أبرز رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه) جورج تنيت في عهد الرئيس الأميركي السابق بوش الابن عبارة (الأمر مؤكد) في كتابه الموسوم في قلب العاصفة؛ لأنها ـ حسب اعتقاده ـ كانت مرتكزا وحجة للصقور في إدارة بوش في تسويقهم للحرب على العراق عام 2003. وحسب رواية تنيت لأسرار الحرب على العراق فإن تلك العبارة جاءت في سياق تقييم نسبة الخطر العراقي، ولم تكن جازمة على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، كما فهمها وروج لها البعض. ولم يدر بخلد تنيت أن (الأمر مؤكد) كان بمثابة الضوء الأخضر لصناع قرار الحرب على العراق رغم نواياهم المبيتة، لأنهم وجدوا في هذا التأكيد من رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية مناسبة للتحضير والإعداد للذهاب إلى العراق. وحاول تنيت في روايته لمسلسل الأحداث التي سبقت شن الحرب أن يفند الكثير من المزاعم التي تتعلق بتضخيم الخطر العراقي، ويكشف النوايا المبيتة لإدارته إزاء العراق والأخطاء التي رافقت عملية احتلاله. وإذا وضعنا رواية تنيت في مسار البحث عن الحقيقة المتعلقة بغزو العراق نستطيع القول إن صقور الحرب في إدارة بوش الابن اعتمدوا في عملية التحشيد والتحريض على العراق على مزاعم ومبررات كشفها تنيت والأحداث التي أعقبت الغزو وأيضا استغلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الإعداد لقرار الحرب. ورغم مرور ثماني سنوات على احتلال العراق وعشرة أعوام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر فإن تداعيات الحدثين ما زالت متواصلة والمأزق الأميركي في العراق وأفغانستان الدليل على ذلك. وطبقا لهذا المأزق لم يؤدِ غزو العراق إلى تحويله إلى واحة للحرية والديمقراطية، ولم يصبح بفعل احتلاله نموذجا يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط، فتحول العراق إلى بلد منكوب ومسلوب الإرادة، ثروته منهوبة، ويتصدر الدول التي تعاني الفساد والبطالة والفقر وهدر المال العام. وغزو العراق ضحيته ثلاثة ملايين إنسان بين قتيل وجريح ومعوق، ومثلهم مهجرون في الداخل والخارج، ورمل نحو مليون عراقية، وشرد ويتم نحو البعة ملاييت طفل، والقائمة تطول لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع العراقي. ولم تتوقف تداعيات غزو العراق على الإنسان، وإنما شملت البيئة العراقية التي أصابها الخراب جراء تأثيرات الأسلحة المحرمة التي استخدمت في الحرب، فحولت بلاد ما بين النهرين إلى أرض قاحلة تشكو الظمأ ويشكو أبناؤها من الأمراض المختلفة، وقبل هذا وذاك انعدام الأمن والاستقرار وساسة أخفقوا في الحفاظ على أموال العراقيين وتطلعاتهم بوطن ينعم بالرفاهية والاستقرار. ومن المناسب ونحن نستذكر رواية أحد أركان الإدارة الأميركية جورج تنيت الذي كان شاهدا على عملية التحضير لغزو العراق أن نعيد النص الذي ورد حول عبارة (الأمر مؤكد) في قلب العاصفة "يعتقد كثير من الأشخاص أن استخدامي عبارة (الأمر مؤكد) كان اللحظة الحاسمة في جعل الرئيس يعقد العزم على إزاحة صدام حسين، وشن الحرب لا شك في أنها تسهم في تقرير موجز لا ينسى لكن الوقائع تكذب ذلك فليس لتلك الكلمتين والاجتماع الذي عقد في المكتب البيضاوي في سبتمبر 2002 أي علاقة بقرار الرئيس إرسال قوات إلى العراق .. فقد كان القرار متخذا قبل ذلك.