لسنا بلداء كما يظن أعداءنا، بل نحن شعب ذكي جدا ولا تغشي بصائرنا غشاوة .. نحن شعب فطن وحكيم .. وفينا كثر ممن يتذكرون مقولة تنسب إلى الإمام محمد الباقر عليه السلام: ثلثي إصلاح ذات البين الفطنة وثلثه التغافل ... ما يجري في أمتنا الآن لا يناسب فطنتنا ولا يقترب من حكمة التغافل ربما لأن الظرف الذي وضعنا فيه على درجة كبيرة من التعقيد والتشابك والفوضى والعدوانية الوحشية مع ان طلائعنا لن تغيب عنها الحقيقة ومسالك استحقاقات الأمة أبدا. يوم إنجر القذافي إلى تدمير برنامج ليبيا العلمي ارضاءا" لأمريكا والغرب الامبريالي الصهيوني كيلت له أطنان المديح ووُصف بأحلى المسميات وألطفها من أميركا والعرب الناعقين في أجواءها .. وُصف بالحكيم, الشجاع, واسع الأفق, المحب والحافظ للسلام والأمن الدوليين, القائد الواقعي والمتفهم, الحافظ لوطنه وشعبه ..الخ. كل ذاك التلميع اقتضته متطلبات اللعبة حينها وهي أن يُقدم القذافي حكيما, ملاكا .. مقابل (شيطان) العراق صدام حسين, كان لزاما أن تعم غيوم النفاق في جبين أحد زعماء العرب لتضيء صحارى التبشيع الأمريكي وتلغي ذاكرة العرب وتغيّب إدراكهم للحقائق التي لا يغيبها إلا أفّاك آثم ضد العراق وقيادته. كانت اللعبة الإعلامية الماكرة الباطلة تتطلب تقديم نموذج عربي على مسارات الخطة الإعلامية المرافقة لاحتلال العراق وشيطنة قيادته عبر إثبات إن العراق لم يعط أية مرونة في التعامل مع قرارات الأمم المتحدة لنزع أسلحته وليكون هذا التشدد المزعوم هو مبرر الحشد العالمي لذبح العراق. وكان القذافي يطلب ود أميركا وينافقها على حساب مصلحة ليبيا والأمة. نحن لا نصدق أن يكون على أرض المعمورة مَن فاتت عليه تلك الخدعة اللئيمة سواء" ممن صفقوا للقذافي وقراره المنافق في ابسط وصف له, أو ممن أداروا لعبة الضغط الأمريكية. ولا يُعقل أن تكون كل جماجمنا ومراكز الذاكرة فيها قد غادرت تفاصيل تلك اللعبة حتى تقبل الآن كل تفاصيل الشيطنة والتبشيع التي تُشن ضد القذافي من ذات الأطراف التي أوصلته إلى العلالي حينها تنكيلا بالشهيد صدام حسين وقيادة العراق الذي رفض التنازل والخنوع ورفض الاستسلام أمام إرادة الغزاة والخونة وإجرام الامبريالية والصهيونية وسجل نصرا تاريخيا للأمة في الدفاع عن إرادتها وحقوقها الثابتة في التقدم والتطور. هل كانت أميركا والصهيونية نائمة ثم استيقظت أم ماذا يا عرب؟ ثمان سنوات فقط تفصل بين إعلام التمجيد وإعلام الشيطنة. ثمان سنوات هي الزمن الواقع بين تركيع العرب وإخراس ألسنتهم لغزو العراق واحتلاله وذبح عروبته وزرع الفتن الطائفية والعرقية والفساد فيه وبين لحظة احتلال ليبيا بذات الأدوات ولنفس الأهداف والأغراض السياسية والاقتصادية الهادفة إلى تدمير الأمة العربية وتكريس الاحتلال الصهيوني وتواصل برامج نهب ثروات الأمة مع فارق جوهري هو اختزال أية مهمة تهدر قطرة دم أمريكية أو غربية عبر اعتماد كتائب من الليبيين المهاجرين والمرتزقة ومن انتماءات سياسية متناقضة لا يجمعها جامع تماما كتلك التي استخدمت في حكم المنطقة الغبراء ببغداد وجلهم من الاسلامويين اللاهثين خلف إرضاء أميركا للوصول إلى السلطة. وكان القذافي يوصف أيضا متفهما وحكيما عندما أدار مع الغرب مباحثات تعويض عوائل طائرة لوكربي ودفع لهم مليارات الدولارات اعترافا بقتله لهم وهو اعتراف مشكوك بصدقيته. ولا ندري إن كان الحادث إلى اللحظة قد دبرته مخابرات القذافي فعلا أم لا ولا نعرف أي فارق بينه وبين ما يمجده آلاف العرب والمسلمين من بطولة ابن لادن التي استهدفت أميركا!!. ليس لدينا ما يقنعنا إن ابن لادن كان بطلا والقذافي مجرما في تنفيذهما كليهما هجوما انتقاميا من أميركا وحلفاءها التي كانت وما زالت تجز رقابنا بدم بارد. غير إن نفس الأفواه التي هللت للوكربي ثم هللت للتعويض هي ذاتها التي تهلل للناتو وثواره وهم يحولون رمال ليبيا إلى جحيم يحرق أهلها وموت مجاني ينبعث من كل إرجاءها. ما هي الأسس والأسباب التي يتبعها بعضنا في الانحناء حد كسر الظهر أمام جبروت الزعيم العربي ثم بعد حين يتحول إلى إعصار يجتث كيان ذاك الزعيم؟. لا نعرف بالضبط كيف يخنع شعب برمته لسطوة الزعيم ثم تأتي حفنة من المعبئين بأحقاد الأرض والسماء لتزيحه بعد أن تدمر ليبيا بقنابل وصواريخ الناتو. لا تستطيع عقولنا وألبابنا أن تتقبل إننا خضعنا 40 عاما كاملة لمجنون أو مهووس أو دكتاتور كما يصفونه ونحن أبناء وأحفاد عمر المختار. وإذا كان شعب ليبيا خانعا فمن الذي أنجب هؤلاء الثوار الذين نزلوا علينا بطائرات وبوارج حلف الناتو .. هل هم أولاد ليبيا أم هم أوغاد ومرتزقة؟؟ هذه ليست بطولة العروبة التي قرأنا عنها برموزها علي وخالد والقعقاع وصلاح الدين والمختار وغيرهم. وهذا ليس عزم الأمة التي أنجبت مئات الأنبياء والرسل والصالحين وهاجرت مجاهدة مناصرة لدينها وموقف شرفها وولادة مجد وعز تليد لها. هذه ليست أخلاق وسمات وخصال امة فتح مكة وغزوات بدر والخندق وأحد والقادسية وذي قار. هذه ليست روح وأخلاق الأمة التي فتحت الشرق والغرب حبا في الله ودينه وإظهارا لذاتها اليعربية الأصيلة. امتنا في كل انجازاتها كانت تعتمد على نفسها وعلى طاقة أبناءها. لم يكن هناك من مبرر لثورة في ليبيا يوم تحول نظام العقيد إلى احد اكبر الممولين بالصواريخ لنظام خميني الذي استخدمها لقصف بغداد وتدمير المدارس والمستشفيات وبيوت المواطنين وإزهاق أرواح المئات!! لسبب واحد يمكن أن تدركه عقولنا هو رضا أعداء العراق. ونحن لم ولن نستخدم هذه الممارسة لتكون حاوية لثأر جبان تأخذه نيابة عنا أساطيل حلف الناتو. وأخلاقنا ومبادئنا ارفع وأسمى خلقا من أن ننجر إلى ممارسات غير قومية لتسجل علينا وعلى خطنا الثائر الحقيقي لتحقيق أهداف الأمة. ولن نتوقف أبدا عن إسنادنا لشعب ليبيا ضد عدوان الناتو ولن نُخدع أبدا بثورة يمهد لها مسالكها الموت والتدمير النازل على أهلنا في ليبيا بواسطة صواريخ وقنابل الناتو المجرم. لم نقرأ يوما سطرا واحدا عن التصفيات الجسدية التي أودت بحياة آلاف البعثيين الليبيين والتي أدت إلى إنهاء وجود الحزب تماما في ليبيا. ونحن لم ولن نستخدم خطايا وآثام وجرائم نظام ليبيا لنسقط في دوائر التبعية والانجرار العاطفي المهلك، بل بقينا وسنبقى نتمسك بثوابتنا القومية ومنها أن نمارس الثورة بأرواحنا حين تحين ساعتها ونأخذ حق شعبنا بطلائعنا وليس بطائرات فرنسا وبريطانيا. وتقييمنا العام إن القادمون أسوأ بكثير. لا نعرف ولن نعترف بثورة تقوم فيها قوات الناتو وكتائب لقوات خاصة لهم تسند مجاميع من المرتزقة والمغرر بهم واليائسون بتدمير الأرض والبناء، ويرقص (الثوار) بعد حين فوق الأشلاء لأبناء جلدتهم الممزقة والبناء المخرب. هذه ليست ثورة، بل لعنة وفعل يستدعي غضبا ربانيا بمستوى طوفان نوح. حتى لو كان للقذافي ونظامه قرون الشياطين وصدور السحرة .. لن نسمي ما يحصل ثورة ولن نقبل به لأنه ليس ثورة، بل خيانة وعمالة. ها هي أدوات الإعلام تتحدث عن التعددية والانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والمصالحة الوطنية والإعمار في ليبيا .. أي نعم الإعمار .. وما أدراكم ما حكاية الإعمار هذه لأن خلفها يقف كل شياطين الكون ويتستر خلفها الإسلام السياسي القطري والتركي والإماراتي وإنسانية فرنسا وبريطانيا وأميركا. نفس اللغة ونفس المفردات التي استخدمها (محرري) العراق مثل الجلبي والحكيم والطالباني وأركان الحزب الإسلامي العراقي والدعوة وعلمانيو سوهو, ولم يعرف العراق لا مصالحة ولا إعمار، بل قتل وتدمير ومحاصصة طائفية بذرت في جنباته ألف عامل للفرقة والتشرذم وانتخابات يقودها المعممون المنافقون وتجار الأفيون وتنتج إمعات وأنصاف رجال وطراطير من عملاء أميركا واللاهثين للعب ادوار تجلب لهم الثروة في زمن حمل سمة وصفة افسد من البيضة في فسادة وتنخره. نفس الطاس ونفس الحمّام. كما نقول في العراق .. نفس الأرض (العربية) التي انطلق منها جراد الغزو وقردته الخاسئين ضد العراق .. انطلق منها مال وطائرات الإسلاميين الجدد والعلمانيون المصنوعين ماركة مسجلة في سوهو وتحت برج إيفل وفي بركة الدم التي يُقال إن القاعدة قد أراقتها في برج التجارة العالمية وحادثة لوكربي. نفس البنوك ونفس الأقلام التي وقعت شيكات عربونات الزنا وزيجات المتعة والمسيار بين الكلاب السوداء والبيضاء والشقراء لتدمير العراق. نفس الثأر الأسود من عراق أفلت من طوابير التخلف فقررت الصهيوامبريالية إرجاعه إلى ما وراء المربع الأول هو الثأر ضد نظام ليبيا الذي يكذب كل مَن يقول انه لم يبن ويطور، بل فعل. يكذب مَن يقول إن شعب ليبيا فقير أو جائع لأننا أراد لنا الله أن نعيش معهم عاما كاملا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي وتنقلنا بين طرابلس والزاوية وسرت وزوارة ومصراته وصبراته ووصلنا في جولات الاستطلاع إلى نقطة حدود تونس والى البيضاء والجبل الأخضر وصولا إلى بنغازي وغيرها. لم نسمع عن ليبي عاطل عن العمل ولم نسمع عن ليبي يبحث عن إيجار بيت وكان معظم الليبيين يمتلكون سيارات وجوازات. ويكذب مَن يقول إن ليبيا لم تعمر، بل فيها خدمات ومؤسسات وشوارع وطرق داخلية وخارجية حديثة وفنادق وعمارات ومصانع تنتج أدوات وأجهزة كهربائية والكترونية ومعدات ثقيلة وشوارعها تعج بأحدث السيارات وبحرها يموج بالسفن والسمك والسياح والغضب!!. ليبيا من أجمل بلدان الأمة ومدنها الساحلية جنات الله في الأرض يسير الإنسان فيها ساعات تحت ظلال الأشجار التي تلاقت رؤوسها في الأعالي وخلقت مظلات طبيعية هائلة والزهراء شاهد عيان. وأرض ليبيا وإنسانها ينتج فواكه وثمار عجيبة في حلاوتها ومذاقها وأحجامها ورخص ثمنها. في ليبيا معامل ومختبرات مجهّزة في كل جامعاتها ومعاهدها وكلياتها، ومختبرات بحوث متقدمة وأساتذة يدرسون إلى جانب الأكاديميين الوافدين من مصر والعراق والسودان وغيرها مثلما فيها كسل مخيف واتكالية غير حميدة متفشية بين الموظفين وفساد مالي وإداري كبيرين. وفيها أيضا قبضة بوليسية رهيبة وأجهزة مخابرات معقدة ومتشابكة القنوات شأنها شأن كل الأنظمة العربية دون استثناء ومنها أنظمة لم ولن تحصل فيها ثورات أمريكية ولا ناتوية. لو حصلنا على إحصائية لعدد الليبيين الذين ابتعثهم النظام لدراسة العلوم المختلفة في بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول العالم لوجدنا إن العدد قد يكون مليونيا, لكن ليبيا رغم ذلك ظلت تستورد الأكاديميين لتغطية احتياجاتها المستديمة لأن جل المبتعثين يظلون لسنوات دون إكمال دراستهم!! ولأن معظم مَن يكمل منهم دراسته لا يستطيع مغادرة أجواء الأنس الغربية ومنهم تشكلت المعارضة المخترقة غربيا. ومع ذلك فان لليبيا برامج سرية وأخرى علنية في مجالات العلم والتطور التكنولوجي مثلما عندها صناعات تغطي احتياجات كثيرة. نعم, لقد كان القذافي كابوسا على بعض الزعماء العرب ممن ساهموا في احتلال العراق واغتيال الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين، وكان في جلسات مؤتمر القمة يضعهم أمام حقيقتهم المجرمة وينغص عليهم ويحرجهم حرجا كبيرا.... ونعم كان مزعجا للكثيرين حين بصق بوجه المنظمة الدولية في قاعتها الرئيسية وأمام كل ممثليها ومزق ميثاقها المنافق ... نعم كان مزعجا في الاسراطين التي ظنّ البعض خطأ" انه اخترعها. نعم أزعجهم في سعيه لفضاء أفريقي ينافس القوى الكبرى واستخدامه لهذا الفضاء للتهجم في أية لحظة يريد على الزعماء والأنظمة العربية ليذكرها بتصحر مضمونها القومي الذي لو كان قائما لصارت دولة العرب أهم من كل الفضاءات المتشكلة في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وبأنانياتها وجشعها وجبنها. لم يستوعب القذافي درس احتلال العراق ولم يقم بالإصلاحات السياسية التي فرضتها مرحلة ما بعد إسقاط السد العراقي كإرادة أمريكية صرفة وظل يتجاهل الآلاف المؤلفة من الليبيين المهاجرين بعلمه وبدون علمه وظل يسمهم ويصفهم بما فيهم وبما ليس فيهم ويتحدى إنسانيتهم وظروفهم التي خلقها هو أو خلقوها هم لأنفسهم... ولكنه أيضا كان من حيث المقارنات العلمية والموضوعية لا يقل بشئ عن العرب الذين يساهمون الآن في ذبح ليبيا لإسقاطه.. لا في قوة الاقتصاد ولا في التنمية ولا في الإنتاج الزراعي أو الصناعي... لا السعودية ولا قطر ولا الإمارات ولا الأردن تتقدم على ليبيا بشئ يجعل من نظام القذافي الأسوأ ليكون هدف التغيير .. وحتى لو كان كذلك, فان استخدام الناتو لإسقاطه هو إثم وجريمة نكراء بحق ليبيا والأمة العربية والعروبة وبحق الإسلام حتى لو كان بعض مَن حملوا السلاح لإسقاطه أدعياء إسلام ويتكلمون العربية إلى جانب الفرنسية والانجليزية!. كان الأجدر والأصح والأسلم أن يسقط بقوة الشعب الليبي الذي لا تنقصه الشجاعة ولا الإقدام ولا الوعي ولا تنقصه قوة جيشه الوطني الذي كان بوسعه أن يدخل بخطة التغيير بقوة لو كانت وطنية القوام وخالصة لوجه ليبيا والأمة. ثمة الكثير ليقال .. غير إننا ننتهي هنا إلى إن الاستقواء بالأجنبي لتدمير مدننا وقتل شعبنا ليسهل إسقاط النظام حرام في شرع الله وشرائع البشر الوضعية كلها. وان قناعاتنا لا تبتعد عن قناعات حتى الأجنبي المشارك بقتلنا بأنه لا يقدم المساعدة لوجه الله وسواد عيوننا، بل ليحقق مصالح ومنافع على حساب سيدة الوطن وإرادة الشعب الحرة. إن الاستقواء والاعتماد على الأجنبي هي جلب للاحتلال وذبح للسيادة الوطنية وإنهاء لفكرة الاستقلال السياسي والاقتصادي. كما إن القوى المتحالفة مع الأجنبي لا يمكن أن تكون على خط إيديولوجي واحد، بل فيها الاسلاموي السياسي والليبرالي والعلماني والقبلي وبعضها متطرف وهكذا تنوع هو مفتاح التشرذم والفرقة وتمزيق الأوطان وبيننا وبينكم الأيام مع إننا ندعو الله أن تكون هواجسنا ومخاوفنا ومعرفتنا في غير محلها حبا بليبيا وبشعبها. إن وجود كتائب لقوات خاصة بريطانية وايطالية ومن بعض الأنظمة العربية يؤكد تشابه ما يحصل في ليبيا مع ما حصل ويحصل في العراق وتذكروا أيها العرب إن ما حصل في العراق له من يؤيده رغم انه احتلال آثم وخيانة تغيض الله وعباده ونحن له مقاومون.وليعلم من يريد أن يعلم منكم انه لو كان القذافي قد قتل نصف آباءنا وسببا في كل الذي تئن منه الأمة من بؤس وشقاء وتخلف فلن نقبل ان نقتله وندمر بناءه بقوة الأجنبي وسننتظر بفطنة وحلم حتى تحين ساعة إحقاق الحق بأيدينا .. نحن العرب.