تتحول مدن البلد الواحد إلى ملكيات وإقطاعيات لهذا العرق أو لذاك المذهب. تحجم أو تلغى الشراكة الوطنية على ارض الوطن. تدخل عوامل المصاهرة والتوافق الاجتماعي والتسامح والمحبة والشراكات الإنسانية كلها في مسالخ متخصصة . تتدحرج وحدة الدم والدين والوطن إلى مصاطب الذبح بسكاكين تنتجها تكنولوجيات استثمار الموت والتمزيق. تستخدم كل وسائل الاستفزاز والتحدي والاستثارات العاطفية والشحن العاطفي لتولد فرقا واتجاهات تعتاش على عوامل الافتراق بعد أن تسحق عوامل الشراكة الأزلية.تصير المذاهب والملل والنحل شركات ينتمي لها المنتفعون والوصوليون وعبيد الوجاهة الفارغة والروحانيات المشبوهة المشركة بالله جل في علاه . طائفة أو فئة عرقية تقتل وتعتقل وتهجر وتقصي وتجوع وأخرى تتعرض للمظلومية ولا تجد من سبيل للخلاص إلا بالفيدرالية أو الانفصال ولا تجد طريقا للنجاة غير الكتل الكونكريتية التي تنصب على الأرض أولا ومن ثم تنتقل باليات محكمة لتنصب بين قلوب الإخوة والأهل أبناء المدينة والبلد .. هذا هو مجمل الخطة العرقية والطائفية لتمزيق وحدة الأوطان التي تخضع لعوامل تحدي خارجية نتيجة لصراعات سياسية واقتصادية لا علاقة لها لا بمصلحة وطنية ولا دينية ولا أثنية. أما كيف تنفذ فلقد صار جليا أن البدء هو مع تسليط أحزاب الطوائف والأعراق وممارستها لمستلزمات الضغط والإجرام المطلوبة قتلا واعتقالا واقصاءا وتهجيرا كما قلنا. التنفيذ يبدأ مع تحويل الولاء بكل الطرق المتاحة وبتدرج يتماشى مع مستلزمات غسيل الادمغه وتوطين الحرام والشاذ والمنحرف من الشراكة الوطنية إلى المصالح الاثنية. فيصير الوطن كله هدف لقبضة الأقوى والمدعوم من قوى مؤئرة فائدتها واستثماراتها مرتبطة بتطبيق شريعة الإقصاء ومنها قوى دولية من الجوار والإقليم وما هو ابعد. وتتحول عمليات الاستجابة السلوكية الشخصية والسياسية تدريجيا من بسيطة إلى مركبة ومن عفوية تعبر عن نزعة الدفاع عن الذات إلى معقده تتجمع فيها العوامل الذاتية مع عوامل موضوعية يراد لصفتها الجمعية أن تحول كل شئ مشرق في حياة البلد والإنسان إلى عنوان من عناوين الفرقة والتمزيق بعد الاقتتال وكسر العظام وهدر الدم. سأضرب بعض الأمثلة من حالتنا العراقية التي تعبر عن استجابات من نوعما من وجهة نظري لضغوط وعوامل الاستجابات الطائفية المطلوبه : تتحول أسماء المدن والقصبات والقرى إلى دلالات أثنية وعرقية فتصير كربلاء اسما يمقته جزء من أهل العراق وتصير الانبار اسما يمقته جزء آخر . تتحول الدالات والحواضر الحضارية للوطن إلى مناطق تابعة للطوائف بدل أن تكون دالات وطنية وقومية فتصير آثار اربيل ليست عراقية بل كردية وأشور وبابل وأكد والنمرود مثلا ذات دلالات منفرة لهذا الجزء من الشعب ومقدسة عند جزء آخر. تتحول الأضرحة والجوامع والقبور والمقابر إلى شواهد مقيتة للبعض ومقدسة عند البعض وتعزل عن صلتها التاريخية بعموم البلد بحد الموسى في عملية قيصرية تميت الأم والجنين معا. ينبش التاريخ لتستخرج من صفحاته الصفراء آثام عرقية ودينية طائفية وقبلية . كل هذا يأتي استجابة لضغط النظام الطائفي الذي ولد من رحم الغزو والاحتلال وتكون الاستجابات له بغض النظر عن وصفها سلبا أو إيجابا بمثابة قبول بالمواليد البشعة للاحتلال وقبول ضمني مغلف بمسوغات ما لإرادة تمزيق الوطن وذبح الشراكة الوطنية . لماذا لا يحصل هذا التمزيق والمواقف المتوافقة لضغوط الجهات المنفذة لمشروع التقسيم في دول وأمم أخرى يوجد فيها طوائف واديان وأعراق ولغات وعوامل فرقه أضعاف مضاعفه لما هو قائم في العراق؟ الإجابة على هذا السؤال تبقى عالقة تغطيها آثام السلوك الطائفي والعرقي المتراكم على حساب نقاء وطهر الوطن والانتماء الوطني. أما أحرار العراق وثواره والقابضين على جمر الرباط والثبات على مقومات العراق الواحد الحر السيد الأزلية فأنهم يعرفون الطريق لمواجهة تفريخات الاحتلال العرقية والطائفية الفاسدة المجرمة المشرذمه وهو طريق واحد لا بديل له هو المقاومة الوطنية المسلحة والمقاومة السياسية التي تحركها العوامل الوطنية والقومية والإسلامية وهم على يقين أنهم سينتصرون في نهاية المطاف طال الزمن أم قصر ومهما غلت التضحيات لان العراق والأمة هي الأغلى. وسنبقى نرفض تهجير تاريخنا ونرفض تقييد وتخصيص أو خصخصة حضارتنا ونرفض إلغاء عراقية وعروبة رموزنا التاريخية مهما كانت المسوغات والأسباب ومهما غلت التضحيات.