منذ أيام ألح علي صديق من المغرب العربي أن نلتقي ، لأنه يود أن يتحدث معي في أمر مهم. كنت أحسب و أنا ذاهب للقائه أن حديثه سيكون حول الحراك الشعبي الذي يعيشه أكثر من قطر عربي. ومع أكواب الشاي الأخضر المغربي ، قال لي دون مقدمات : أين المقاومة العراقية ؟! لم نعد نسمع عن أخبارها وفعالياتها الكثير؟! هل نال منها الأعياء؟! أم ماذا؟! و ماذا وراء حملات الاعتقال الكبيرة التي تطال البعثيين؟ الذين هم شرفاء الأمة .. كان يتساءل بمرارة وبصوت متهدج. تفرست بوجهه مطولاً ، وقلت له قبل ان أجيبه على تساؤلاته : إنك تذكرني بالراحل الكبير الفقيه محمد البصري ، الذي أتاني إلى مكتبي ، عند زيارته لباريس ، عقب إحتلال العراق ، وقال لي : "علينا ان نعمل على اصدار مجلة للدفاع عن المقاومة العراقية والفلسطينية". كان الراحل البصري ، الآتي من المغرب متألماً جداً. وأردف قائلاً : أمتنا العربية تتعرض لهجمة غير مسبوقة. علينا أن نستنهض شعبنا ما أمكننا ذلك. والحقيقة ان كلماته آنذاك هزتني بعنف. وأفتخرت بمناضل ـ رحمه الله ـ من هذا الطراز الرائع الذي يحمل هموم المشرق العربي وهو الآتي من أقصى المغرب العربي. ثم قلت لهذا الصديق الذي أحترم : المقاومة العراقية ، ماتزال تواصل طريق التحرير ، ولن ينال منها الأعياء. والبعثيون في العراق ـ كما وصفتهم ـ شرفاء الأمة ويبقون كذلك. هناك أمور ومعطيات كثيرة ، أعتقد أنها سبب تساؤلاتك ، كما هي تساؤلات ملايين الشرفاء في أمتنا. إنني أرى ، ان المقاومة العراقية الباسلة ، استهدفت بشراسة على جميع الصعد : سياسياً وعسكرياً ومادياً وإعلامياً .. لأنها شكلت حالة مقاومة فاعلة لأخطر مؤامرة وهجمة عدوانية ، إستهدفت الأمة العربية من خلال إستهداف العراق ونظامه الوطني والقومي. لولا هذه المقاومة الفذة والتاريخية ، بكل ماتحمله من معاني ، لكان إستبيح الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه. وكما يعرف الجميع ، فإن بعثيي العراق ، هم العامود الفقري لهذه المقاومة ، فإستهدافهم هو إستهداف لهذه المقاومة. المقاومة ـ يا صديقي ـ صدعت البنيان المالي و الاقتصادي للغرب ونظامه الرأسمالي ، الذي يعاني من أزمة ماحقة ، تشده إلى الهاوية. وسنرى قريباً ، إنهيار النظام الرأسمالي ومستقبله سيكون أشد سواداً ، مما جرى للنظام الشيوعي. وسيدخل العالم إلى زاوية مجهولة. المقاومة العراقية ومناضلي البعث .. وضمن إمكانياتهم المحدودة, إستطاعوا أن يسحبوا "الثور" الرأسمالي من قرونه ، وجعلوه يغوص ويغرق في صحاري العراق. وهذا مصداق لنبوءة الثائر تشي غيفارا الذي قال في المؤتمر الثوري العالمي الذي عقد في هافانا في الستينات ( إختطف واغتيل المناضل المهدي بن بركة في باريس, لأنه كان من قيادته ومنظميه ) قال غيفارا امام المؤتمرين : نحن ثوار امريكا اللاتينية والجنوبية ، لن نستطيع ان نهزم الامبريالية الامريكية. علينا أن نجرها إلى هناك إلى الصحراء العربية. وندعها تغرق في رماله. ( ملاحظة : علينا ننظر إلى الظروف الموضوعية والذاتية في تلك الحقبة ) . وقلت للصديق : ألا تعتقد ان امريكا قد غرقت فعلاً في رمال العراق العظيم والذي سينتصر ان شاء الله بإرادة رجال مقاومته وبعثييه البواسل؟! للتاريخ حتمية. وسنراها قريباً .. وأوضحت للصديق : تقرير الخزانة الامريكية تتحدث عن مديونية تجاوزت 140 تريليون دولار. وترجع جل هذا العجز إلى المصروفات العامة. وحسب فقرات التقارير ، فإن المصروفات العامة ، هي المصروفات العسكرية التي أنفقت جلها في العراق. أليس هذا وجه من وجوه إنتصار المقاومة العراقية وأبطال البعث؟! هذه المقاومة بجميع مكوناتها لاتستحق الاحترام والتقدير وحسب ، بل تستحق الانحناء لها ولفعلها الثوري المميز. والإجلال لشهدائها ، وللأبطال الذين يواصلون الدرب. مقاومة ، دون أي حليف دولي أو أقليمي. دون أي سند مالي أو تسليحي خارجي. وإعلام متآمر فرض عليه ان لايأتي على أخبارها. علينا أن نعي ان هذه المقاومة تقاتل على أكثر من جبهة. الاحتلالين الامريكي والايراني المباشر. والقوى الأخرى ويأتي في مقدمتها العدو الصهيوني. هذه المقاومة. فرضت على جيش أقوى دولة في العالم ، ان يهرب من مدن وشوارع العراق وينكفئ داخل القواعد العسكرية المحصنة والبعيدة عن العمران ، حتى يقللوا من خسائرهم .. محاولين إعطاء صورة أمام الرأي العام أن خسائرهم شبه معدومة ، ويرجعوا ذلك بوسائلهم الاعلامية الخبيثة ، ان فعل المقاومة الميداني قد تقلص إلى هذه الحدود الدنيا؟! حاول حلف الشر الامريكي ـ الصهيوني ـ الفارسي ، ان يلتف على هذه المقاومة الباسلة بكثير من الوسائل الماكرة ، إفتعل من خلال عملائه ، تفجيرات دموية في الشوارع والمدن مستهدفاً المدنيين الأبرياء ، لإلصاق ذلك بالمقاومة لتشويه صورتها من جهة ولتحييد الحاضنة الشعبية التي تؤمن لها الاستمرارية والعمق الوطني. حلف الشر هذا ، حاول ان يستغل التنوع الطائفي والعرقي ، الذي كان دائماً الصورة الراقية والحضارية للمجتمع العراقي ، للإيقاع بينهم ، مستغلين مشاعر طائفية ومذهبية وعرقية لدى بعض الجهلة ، إضافة إلى عملائهم وتنظيماتهم الشعوبية ، للإنقضاض على كل ماهو خير في المجتمع العراقي. ثم قلت لهذا الصديق : ألا ترى معي ، إنه رغم الاحتلال والاعدامات والتصفيات والاعتقالات ، بقيت المقاومة العراقية البطلة ، ورجال البعث الأصيل ، يواصلون درب النضال ليس دفاعاً عن العراق وعروبته وحريته ، بل عن أمتنا العربية ، من خلال تصديهم الفاعل للمشاريع التآمرية التي تستهدفنا؟! وبعد هذا الحوار الطويل ، الذي نقلت بعضه فيما تقدم ، نهضت مستأذناً بالمغادرة ، شد على يدي بحرارة وقال : تحية من القلب والضمير للمقاومة العراقية وللبعثيين ، الذين طوقوا أعناقنا بفضائلهم النبيلة والأصيلة ، وألف رحمة على شهدائهم وفي مقدمتهم الفارس العربي صدام حسين .. شددت على يده وأجبته : وأنا أشاركك بهذه التحية ..