لم نستغرب تصريح مسعود البرزاني، رئيس الإقليم الانفصالي الكردستاني، عندما ناشد أعضاء مجلس النواب العراقي المنتخب في ظل الاحتلال، أن يوافقوا على التجديد للاحنلال. وعدم استغرابنا عائد إلى أن البرزاني نفسه شرَّع الخيانة الوطنية عندما تعاون مع جهات أجنبية وساعدها على احتلال وطنه. والغارق في الخيانة لا يخشى من البلل عندما يصر على السباحة في بحرها. ونحن لم نستغرب أيضاً زعم الإدارة الأميركية بأنها تطلب من مجلس نواب زوَّرت انتخابه وأتت بمن يستجيب لإملاءاءاتها، وحكومة تذعن لتلك الإملاءات، التجديد لاتفاقية الذل الأمنية التي شرَّعت وجود الاحتلال ونظَّمته بطريقة توهم أن تلك المؤسسات تعبِّر عن السيادة الوطنية. وعدم استغرابنا عائد إلى أن وسائل تلك الإدارة نفسها مبنية على الكذب والخداع والتضليل. وتلك الصفات تشكل قاعدة منهجية لنظام رأسمالي لا همَّ له إلاَّ سرقة ثروات الشعوب والهيمنة على قراراها السيادي. إلى هنا لا نجد مشكلة جديدة نقوم باكتشافها، أو وضع حلول لها، بل نُذكِّر بها لعلَّها تنفع الذكرى. والتذكير بها مدخل ضروري لعبور بوابة المتغيرات التي ستشهدها الساحة العراقية في الشهور القليلة القادمة. والمرحلة القادمة لا تزال تحمل بصمات نتائج الصراع الذي خاضته المقاومة الوطنية العراقية منذ بداية العدوان على العراق ضد الاحتلال نصف الأممي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وهذه المرحلة توجز نتائجه التي لا تزال تصب في طاحونة المقاومة ولمصلحة الشعب العراقي. ومن أهم نتائجها أنها لم تقزِّم أممية الاحتلال فحسب، بل قزَّمت واقع الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، وأردتها ثوراً مكسور القرنين ومحطَّم الأضلاع يخور من التعب والإرهاق. وإذا كان مُخرجو هوليوود يحاولون تصوير ثور بلادهم على غير واقعه الجقيقي فإنما لكي يرفعوا معنويات شعب الولايات المتحدة الأميركية من جهة، ولإحداث المزيد من الضغط النفسي على شعب العراق من جهة أخرى. ولأن المقصود حالياً من الشعب العراقي كل من أسهم تحت الاحتلال في بناء مؤسسات العراق السياسية بشكل خاص، فإن المقصود بالأخص أعضاء مؤسسة البرلمان العراقي بالتحديد. ولهذا جئنا في مقالنا هذا لكي نخاطب أولئك الأعضاء لعلَّ ضمائرهم الوطنية لا يزال فيها نبض من الحياة والحياء. لا فرصة أمام الواهمين باستمرار الاحتلال لكي يفكروا طويلاً، فحبل مشنقة المقاومة يضيق حول رقابهم، وهو يضيق أكثر كلما اقترب موعد الانسحاب النهائي لفلول الاحتلال القابعين في قواعدهم غير المحصَّنة لأنها مكشوفة أمام صواريخ المقاومة. والذين لا يزالوا يراهنون على توفير غطاء شرعي وهمي مناشدين أعضاء ما يعتبرونه مجلساً نيابياً منتخباً. حقيقة الأمر أن الاحتلال ليس بحاجة إلى أي غطاء شرعي، لأنه غير شرعي بالمبدأ الإنساني والدولي العام. وهو يستطيع أن يفرض بقاءه، ويجدد لنفسه، من دون غطاء أحد. لأن ما هو قائم عنده على منطق القوة سيظل قائماً على المنطق ذاته. وفي كل الأحوال سيبقى ملاحقاً بقوة المقاومة التي هزمته في أوج قوته. ولكنه لا يزال يراهن على تحولات ومتغيرات يعد لها، وهو محتاج إلى غطاء عراقي ولو كان الغطاء شكلياً وغير شرعي. ولكن ليس نصيب المراهنات النجاح خاصة إذا كانت لا تستند إلى عوامل قوة كافية تدعمها وتحميها وتوفر لها شروط نجاحها. وبينما يبقى الاحتلال واقفاً على رصيف المراهنات، يعمل على إضافة رهان آخر، هو أن يُدعِّم لاشرعيته بأصوات أعضاء (مجلس النواب العراقي) للتجديد لاتفاقية الإذعان الأمنية لعلَّها تعطيه فرصة حتى ولو كانت فرصة من الوهم. وهنا، يعلم أعضاء (مجلس النواب العراقي)، أكثر من غيرهم، حقيقة الأوهام التي تراهن عليها إدارة الاحتلال، كما يعلمون أن التحرير حاصل بالفعل. ويعلمون أن من أعلن الهزيمة لا يفكر بالنصر، ومن حاز على شروط النصر لن يفكر بالتراجع. ونتيجة تلك المعادلة يعلمون أيضاً أنهم لن يستطيعوا إحياء عظام الاحتلال وهي رميم. فهي اللحظة الأخيرة التي تفصلهم عن ساعة الاستحقاق عندما سيقفون أمام دينونة الشعب العراقي، في ساحات التحرير وشوارعه، ليحاسبهم على خيانة وطنهم. تلك الساعة آتية لا ريب فيها، وما عليهم إلاَّ الإعداد لها بموقف أخير ينقذ ضميرهم الوطني وتنظيفه من حالة التلوث التي طالما تعرَّضوا لها. وأخيراً، هل تستفيق ضمائر من نخاطبهم، ويقولون: (لا للتجديد لاتفاقية الإذعان الأمنية)، حتى ولو كانوا واثقين أن الاحتلال سيجدد لنفسه بنفسه. إتركوه مكشوفاً ولا تشكلوا له غطاءً ولو للمرة الأولى في حياتكم السياسية تحت ظل الاحتلال، وللمرة الأخيرة في حياته. عودوا إلى أحضان شعبكم، والشعب يغفر لمن يتوب، لكنه لن يغفر لمن يستمر على الخطأ.