لن يتجاهل دور المقاومة العراقية، ليس في تحرير العراق فحسب بل في تحرير العالم أيضاً، لهو جاهل أو مكابر أو حاقد. ولكن في عصرنا هذا يتجاهل الكثيرون تلك الحقيقة، لا بل لا يمرون على ذكرها حتى بالإسم. وإذا كانت الأنظمة الرسمية تعايشت حتى الآن ولم تتهاوى بينما كان مخططاً لها أن تركع أمام الإمبراطور الأميركي بعد التاسع من نيسان من العام 2003 حينما اجتاحت قوات هلاكو الأميركي أسوار بغداد، فإنما السبب يعود إلى انتقال البعث في العراق من صفحة الحرب النظامية إلى صفحة المقاومة الشعبية، وهذا الانتقال أعلنه البيان الرقم واحد الصادر عن (قيادة المقاومة والتحرير)، في 22/ 4/ 2003، الذي نصَّ قائلاً: «1- العمليات الجهادية في عراق العروبة والإسلام مستمرة يومياً والله والله والله سيندم الغزاة الكفرة والقتلة واللصوص وكل من تعاون معهم». كما جاء في رسالة الرئيس الشهيد الأولى، بتاريخ 28/ 4/ 2003، «انسوا كل شيء، وقاوموا الاحتلال، فالخطيئة تبدأ عندما تكون هناك أولويات غير المحتل وطرده، وتذكروا أنهم يطمحون لإدخال المتصارعين من أجل أن يبقي عراقكم ضعيفاً ينهبوه كيفما شاؤوا». إنها والله نكبة الأمة في أحزابها وقواها الطليعية، إنها أزمة الأحزاب العربية التي لم تتلمس حتى الآن رقابها التي حالت المقاومة العراقية دون قصها على مقصلة الرأسمالية الغربية. وإذا كان إعلان المقاومة الشعبية نقلة تاريخية، فإنما لقيادتها نقلة نوعية أيضاً لأنه لن يقود الفعل التاريخي إلاَّ من تميَّز بصناعة الفعل التاريخي وكانت قامته على مستوى ذلك الفعل. ولهذا كان صدام حسين هو ذلك الرمز، وبعد شهادته التاريخية التي لم ينكرها عليه وعلى حزبه حتى العدو اللدود، قاد سفينة المقاومة الرفيق عزة الدوري، رمز آخر من رموز تاريخنا العربي، وهو الذي ما يزال يفترش تراب العراق ويسكن صحاريه وبواديه. إننا في عتمة تجاهل المقاومة العراقية أو تجهيلها أو الخوف من تبيان مآثرها وتأثيرها على صياغة التاريخ العربي لا يسعنا إلاَّ أن نعيد التحية كل يوم لأولئك الأبطال المقاومين في الأسر والخنادق والشوارع والمهاجر، وتكرار التحية لهم ليس من قبيل التكرار الممل، بل هو من قبيل التكرار المفيد. والفائدة منه هو أن تُذكِّر دائماً بفضل من له الفضل، وهذا ليس من قبيل المديح بل من قبيل تعميم القيم العليا التي يمارسونها. وهل أفضل من تحية ترفعها احتراماً لمن نسي نفسه وراحته ونعيم الدنيا في سبيل أن يصوغ تاريخاً مجيداً لأمته على حساب منافعه الخاصة؟ وبينما نحن على قاب قوسين أو أدنى من حيازة النصر على أشرس عدو للبشرية، وأعتى إمبراطور كاد أن يضع التاج على رأسه ليكبِّل البشرية بأصفاد رأسمالية جشعة لا تعرف الشبع من دماء الشعوب، لا بدَّ من أن نوجِّه للرفيق عزة ابراهيم الدوري تحية الوفاء والتضامن مع موقعه المتقدم، وأن نتوجَّه عبره إلى كل فصائل المقاومة العراقية، قادة وأفراداً، بتحية مماثلة، فهم من يصنع لنا النصر القادم خاصة وأنهم وضعوا نصب أعينهم الهدف الذي أعلنته قيادة المقاومة والتحرير بقسمها الذي نشرته في بيانها الأول قائلة: «والله والله والله سيندم الغزاة الكفرة والقتلة واللصوص وكل من تعاون معهم»، وقد نسوا كل شيء، كما ناشدهم الرئيس الشهيد، ونزلوا إلى الخندق يقاتلون الاحتلال، ولم يقعوا بالخطيئة لأنهم لم يرسموا لهم أولويات غير طرد العدو المحتل.