المظاهرات التي تجتاح اليوم معظم الولايات الأمريكية،منددة بالبطالة،وسوء الأوضاع الاقتصادية،والاحباطات العامة في أوساط الشعب الأمريكي،ما هي في الواقع، إلا انعكاس فعلي لواقع حال الاقتصاد الأمريكي المنهك بالإخفاقات،والذي بدأ الآن يترنح، بسبب الفعل البطولي للمقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، الذي كبد الاقتصاد الأمريكي خسائر مالية فادحة، عجزت عن معالجتها كل الوصفات التي طرحتها الإدارات الأمريكية، ومؤسساتها المالية،ناهيك عن الخسائر البشرية بين الجيش الأمريكي المحتل ومرتزقته من شركات الحراسة الخاصة،وطواقم الإسناد المدني الأخرى الرديفة لها.وإذا ما أضيفت الخسائر المادية والبشرية الأخرى، التي ألحقتها المقاومة الأفغانية أيضا بالاقتصاد الأمريكي، فانه من الطبيعي،أن نتقبل ونستوعب،التداعيات السلبية،على الوضع في الداخل الأمريكي،لاسيما وان الشعب الأمريكي، يتكون من أديان، وطوائف، وأعراق مختلفة، لا تجمعها رابطة، سوى المكان، واقتصاد الرفاهية، القائم على إشباع الحاجات الأساسية للمواطن الأمريكي أولا وقبل كل شيء، وبالتالي فان أي هزة يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي، وتمس رفاهية المواطن الأمريكي، فإنها ستكون بلا شك، عود الثقاب، الذي سيشعل فتيل التظاهرات، ويؤجج التناقضات النائمة في المجتمع الأمريكي عاجلا أم آجلا. وإذا كان الاقتصاد الأمريكي يعاني اليوم من أزمة هيكلية،حيث زاد حجم المديونية على الناتج المحلي، مما جعله يقف على حافة الانهيار، رغم محاولة إسعافه وبث الحياة فيه، بزيادة سقف المديونية، فان خطاب الرئيس الأمريكي اوباما الأخير،حيث وصف نفسه بالمستضعف إزاء هذا الوضع، وإشارته إلى أن الوضع الأمريكي عموما، بما فيه الاقتصاد، هو ليس أفضل مما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، وهي فترة توليه رئاسة الولايات المتحدة، وان الأزمة الاقتصادية، تشكل عقبة أمام احتمالات فوزه مرة أخرى، في الانتخابات القادمة، إنما تعطي مؤشرا حاسما، بان ربيع التغيير الأمريكي قد حلت بوادره، وان شتاء سبات الاستقرار الوهمي قد ولى. وقد لا نستغرب أبدا، انه إذا ما استمرت الإضرابات بهذه الحدة، وإذا ما تطور الأمر لان يأخذ الاحتجاج شكلا عنيفا، يمس الأمن، ويطيح بالاستقرار،بفعل إرهاصات تردي الوضع الاقتصادي،رغم افتراض تحضر المتظاهرين، فان احتمالات تشرذم المجتمع الأمريكي، وتفككه إلى مكوناته العرقية والدينية، وبالتالي فان احتمال تمزق البلاد في القادم من الايام، قد لا يكون امرأ مستبعدا، برغم كل المكابرات، التي تحاول أجهزة المخابرات، ومراكز البحوث،والفضائيات،والنوافذ الإعلامية الأخرى،تسويقها إلى الرأي العام الداخلي والخارجي لتضليله، وتمرير فكرة وحدة البلاد الحديدية، وتفوقها العسكري، والاقتصادي، والتكنولوجي، الذي يعصمها من الهزات الداخلية الكبرى. إننا اليوم إزاء احد أهم قوانين الحضارات، التي تقول، بان الحضارات ما أن تبلغ النهاية القصوى في العظمة والغطرسة،والتفرد الغاشم، حتى تبدأ بالانحدار، والتدحرج على السفح الآخر، نحو هاوية التفكك،والانحطاط،وهذا هو ما يبدو انه يحصل الآن،مع الإمبراطورية الأمريكية، القطب الأوحد، المهيمن على مقدرات العالم.