في الخامس من حزيران 1967 فوجئ المواطن العربي على امتداد الأرض العربية وحيث ما كان ، بهزيمة قاسية لم تخطر له ببال ، وساد الشارع العربي حالة من الوجوم والغضب جراء نهاية حلم أراده العرب نصرا لامتهم واسترجاعا لفلسطيننا الغالية ، وإذا بالأمور تسير إلى نصر استراتيجي حققته الإدارة الأمريكية من خلال أداتها الميدانية ( إسرائيل ) وبفضل الدعم المادي والعسكري والإعلامي التي حضيت به من قبلها ، دعما لا حدود له على كافة الصعد ، وعوضا من أن تنتفض كل غرائز الأمة بكل طاقتها لتعويض الخسارة والإعداد لما يتخطاها والبدء بمرحلة جديد من الإعداد للدفاع عن صيرورتها وتطلعها استحقاقا أقرته الرسالات السماوية ، وجدنا من الحكام العرب من راح منتشيا شامتا لما آل إليه الخيار الوطني القومي في خوض معركة التحرير ، وان كانت الجماهير العربية قد أدركت بفطرتها أن فلسطين لا تحررها الحكومات وراحت تنشط أعمالا فدائية عظيمة اقتضت مضاجع الكيان الصهيوني رغم زهوه بما حققه على صعيد المجابهة الرسمية مع أنظمة الحكم العربية ،التي لبى اغلبها نداء العمل من اجل تحرير فلسطين مجبرا وليس طوعا ، ومن بين أهم ردود الفعل الجماهيرية و الإستراتيجية ردا على نكسة العرب في الخامس من حزيران ونكستهم كان تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق من استلام السلطة فيه والإطاحة بالنظام القائم حين ذاك والذي لم يكن في بعض عناوينه إلا واجهة لعمل شبكات التجسس الصهيونية والأمريكية وغيرها من البلدان التي لم تألوا جهدا من السيطرة على القوة العربية للحيلولة دون انطلاقتها ، وان كان بديهيا أن ما تحقق لأعداء الأمة على المستوى الشعبي والاجتماعي يمثل ذروة الأماني التي عملوا من اجلها ردحا من الزمن ، ولتقرَّ بضوئها السيادة الصهيونية على فلسطين وما تبعها { الضفة الغربية ، قطاع غزة ، المرتفعات السورية } كناتج فرضته الهزيمة ، وبالتالي الانتهاء من مشاكلها مع أمزجة قوم لم يَملّوا المناداة بأحقيتهم بالاستقلال الناجز والوحدة القومية وتحرير المغتصب من أراضيهم ، تأتي ثورة البعث في العراق في 17 ـ 30 تموز 1968 لتشكل الرد الوطني والقومي على نكسة الأمة ، ولتشكل صفعة شديدة القوة والوضوح بحق الطامعين بها ومن والاهم من أبناء جلدتها ، ولتعيد ترتيب الأوراق بما تتمناه جماهيرها وما تتطلع إليه ، ورغم سعي المخابرات المركزية الأمريكية السيطرة على حركة الثوار واحتواء ما يهدفون له من خلال الاختراق النوعي الذي حققوه بعد قيام احد القادة العسكريين الذين فاتحتهم قيادة البعث الانضواء تحت لواء الثورة بالإبلاغ عنها لعلاقته بهم ، ما فرض على قيادة الثورة ولحساب نجاحها وتجنب المخاطرة بها وبتنظيم الحزب كاملا المناورة وقبول بعض الأسماء مرحليا ، ولتتمكن من إزاحتهم في 30تموز من نفس العام ، ولتبدأ سلطة الثورة التعبير عن ذاتها وعن أهدافها الوطنية والقومية وفقا لأفعال وانجازات تلمسها الفرد العراقي والعربي والإنسانية جميعا ، كانت بجميعها تحمل طابع الجرأة والحرص على الأهداف الوطنية والقومية ، ولتبدأ بعد أن سعت تجاوز كل معوقات الخلافات السياسية بين أطراف البيت العراقي والتي مزقت النسيج الاجتماعي جراء ما رافق ثورة 14 تموز 1958 وما تلاها من خلافات متنوعة الأهداف والأدوات ، إلى العمل الدءوب لبناء العراق عراقا قويا صلبا يكون قاعدة الأمة في انجاز هدافها ، ولأجله كان لا بد من تصفية شبكات التجسس الصهيونية والغربية المتغلغلة فية ، والمكونة خرقا عميقا ينخر الفعل الوطني والمجتمع العراقي لصالح الأعداء ، وبدعم جماهيري لا نظير له تمكنت قيادة الثورة ولفترة وجيزة من عمرها تصفية اغلب شبكات التجسس ، ولتحسم أمرهم أمام الجماهير حيث تم تصفية بعضهم شر تصفية ، إذ علقوا على أعواد المشانق في ساحة التحرير أمام مرأى ومسمع جماهير شعبنا المؤيدة للإجراء والمساندة له ، ضاربة كل التهديدات على سعتها ومن حيث أتت وتحت أي غطاء عرض الحائط . إذن هذه هي البداية لسلطة الجماهير ، سلطة البعث العربي الاشتراكي فخر هذه الأمة وعنوانها نحو مستقبلها الذي بالغته بإذن الله تعالى وهمة شعبنا المجاهد ، ولتتمكن بعد وقت ليس بالطويل من إعادة بناء موقفا قوميا ينشد التحرير وبناء الأوطان كقاعدة لهذا التحرير ، وإذ انتهت حرب تشرين عام 1973بما انتهت إليه بعد أن التفت عليها الإرادة الأمريكية المعززة من بعض من النظام الرسمي العربي وجرت محاولة فرض نموذج اتفاقية كامب ديفيد سيئة الصيت التي وقعها أنور السادات والتي سبقتها زيارته المدانة للكيان الصهيوني على الأمة ، وبقبول عربي كاد أن يكون شاملا عدا الاستثناءات المحدودة جدا ،وليدفعوا بالأمور إلى الانبطاح والإقرار بالاملاءات الأمريكية والصهيونية ، كان للعراق وثورته ثورة البعث قول الفصل ، حين استطاع فرط عقد الخنوع وأن ينتزع من العرب وخاصة ممن كان مشاركا بشكل مباشر أو غير مباشر بالمساعي الأمريكية لتقويض الهمة العربية وتدجينها وفقا للخيارات الأمريكية ، موقفا بعزل كامب ديفيد ومن سار بنهجها من خلال عزل نظام السادات بقطع أي نوع من العلاقات معه ، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس ، وليتصاعد بضوء ذلك شدة العداء الأمريكي للعراق وثورته والضغط عليه بكل أشكال الضغط . أسوق هذا في سياق الحديث المبتذل عن تبعية نظام البعث للولايات المتحدة من جهة ، ولتعريف الكثير ممن شاءت الظروف أن يجد نفسه معاديا للبعث ولثورته ومكفرا لكل ما يرتبط به من دون أن يدرك حقائق الأشياء والمواقف ولم يكن له من العمر أو الوقت والرغبة للاطلاع عليها ، وليكون من حيث لا يدري أداة ثمينة بيد المخطط الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تجريد الأمة مقومات قدرتها ، والمعبر عنه من خلال سلوك زعامات تدعي الوطنية والإسلام رهنت أمرها لصالح هذا المخطط الخبيث ونفذت بكل خسة وحقارة ما يريد ، فهل يا ترى إن من أذاق الإدارة الأمريكية كل هذه الصفعات ، وفرض على كل انجازاتها التي حققتها والتي ما كانت تحلم يوما بتحقيقها بالتقهقر يرتبط بعلاقة عمالة لها ، أو يعمل بإيحائها { حاشى الرجال الوطنيون وما يمثلوه من مستوى من الوطنية والإخلاص ما لا شبيهه له وفي المقدمة منهم رجال البعث }، والغريب أن من يطلقها وهي ليست بالجديد هم أولاء اللذين بسببهم الظرف السيئ الذي نعيش بكل تفاصيله ولا نستثني أحدا من العراقيين مما آل إليه وضعنا ، عدا رهط المفسدين وحاشياتهم ، ولبيان ثقل البناء البعثي للمجتمع ولمؤسساته على اختلاف عناوينها واختصاصاتها وتأكيدا لما اشرنا إليه، دعونا نبحر مليا بما اعتبره وكلاء المحتل في إدارة شؤون البلاد نيابة عنه سبة على عديد من العناصر الوطنية التي خدمت الوطن بكل إخلاص وتفان ، والذين هم بسببه معرضون لإجراءات الاجتثاث أمريكية المنشأ إيرانية الهوى سيئة الصيت .. إذ يدعوا نوري المالكي، الخميس، إلى اتخاذ موقف بحق أساتذة الجامعات الذين كانوا ضباطا في المخابرات والأمن الخاص، مؤكدا أن هؤلاء تحولوا إلى أساتذة لتربية الجيل، فيما حذر من أفكار تسحب بالعملية التربوية والتنموية للبلاد باتجاهات سلبية. علي الأديب من جانبه أضاف إن " من أقصوا هم عناصر كانت مهمتهم تعذيب العراقيين أبان النظام البائد ولم يكونوا تدريسيين ، مضيفاً إن "التعليم العالي بحاجة إلى إصلاحات كبيرة أبرزها تخليصه من الذين يحاولون تفخيخ عقول الطلبة". هنا لا نستشهد بما يقولاه إلا لمستوى البلاهة التي هم عليها ، إذ ليس عراقيا من لم يدرك قيمة وحجم البناء الذي شيده البعث وقائد البعث خالد الذكر بإذنه تعالى صدام حسين رحمة الله عليه ورضاه وبسبب من ذلك جرى للعراق ما جرى ، وكما قيل { "العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف" } ، فان كان من سميتموهم جلادو الشعب على هذا المستوى من العلم والتأهيل ، فأي بناء اذن انتم من شاركتم المحتل على هدمه ، وان كان جلادو الشعب على هذا المستوى ووزيركم للتعليم العالي لا تحصيل أكاديمي أولي له ، واغلب وزراءكم ومسئوليكم الكبار ما هم سوى خريجو حلقات جوامع وحسينيات وغيرها ، فعن أي تطور وتقدم للمجتمع تنشدون وانتم من فرط بكل الإمكانات الوطنية التي بنيت وشيدت بالجهد الوطني والدم العراقي الغالي الشريف ، فهل تنصفوا من ابتليتموه وعبأتم ذهنه من الخزعبلات والأكاذيب ما لم يتفوق بها احد عليكم وهذه شهادة لكم هي الحقيقة التي لا يمكن لأحد من نكرانها ودليلنا ما قاله الإمام المبجل حجة الإسلام والمسلمين مقتدى الصدر في تأييده لإجراءات الأديب إذ يقول .. "لست أعرف إلا قاعدة واحدة، لا مكان للبعث بيننا، ويجب أن تسقط كل أقنعة البعث الصدامي الملعون"، داعيا إلى "اجتثاثهم من كل مفاصل الحكومة بل وغيرها".وأكد الصدر أن البعثيين "أعداء العراق والإنسانية والسلام "، مطالبا وزير التعليم العالي علي الأديب بـ"السير في ذلك الأمر قدما ولا ينثني عنه".وأعتبر زعيم التيار الصدري إجراءات الاجتثاث "خير لنا ولهم ولكل العراق"، مشددا أن "البعث عدو العراق ولا بد أن يزال". وهنا لا يسعنا إلا مخاطبة الذين ابتلوا بحمل أحقاد لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وتورطوا بإجراءات وممارسات لم يستفد منها غير المحتل على المدى المنظور والبعيد إن استمر ضلوعكم بما تورطتم ، وليس للوطن فيها أية فائدة بل هو الخاسر الأكبر جراءها ومن وراءه الأمة ، وان كان البعض منكم يخونه وعيه في الوقت الحاضر مندفعا تلبية ما يؤتمر به مقابل سحت حرام ، فأن الزمن والوعي القادم كفيل أن يحملكم من الهموم جراء ما قمتم ما يكون سببا لشقاء لا شافي له غير الله ، بعد أن نلتم غضب الوطن وأبناءه الشرفاء بوقوفكم { وبصرف النظر عن النوايا } مع المحتل يوم استباح الأرض والعرض ولتحفظوا له أمنه وامن من أتى بهم من عملاء يوم رضيتم أن تحلوا محلهم في وجه ضربات المجاهدين أو ملاحقتكم لكل من وقف بالضد من الاحتلال وعملائه تحت دعاوى هي الغباء بعينه . حمى الله العراق حرا سيدا أبيا يرفل بالعز والكرامة ، منتصرا لكل معوز ومظلوم ، ولوحدة الأمة وأهلها والإنسانية جمعاء .