" الأمازيغ قادمون .. ديمقراطيّون علمانيّون مسالمون وعلى عدوّهم غاضبون شرسون .. هكذا تكلّم التاريخ، أفلا تعقلون ". كان هذا هو الشعار الذي رفعه أعضاء منبر الثقافة الأمازيغيّة على شبكة الفايس بوك .. بعد تحديد الشعار اجتمعوا في تونس وكوّنوا "الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية" التي استأنفت نشاطها قانونيّا يوم 29 جويلية 2011. لم ننتظر طويلا لنعرف هذا العدوّ الذي تداعى أمازيغ تونس لمقاومته ودحره .. لقد أفصح عنه السيّد أنيس المكني خلال حديثه إلى جريدة ( حقائق)في عددها 156 بتاريخ 12 أوت 2011 .. نعم .. أفصح عنه هذا العضو المؤسّس للجمعيّة التونسيّة للثقافة الأمازيغيّة بلا تلميح أو مواربة أو تأويل: إنّهم القوميّون !!! الذين أسّسوا هذه الجمعيّة قالوا إنّهم "ينحدرون من أصول بربرية أمازيغية"، وبدا من التسمية التي اختاروها لجمعيّتهم ومن تصريحات المؤسّسين أنّ هذه الجمعيّة ذات طابع ثقافيّ بالأساس، إذ "تهدف إلى صيانة الموروث الثقافيّ والحضاريّ الأمازيغيّ، وصيانة الطابع العمرانيّ للقرى البربريّة، والسعي إلى إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالميّ، وحصر المتاحف الأمازيغيّة، وإبرازها وتطويرها من خلال تنظيم تظاهرات ثقافيّة وفنيّة أمازيغيّة، والتشجيع على البحوث والدراسات في هذا المجال" مثلما أكّدت ذلك رئيسة الجمعية خديجة بن سعيدان. لكنّ النبرة بدأت تتصاعد تدريجيّا بما جعل المتابع يشعر أنّه أمام جمعيّة تلتحف بالثقافة والفنّ والتراث، لكنّها تنطوي على عمق سياسيّ إيديولوجيّ من شأنه أن يُدخل بعض الإرباك على الوضع الاجتماعيّ، وربّما يهدّد النسيج الاجتماعيّ المتماسك في تونس إذا ما توافرت له أرضيّة داخليّة يسندها تواطؤ خارجيّ يؤسّس ويدعم ويغذّي ويموّل ويحمي كلّ النزعات التي تستهدف تماسك الشعب ووحدته. أصبح المؤسّسون ( ومنهم السيّدة بن سعيدان)يتحدّثون عن ضرورة "تخليص التراث والثقافة واللغة الأمازيغيّة بتونس من النظرة الدونيّة الملتصقة بها، والمسهمة في بناء هويّة تونسيّة متكاملة، قائمة على التعدّد والتنوّع والاختلاف والمشاركة، بدون إقصاء أو تهميش". وتزامنت كلّ هذه المواقف والتصريحات الاستفزازيّة مع حملة على بعض الفضائيّات والمواقع الالكترونية وصفحات على موقع "فيسبوك" تشكّك في عروبة تونس، وتدعو إلى العودة بالبلاد إلى "أصولها البربريّة" والقطع مع هذه الفترة المظلمة من "الغزو العربيّ" .. بل تتّخذ مواقف عنصريّة من العرب والمتمسّكين بعروبتهم في ظاهرة تذكّر بما اصطلح على تسميته قديما بالشعوبيّة التي كانت تستهدف الحطّ من قيمة الجنس العربيّ وتعييره بالبداوة والبعد عن التحضّر. على صفحات "فيسبوك" نجد من التعليقات والسباب ما يلقي بظلال من الشكّ والريبة على توجّهات إخوتنا الذين لا نرى أنفسنا أعداء لهم ولا نتصوّر أنّ تونس تضيق بهم لأنّهم ليسوا ضيوفا طارئين عليها وإنّما هم أبناؤها الذين لا يحتاجون إلى شهادة إثبات نسب، مثلما أنّهم لا يحتاجون إلى استنفار قواهم في الداخل وحلفائهم في الخارج لأنّه لا أحد يستهدف وجودهم أو ثقافتهم وتراثهم. من العجيب حقّا أن ينعت الأمازيغيّ أخاه العربيّ بـ" حفيد أبي جهل الذي أوغل حديثه في البداوة والتصحّر والاعتقاد القومجيّ والإسلامويّ"، كما أنّه "اللقيط الذي لا يعرف أصله ولا فصله لأنّه يستند إلى مستنقع عروبيّ شوفينيّ". نحن العرب "أمّة بدون تاريخ .. وعلينا أن نكتشف التاريخ العظيم للأمازيغ و قزميّة تاريخ قومنا الذي هذّبته شعوب كالفرس و الأكراد و غيرهم .. " هكذا يقول عنّا إخوتنا الذين لم نشعر في أيّ يوم من الأيّام أنّهم بربر وأنّهم مختلفون عنّا، وأنّ ثمّة داخل صدور بعضهم بركانا من الغضب والحقد والرغبة في الثأر والانتقام. الثأر ممّن؟ من العرب كلّهم؟ أم من القوميّين تحديدا؟يبدو من خلال تصريحات السيّد أنيس المكني ( وهو الذي كان يعبّر عن مواقف الجمعيّة التونسيّة للثقافة الأمازيغيّة لا عن مواقفه الخاصّة)أنّ إخوتنا الأمازيغ يسعون إلى زعزعة الثوابت والعودة إلى جذور يدّعون أنّها الهويّة الحقيقيّة لتونس أرضا وشعبا، هي الهويّة البربريّة، وهو ما يعني أنّهم يريدون أن يعصفوا بكلّ ما له صلة بالانتماء العربيّ الإسلاميّ لتونس. ألم يقل السيّد المكني إنّ العرب غزاة؟ وإنّ قتل كسيلة لعقبة بن نافع مبرّر؟ ألم يقل أصحابه "إنّ العرب لم يحرّروا شعبا أبد .. وأنّ عقبة بن نافع هو مجرم حرب"؟بلى .. قالوا هذا، وأضافوا إليه كلّ ما من شأنه أن يدقّ إسفينا بين العرب وغيرهم رغم أنّنا بصدق لم نشعر في أيّ يوم من الأيّام أنّ في تونس قوميّتين، كما أنّنا لم نشعر مطلقا بعقدة استعلاء إزاء أحد، بل كنّا دائما نفاخر بأنّنا في تونس محصّنون ضدّ أيّ انقسام عرقيّ أو دينيّ أو طائفيّ أو مذهبيّ. إنّنا لم نفكّر أبدا ولم نطرح السؤال مطلقا بخصوص عروبتنا أو بربريّتنا لأنّنا كنّا دائما ننظر إلى العروبة باعتبارها الجامع المشترك بيننا جميعا، ولأنّنا بالتأكيد لا ننظر إلى العروبة على أنّها انتماء عرقيّ ونقاء للدم بقدر ما هي انتماء حضاريّ تعزّزه مقوّمات اللغة والتاريخ والمصير. فلماذا يجرّنا السيّد أنيس المكني وأمثاله إلى تطاحن وعداء لن يكون المستفيد منهما سوى أعدائنا؟ إنّ مطالبة الأمازيغ بإعادة النظر في هويّة شعبنا في تونس العربيّة يجب أن يُفهم في إطار هذه الدعوات المحمومة التي تطلقها جهات مشبوهة في الداخل ومتآمرة في الخارج بغرض خلق أقلّيات عرقيّة أو دينيّة أو طائفيّة أو مذهبيّة تكون في يوم ما مبرّرا لتدخّلات أجنبيّة تحت دعاوى حماية هذه الأقلّيّات من أيّ اضطهاد مزعوم. إنّنا لا نريد أن نناقش في هذا الحيّز المحدود الأصول العرقيّة للبربر، ولا عددهم، ولا أماكن وجودهم وانتشارهم في البلاد، ولا عدد الناطقين بالأمازيغيّة في تونس، لأنّنا نؤمن أنّ قدرنا أن نعيش معا، وأنّ التنوّع اللغويّ والتعدّد الثقافيّ يجب أن يكونا عامل ثراء وقوّة لا عامل فرقة وخلاف .. حتّى لا تكون فتنة لا يعرف أحد مداها.