مع مرور الزمن وتسارع الأحداث وما أفرزته من مخاطر على كيان الأمة العربية ترسخت لدينا قناعة بان ما طرحه حزب البعث العربي الاشتراكي من مبادئ تمثلت في الوحدة والحرية والاشتراكية أصبحت ضرورة تاريخية لخلاص الأمة من واقعها المريض وما تعانيه من تخلف وفقدان للحرية والسيادة وانتشار للفقر والحروب . فالتجزئة التي حدثت بعد اتفاقيات سايسبيكو وبروز الثروة البترولية في منطقة الخليج العربي ظهرت دويلات صغيرة تحكمها مشايخ وامارت خاضعة للسيطرة الأجنبية بفصل الشركات الاحتكارية البترولية كما أدى وعد بلفور إلى عزل المشرق العربي عن مغربه وذلك بغرس كيان دخيل على الأمة العربية على ارض فلسطين كحاجز يمنع تلاقي المشرق مع المغرب باعتبار أن فلسطين هي المفصل الذي يربط جناحي الوطن العربي . فالمغرب العربي الذي كان تحت الاستعمار الاستيطاني الذي دام أكثر من قرن كرس الجهل والتخلف وعمل على سلخ الشعب عن هويته العربية الإسلامية. كل هذه العوامل التي ذكرت دفعت حزب البعث العربي الاشتراكي للنضال من أجل توحيد الأمة العربية باعتبار أن الوحدة هي الرجوع إلى الحالة الطبيعية للأمة العربية وأن التجزئة هي حالة طارئة تخدم الاستعمار والطبقة الحاكمة . وبالتالي عندما طرحت الوحدة العربية من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي يعي جيدا مخاطر التجزئة على مستقبل الأجيال وها نحن اليوم نعيش نتائجها الوخيمة على حياة العرب بدون استثناء ففلسطين محتلة من طرف كيان صهيوني مجرم ، أمريكا احتلت العراق وقتلت أكثر من مليون عراقي ونهبت ثروته وتحالفت مع إيران لتكريس الصراع الطائفي بين شيعة وسنة وبين عرب وأكراد كما تم تجزئة السودان إلى دولتين دولة في الجنوب ، وأول من اعترف بها وفتح فيها سفارة هو الكيان الصهيوني ودولة في الشمال ضعيفة ساهمت بشكل مباشر في فصل الجنوب عن الوطن الأم وهكذا قسم السودان على أساس ديني بين سني ومسيحي . فالتجزئة رهنت ثروة الأمة بيد الأجنبي حتى أصبح البترول سلاح يوجه ضدها تستعمله الدول الاستعمارية لخلق الفوضى ونشر الفساد في المجتمع ووسيلة لاحتلال الشعوب تحت شعار التحرير. وما نشهده اليوم من فوضى ما هو إلا تمهيدا لتنفيذ ساسبيكو جديد بعدما لعبت الأنظمة العميلة طول هذه السنين في تكريس السياسة القطرية والاحتماء وراء الدول الاستعمارية خوفا من ضياع مكتسبات السلطة فخلقت فجوة بينها وبين الشعوب مما زاد من حالة العداء بين الأنظمة وشعوبها وبالتالي حان الوقت للقوى الاستعمارية الصهيونية أن تستبق الأحداث قبل ثوران الشعوب ضد أنظمتها تطبيقا لسياسة فرق تسد وإدخال الأمة في صراعات دينية وعرقية وعشائرية لتمزيق نسيج المجتمع الواحد فسقطت الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة وحلت محلها الفوضى والصراع الدموي تمهيدا لخلق دويلات أخرى ذات طابع ديني وعرقي . فالجماهير العربية اليوم تدرك جيدا ما حل بها وما ينتظرها من تحديات خطيرة كما اثبت الواقع أن النضال من أجل الوحدة العربية هو السبيل الوحيد من أجل التخلص من وصاية الأجنبي علينا واسترداد ثروة الأمة وأرضها المحتلة .فالبقاء على هذا الحال يعني اننا سلمنا مصير الأمة كفريسة تنهشها الوحوش من كل جهة . فكل قطر تنفرد به القوى الاستعمارية لابتزازه واستغلاله أبشع الاستغلال ولا يجد سند من يحميه لأن كل قطر منسلخ عن الجسم الواحد وبالتالي علينا إعادة تجميع أطراف هذا الجسم لكي يقوم بوظيفته الحضارية كأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. إذا كان الاستعمار يدعي اليوم بأنه يساند الشعوب العربية للتحرر من الأنظمة الديكتاتورية فهذه مغالطة تاريخية فلا يمكن أن يصبح المستعمر محررا فهو الذي دعم هذه الأنظمة طوال هذه السنين لخدة مشاريعه التوسعية . فشعار التحرر الذي يرفعه اليوم هو في الحقيقة استبدال أنظمة بأنظمة أخرى لتكريس العبودية للمستعمر. فالبعث رفع شعار الحرية أولا للتحرر من الأجنبي سواء بتحرير الأرض المغتصبة أو التحرير من الوصاية والتبعية الثقافية والفكرية والاقتصادية. كما أن الحرية بالنسبة للبعث هو التحرر من الجهل والتخلف والإرهاب الفكري سواء ديني أو الحادي أو عرقي الشئ الذي يمنعنا اليوم من التطور والتقدم هو أن الإنسان العربي غير متحر وبالتالي لا يمكن له الإبداع في كل مجال الحياة فالعقل مازال خاضعا للعشيرة والقبيلة والأجنبي والسلطة والضغوطات الأمنية الاجتماعية والاقتصادية . فعلى الذين يسيرون في فلك الاستعمار والاستنجاد به تحت شعار التحرير أن لاينسوا أنه هو من احتل الجزائر وارتكب في حق الشعب جرائم بشعة أدت إلى قتل ما يزيد من مليون ونصف المليون شهيد كما قتل الملايين من العرب في كل من ليبيا وتونس والمغرب وفلسطين والعراق الخ من سلسلة الجرائم التي ارتكبتها الدول الاستعمارية ممثلة في فرنسا وبريطانيا وايطاليا وأمريكا والكيان الصهيوني ، وبالتالي علينا أن نعتمد على أنفسنا في تقويم أوضاعنا الداخلية على أساس الإخلاص للوطن والأمة وليس الإخلاص للأجنبي على حساب دماء الشعب التي تهدر هنا وهناك يوميا . الجميع اليوم متفق على أن ما يحدث من غليان اجتماعي في العالم هو هذا التفاوت الطبقي الخطير الذي حدث داخل المجتمعات مما تولدت ذهنية مادية طغت على سلوكيات الأفراد فتم طمس القيم الإنسانية وحلت محلها القيم المادية. فالثروة التي منحا الله للإنسان على سطح الأرض وباطنها مسخرة للبشر بدون تمييز يبقى توزيعها على أساس الجهد الفكري واليدوي ولكي ينعم الجميع في سلام وأمان ولكن هذه الثروة اليوم استولت عليها أقلية متوحشة باسم النظام الرأسمالي والانفتاح الاقتصادي والتجارة الحرة فأصبح من يملك السلطة والسلاح يستولي على الثروة بطرق بشعة تارة باحتلال الشعوب وتارة باستخدام التهديد بالقوة تارة بالاختلاس والتحايل وتارة باستعمال السلطة والنفوذ . فهذا الحال ينطبق على واقعنا كعرب بحيث أن ثروة الأمة وخاصة البترول تسيطر علية عائلات الملوك والأمراء ومافيا السلطة مما سمح بانتشار العوز عند الكثير من أفراد الشعب فتم القضاء على الطبقة المتوسطة التي هي العمود الفقري لبناء أي دولة تطمح إلى التقدم والتطور في جميع مجالات الحياة كما أن التفاوت الطبقي ولد لدى بعض أفراد الأمة سلوكا ماديا جعلهم يتلهف وراء لقمة العيش بكل الطرق حتى أصبحنا نعيش في غابة القوى يقتل الضعيف وغاب مفهوم الدولة الوطنية مما جعل التفكير في كيفية استغلال الثروة الوطنية في بناء التنمية غائب تماما عن ذهنية السلطة الحاكمة . ولهذا عندما طرح حزب البعث النمط الاشتراكي كنموذج اقتصادي كان ينظر للأمة العربية ككيان واحد فثروة البترول الموجودة في الخليج هي ملك الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يجب توظيفها في بناء تنمية بشرية وعلمية واقتصادية تضمن الاستقلال والسيادة القومية كما تفتح المجال لكل أبناء هذه الأمة في التعليم والتطور والتقدم . فالذين يعادون النظام الاشتراكي وللأسف الشديد من تيارات دينية حتى استصدروا فتاوى تحرمها وتعتبرها ألحادا ولكن في حقيقة الأمر أحلوا للرأسمالية للاستحواذ على ثروة الأمة حتى أصبحت سلاحا في يد الكفار يقتلون أبناء جلدتهم . وهاهي اليوم الرأسمالية تنتقد في معاقلها وما الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الدول الرأسمالية ما هي إلا نتاج جشع الشركات الاحتكارية وأصحاب البنوك الذين استولوا على الثرة على حساب معانات الشعوب . إذن فالاشتراكية بالنسبة للبعث هو نظام العدالة الاجتماعية الذي يضمن المساواة واسترجاع الثروة من هيمنة الأقلية ووضعها تحت تصرف الأغلبية إن المبادئ الثلاثة التي يناضل البعث من أجلها وهي الوحدة العربية والحرية والاشتراكية هي مبادئ تخدم مصلحة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج وتتعارض مع مصالح دول الغرب الاستعمارية والأنظمة القطرية والملكية والإماراتية والمشايخ والمافيا المالية مما دفع هؤلاء جميعا لشن حرب إبادة ضد البعث في القطر العراقي والقصاءعلى قيادته الوطنية كما حوصر البعث في جميع الأقطار العربية الأخرى . لأنهم يدركون جيدا أن البعث فعلا وضع يده على جرح الأمة العربية فلا قوة بدون الوحدة ولا عزة بدون الحرية وعدل ولا تطور بدون الاشتراكية