لم يبتلِ المواطن العربي بأنظمة قمعية فاسدة وأساليب حُكم عفى عليها الزمن منذ عقود فحسب بل زادت بلواهُ ومحنته وعقّدت حياته أكثر هو وجود "نخبة"مقربّة من رئيس الدولة, تبدأ بالأبناء ولا تنتهي الا باحفاد الأحفاد, وأحيانا تشمل الخدم والحشم والجيران. وهذه الظاهرة العربية بامتياز لا تقتصرعلى الأنظمة الحاكمة فقط بل تتعدّاها الى المعارضة أيضا, طبعا مع إستثناءات قليلة جدا. يحصل هذا في بلاد العرب لأن النُخب السياسية, وبغض النظر عن برنامجها وفكرها وشاعاراتها المطروحة, تعتبر السلطة أو الحُكم"غيمة" حرب أو جائزة يانصيب كبرى, يجب تقسيمها أو توزيعها على العائلة والمقرّبين. فالأقربون, خصوصا في عالم الساسة العربي, أولى بالمعروف ! فاذا لم يُرزق رئيس الدولة لسبب من الأسباب بابناء ذكور فبالتأكيد لديه زوجة وإخوان وشقاء وأصهار وأبناء عم وأنساب وهلّم جرا. وكل واحد من هؤلاء يُطالب, دائما بدون وجه حق أو إستحقاق, بحصّته من الغنيمة, أي السلطة. وإذا أدعى أحدهم الزُهد والابتعاد عن السياسة فانه يُبلي بلاء حسنا في عالم الاقتصاد والمال. وسلطة المال كما هو معروف, خصوصا المال الوفير جدا, هي أخطر أنواع السلطة في حياة الدول والشعوب. بدليل أن رجل السياسة في العصر الحديث أصبح تابع وُمنقاد لرجل الاعمال, أي لصحاب الثراء الفاحش, بل أنه ملاصق له إن لم يكن جزءا منه. ومثال الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن على وعائلته المتعددة الأطراف, وكذلك عائلة المخلوع حسني مبارك والعائلة الحاكمة خير دليل على قولي هذا. لا يُخفى على بال أحد ولا يغيب عن ذهن أي متابع هو إن للسلطة في بلاد العرب سحر خاص جدا وتاثير شديد لا يمكن الخلاص منه أبدا الاّ بمساعدة عزرائيل, سواء كانت هذه السلطة تابعة لجمهورية أو لمملكة أو لمشيخة أو لامارة. والحديث عن الامارت والمشايخ الخليجة في مضمار التوريث وتوزيع كعكعة السلطة بين أفراد العائلة له شجون طويلة تمتد لعشرات الأبناء والأحفاد وأولاد العم. وبصرف النظر عن نوعية الحُكم أو طبيعة النظام فان إيمان الحاكم العربي بالتوريث وإبقاء السلطة في حدود العائالة أشد بكثير من إيمانه بالخالق سبحانه وتعالى. وإذا إستمرت حال الشعوب العربية على هذا المنوال, مع أن ثمّة أمل كبير بتغيير جذري, فمن الأفضل لها, بعد أن تتحرّر فعلا من كل أنواع الهيمنة والتسلّط, أن تضع مادة رئيسية في دساتيرها الجديدة تشترط أن يكون رئيس الدولة أعزب, ويُفضّل أن يكون بتيم الأبوَين. مع إدراج ملاحظة دستورية تقول: يمكن, في حالات خاصّة, مناقشة الفقرة الأخيرة من المادة المُشار اليها في أعلاه. وما دفعني الى إختيار هذا العنوان"الظريف" لمقالي هو ما ورد من أخبار العهد التونسي الجديد وتعيين أو إختيار صهرالشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة صاحب أكبر كتلة في البرلمان, الى منصب وزير الخارجية. وبما أنني لا أعرف أي شيء عن صهر الشيخ الغنوشي فالتالي لا أسمح لنفسي بالتطرّق أليه. الاّ اننا يجب الاعتراف, ونسعى بكلّ الوسائل لمنع تكرار بعض الظواهر, بان الشعوب العربية عانت بما فيه الكفاية ليس فقط من حكّامها وطبيعة أنظمتهم الفاسدة بل من الشّة أو الحلقة العائلية - العشائرية المحيطة بهم. والقاريء الكريم ليس بحاجة الى أمثلةأو براهين في هذا الموضوع. ومن المؤمّل أن لا تتصرّف القيادة الجديدة في تونس, ونأمل بل نرجوا أن لا يحصل في أي بلد عربي آخر, بشؤون السلطة وكأنها شأن عالي أو قبلي خاص. وأن يسعى الجميع هناك الى تعميق الفهم الحضاري والممارسة الديمقراطية في أذهان وقلوب الناس وفحواها أن الحاكم والوزير وعضو البرلمان هُم ليسوا أكثر من موظّفين كبار في خدمة الوطن والمواطن, وإن دورهم مؤقت ومحدّد بزمن وواجبهم مبيّن وموضّح في الدستور. mkhalaf@alice.it