتور تجاه المحرقة التي تعرض لها يهود اوربا: منها انها صارت بعيدة عنا زمنيا، ومنها ان تلك المحرقة دفعنا نحن ثمنها عوضا عن الغرب، على شكل محرقات كثيرة طالت دولنا وإنساننا العراقي والعربي، على يد عين اقوياء العالم الذين عملوا محرقة اليهود، هذه المحرقات التي شارك بها الاسرائيليون بكل سفالة. وفي الحقيقة لو كان علي ان اذرف الدموع بعد سماعي بخبر كل محرقة تحدث على يد طغاة العالم وأقويائه المجانين والأشرار، لكانت مقلتاي الآن قد جفت ولما بقيت لي دموع كافية لأذرفها على ابناء وطني وأمتي، ضحايا محرقات عديدة صنعها اسلاف وأحفاد الذين صنعوا محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية، هذه المحرقات التي يشترك في صنعها اليوم من كانوا بالأمس ضحايا النازية، ومن كان ولا زال الى حد هذا اليوم يذرف العالم السياسي عليهم دموع التماسيح. ولكن ومهما كان من أمر فان حكمـا فاترا يقودني الى القول بأن ما حدث في الحرب العالمية الثانية ضد اليهود وغير اليهود، كان جريمة ضد الانسانية بكل تأكيد، مثلما هي جرائم سياسية وإنسانية كل المحرقات التي اشعلها اقوياء العالم ضد ضعفائه في التاريخ الحديث الذي نعرفه، ولاسيما المحرقات التي صنعت للعراقيين وللعرب. المحرقة تدين وحشية السياسي الاوربي: وبما اني لست اصلا رجل تاريخ، ولا اعرف بكفاية تاريخ هذه المحرقة النازية وملابساتها بعمق، فاني افترض ان هذه المحرقة قد حدثت فعلا بالوحشية التي يروج لها المروجون، لا بل افترض اكثر من ذلك، اذا اخذنا بالحسبان الآلام النفسية التي طالت جميع يهود اوربا في ذلك الزمن المتوحش، والذي يبدو انه لا يريد ان يتحضر على الرغم من ان صناع المحرقات في العالم ينتمون في اغلبهم الى دين يقولون عنه انه دين المحبة والتسامح والسلام، وأعني به الدين المسيحي، هذا الدين الذي عجز عن تليين نفوس وقلوب شعوب لا زالت كما كانت في عهد همجيتها، شعوبا لا اعرف ماذا سيقول عنها السيد المسيح، لو جاء مرة ثانية الى عالمنا.علما بأن كلامي هذا ينطبق على السياسيين خاصة، وعلى من يعمل معهم ويتخلق بأخلاقهم، وعلى من يقدم لهؤلاء المجرمين يده الضاربة ويضعها في خدمة فلسفات السياسيين الشريرة، ولا ينطبق على الشعوب الغربية كلها، ولا على اي شعب من شعوب العالم، وان ارتكبت قياداته السياسية جرائم بحق اخوتهم البشر، ذلك ان كل شعب مسؤول مسؤولية غير مباشرة على الأقل عن جرائم سياسييه، عندما يكونون معتدين، ويكون اعتداؤهم واضحا، كالاعتداء الذي تعرض اليه العراق لمدة طويلة من الزمن بين 1991- و2011، والذي لا زال قائما الى حد هذا اليوم، بشكل علني لا لبس فيه. تاريخ طويل من المحرقات: وعليه فقد يرى القارئ الكريم معي، ان الروح النازية الشريرة التي عملت محرقة اليهود، قبل اكثر من سبعين سنة، هي نفسها التي عملت محرقة هيروشيما وناكازاكي ومحرقة ملجأ العامرية في العام 1991، وهي التي عملت محرقة الحصار على العراق، هذه المحرقة الأخرى التي دامت ثلاث عشرة سنة، فحرقت الأخضر واليابس ودمرت البيئة، وقتلت مليونا من الأطفال والشيوخ بسبب نقص التغذية الجيدة وحليب الأطفال والأدوية المناسبة والرعاية الصحية ونظافة مياه الشرب وغير ذلك. كما ان هذه الروح النازية نفسها هي التي اوقدت نار محرقات كثيرة في العالم، ومنها المحرقات في افغانستان وفلسطين، وفي كثير من البلدان العربية، تحت عنوان الربيع العربي. محرقات اخرى اشعلها المحتلون: ويقينا هي عين الروح النازية، مع اختلاف التسميات، التي عملت على اطالة الحرب العراقية الايرانية، في الثمانينيات من القرن الماضي، وهي عين الروح النازية العنصرية التي احتلت العراق بأسلحة فتاكة ومحرمة دوليا، وأكملت تدميره، يدا بيد مع عملاء المحتل الحاقدين، حتى بلغ عدد القتلى في العراق اكثر من مليوني انسان، غالبيتهم من المدنيين، كما بلغ عدد المهجرين اكثر من خمسة ملايين، خارج الوطن وداخله، وذلك في تدمير ذاتي اشرف عليه المحتلون مباشرة، بعد ان فرض المحتلون على العراق المحطم، دستورا تعسفيا، وحكاما فاقوا النازيين الهتلريين في قسوتهم وقدرتهم على تصفية خصومهم. وهكذا حلت المحرقات في ربوع العراق، محرقة بعد محرقة: محرقة الفلوجة وتللعفر والزنجيلي والخزنة وكنيسة سيدة النجاة وغيرها من المحرقات الكثيرة، فيما سمي بالأيام الدامية، هذه الأيام التي كانت تقع تحت نظر وسمع المحتلين ومباركتهم العملية، دون ان يرف لهم جفن، على الرغم من الاستنكارات التافهة الخالية من المعنى التي كنا نسمعها اثر كل محرقة تقام في العراق. اما دليلنا على كذب تلك الاستنكارات فيأت من كوننا كنا متيقنين من ان المحتل كان بإمكانه تفادي ما حدث، لو اراد ذلك، واتخذ الوسائل المناسبة لذلك، ومنها التخلي عن عملائه وإعادة العراق الى اهله. غير ان المحتل، وبكونه نازيا وشريرا وتوسعيا ولصا دوليا، فقد بقي على موقفه الاجرامي وأحجم عن اصلاح اخطائه عن قصد وسوء نية. مسك الختام لهذه الفقرة: هناك مثل عند اخواننا المصريين يقول بأن الخروج من الحمام مش زي دخولو. اي ان الخروج من الحمام ليس كالدخول اليه. فالخروج من الحمام يقتضي دفع ثمن الاستحمام، بينما يدخل الانسان الى الحمام ولا يدفع شيئا، بل يستقبل بالابتسامة والترحاب. والمعروف ان المجرم جورج بوش قد استقبل بالترحاب من قبل اعوانه الذين لم يكونوا عراقيين بالحق والحقيقة، وإنما كانوا اناسا يسكنون العراق حسب، كما يسكن الانسان في فندق. غير ان الخروج من العراق لم يكن مثل الدخول اليه، بعد ان احرقت المقاومة العراقية جنود المحتل ومشاريعه في المحرقة التي اشعلها بنفسه بدون وجه حق. وبما ان ما قام به اقوياء العالم الأشرار كان عملا غير شريف وحقير وشيطاني فان رائحة جهنم التصقت بهؤلاء المحتلين: رؤساء وقادة وجنودا، ولم يعد بمستطاع هؤلاء المحتلين ان يتخلصوا من هذه الرائحة الكريهة، حتى لو استحموا كل خمس دقائق بعطر الأكاذيب الذي ليس بإمكانه ازالة رائحة الشر، كالذي ارتكبه المحتلون، وعلى رأسهم جميعا انسان شرير اسمه جورج بوش الابن، وبطانته من مستشارين ووزراء قبيحي المنظر والسيرة. هذه هي عاقبة المعتدين الأولى والأساسية، والتي عليها نؤمل ان يبني العراقيون الأحرار الشرفاء موقفا عمليا من قتلة شعبنا يكون بمقدوره ان ينصف العراقيين المظلومين وينتقم بالطرق المقبولة والمناسبة من هؤلاء القتلة، اقله بالامتناع عن التعامل السياسي والاقتصادي معهم، وبسحب ثرواتنا من مخالبهم، وهو اضعف الايمان. هناك جرائم لا تحتاج الى دليل: يحكى عن عامل اجير كان عليه ان يعمل دعاية لبرتقاله لكي رب عمله. غير ان صاحب المحل كان في كل مرة يزور محله يظهر لعامله له عدم الرضا عنه وعن الدعاية التي كان عليه ان يغيرها كل يوم وفق مزاج رب العمل. وفي احد الأيام عندما انتهى صاحب المحل من تقريع عامله على سوء دعايته للبرتقال غضب العامل ورمى الصدرية بوجه صاحب العمل قائلا له: سيدي اعتبرني مستقيلا من هذه اللحظة وسأذهب ابيع السمك لأن السمك تفوح رائحته من بعيد ولا يحتاج الى دعاية. فهل سوف تنجح اساليب الكذب والدجل والدهاء والكلام الملتبس المبطن على اخفاء جرائم المحتلين التي لا تعد ولا تحصى؟ وهل تكفي القوة المطلقة والحصانة التي يمتلكها هؤلاء الأشرار من الافلات من العقاب المناسب؟ لا اعتقد. فرائحة دم الأبرياء تفوح من اياديهم المجرمة، ولا تكفي مياه العالم وعطور الدنيا على ازالة هذه الرائحة من اياديهم الملوثة بدماء الأبرياء الطاهرة. كما ان اكاذيبهم الكثيرة والمتعددة لا يمكنها منع صوت المظلومين من الصعود الى اعالي السماوات طالبا الانتقام من المجرمين والقتلة المحتلين، على الرغم من ان العالم لم يعط بعد اسما مميزا لجرائم المحتلين، بسبب هيمنة اقوياء العالم على المنظمات الدولية. الخاتمة: في هذه الخاتمة نقول ان محرقات اقوياء العالم لا تعد ولا تحصى، لكننا نقول ايضا ان ما يسمى تعويض اقوياء العالم للضعفاء ليس غير كذبة كبيرة يراد لها ان يصدقها الناس، لكن لا يصدقها بالفعل الا الأغبياء. فأقوياء العالم لا يعوضون احدا الا اذا استفادوا من هذا التعويض اضعاف ما يخسرون. وهكذا فان ما يعطى لإسرائيل باسم التعويض عن المحرقة ليس سوى كذبة سمجة غايتها التغطية على سفالة المانحين وقذارة المستفيدين من المنحة، لأن هذه المنحة تبدو في عيون العالم وكأنها ثمن لفعل زنى سياسي بين اقوياء العالم وعلى رأسهم امريكا وبين اسرائيل. ناهيك عن ان هذه المنحة المزعومة التي تعطى لإسرائيل باسم التعويضات ليست منحة شرعية، لأن اسرائيل ليست وريثة المظلومين من قبل النازية، بأي شكل من الأشكال. كما ان هذه المنحة لم تأتي على حساب المعتدين بل على حساب ضعفاء العالم المظلومين العرب، حيث يقول المثل: جاد د يكحلها عماها. جاء ليكحلها فعماها. ولكن هل حقا لا احد يستطيع ان يجبر المعتدين القتلة واللصوص على امر لا يريدونه؟ لا اعتقد. فصحيح ان هذا الجنس هو جنس عدواني، وهو جنس اعمى وأطرش لا يسمع انين المظلومين ولا يشعر بشعورهم، ولهذا ربما يحتاج الى وسائل خاصة لجعله يشعر بخطاياه وجرائمه. اما هذه الوسائل الخاصة والمناسبة فواضحة ومعروفة ومنها التضحية بكثير من المغريات، ورفض جميع مشاريع المحتل عندنا، وانتزاع ثرواتنا من بين مخالب هذا العدو العاتي، وقبول الوحدة حول برنامج وطني يستحق التضحية والصبر والمثابرة، وهي الفضائل التي تحقق النصر وتعيد الحق الى اهله، مهما طغى وتجبر المعتدي.