واجهت محاولات بعض الساسة الفاشلين والمعزولين شعبيا في مشروعهم للفدراليات طريقا مسدودا، نتيجة وعي الشعب العراقي لما يخطط ضد بلده، ومن حق العراقي أن يسأل عن أسباب طرح هذا المشروع وتوقيتاته المشبوهة، فهؤلاء السياسيون الذين فقدوا كل رصيدهم الذي افترضوه في مناطقهم، لم يجدوا غير دغدغة عواطف البسطاء بشعارات مناطقية بائسة علهم يحصدوا مزيدا من المغانم والمكاسب التي طرحوها في الانتخابات النيابية او المحلية، من دون أن يكون لتلك الانتخابات مصداقية أو رصيدا في رأي المواطن العراقي، ولكنهم أصروا على مزاعمهم بتمثيل رأي الشارع فيما يطرحون فبدلا من الانزواء عن الواجهة، مهدوا لأنفسهم المزيد من العزلة حتى نبذهم أقرب الناس إليهم لأنهم تركوا كل التجارات السياسية الرخيصة التي يصلحون لها، وراحوا للمتاجرة بمصير العراق ووحدته، تحت لافتة تعرض مناطقهم للتهميش والظلم في توزيع المناصب وميزانيات المحافظات أو إقامة المشاريع التنموية، وكأنهم الآن فقط تفاجؤوهم هذه الظروف التي تشمل كل مدن العراق دون استثناء، البعض الآخر استغرب من عدم وجود صلاحيات سياسية أو إدارية محددة له مع أنه يشغل منصبا كبيرا في الحكومة، ولهذه العوامل التي أقل ما يقال عنها أنها مبررات ساذجة، يريد دعاة الفدرالية البحث لأنفسهم عن دور أو وجاهة أو مغانم ومكاسب لأنهم يرون بأعينهم كيف تبدد ثروات العراق على المحاسيب، بالدعوة إلى اللغم الخطير الذي وضعه بول بريمر في دستور 2005 وهو دعوة الفدرالية استنساخا من قانون إدارة الدولة العراقية. لا نريد أن نطالب الجميع بأن يكونوا ملائكة، فهذا طلب غير واقعي ويتعارض مع الخصال البشرية وخاصة مع سياسي العراق الحالي وهو بكل تأكيد فوق طاقتهم، غير أنهم ليس من حقهم أن يكونوا شياطين تنفذ علينا أجندات لئيمة تريد نسف أسس وحدة العراق أرضا وشعبا ثم يطلبوا من العراقيين عدم فضح سلوكهم المنحرف، ومن يريد أن ينتشل منطقته من الإهمال المقصود فيجب أن ينظر إلى كل العراق بنظرة واحدة، من دون منطق عشائري أو مدائني أو عرقي أو طائفي، نعم من واجب ممثلي المناطق أن يدافعوا عن حقوق مناطقهم ولكن ليس بمعنى الاستئثار بالامتيازات مع معرفتهم بالحرمان الذي تعاني منه مناطق العراق الأخرى، والسطو على حقوق المناطق الأخرى التي تعيش بسب العملية السياسية التي صممها المحتلون حرمانا مركبا بسبب الفساد المالي والإداري، وبسبب انعدام الكفاءة في الجهاز الحكومي وعلى كل المستويات مما يعني أن الحل لن يكون متاحا إلا بتصميم عملية سياسية جديدة من قبل العراقيين أنفسهم تقوم على أنقاض العملية السياسية الخاطئة التي بنيت ليس من أجل بناء العراق وإنما من أجل تدميره وتفتيته، وربما تكون ملاحقة الفساد قولا وعملا أفضل فضيلة لمن يريد تقديم خدمة حقيقية للعراق. ومع ذلك فإن تراجع بعض دعاة الفدرالية عن دعوتهم الأخيرة لم يكن نتيجة صحوة ضمير وطني، وإنما لأن من خاض هذا المخاض وتراجع عنه، إنما فعل ذلك بعد إحساسهم العميق بمدى عزلتهم ربما حتى داخل أوساطهم العائلية، ولذلك يجب سد الأبواب بوجوههم وعزلهم سياسيا بعد أن فقدوا آخر ما كانوا يتنطعون به من أكاذيب ويريدون تسويقها على البسطاء من الناس. إن محنة الفدرالية التي تريد تمزيق العراق إلى كيانات متقاتلة على بقع صغيرة من الأرض أو كميات محدودة من المياه، أو يسعى طرف للانتفاع مما تختزنه الأرض في منطقته من ثروة، لا يفعل ذلك دفاعا عن سكان المنطقة بقدر ما هو تسابق على الثراء السريع لأن البعض ممن دخل في التركيبة الحاكمة ويطلع بحكم منصبه على التلاعب بالمال العام والإثراء غير المشروع من العمولات والمقاولات والصفقات السوداء، والتي تحولت إلى أرصدة تتضخم مع الوقت في بنوك أوربا وعقارات في مختلف المدن بما فيها الخليج العربي، فإنه يشعر أنه يده لا تصل إلى ذلك المال فلم يجد غير شعار الفدرالية طريقا قصيرا للحصول على مغانم الإقليم الذي يريد الاستقلال به. وأغرب ما يطرح هؤلاء في تبرير سلوكهم أنهم إنما يستجيبون لنص الدستور الذي أجاز الفدرالية، على الرغم من أنهم كانوا يزايدون على الوطنيين في رفضهم لذلك النص الدستوري، فهل اكتشفوا هذه الاجازة كي ينقلبوا دون مقدمات ويتراصفوا مع الجوقة نفسها التي زعموا أنهم مختلفون معها بشأن الفدرالية بالذات، فكيف يمكن أن يعطي المواطن ثقته للوصوليين والانتهازيين الذي يركبون الموجة الشعبية وحيثما وجدوا نبض الشارع تظاهروا بالقناعة به، ولكنهم في واقعهم لا يؤمنون إلا بما يضمن لهم مصالحهم الضيقة والوجاهة الفارغة والمال الحرام. إن من يغير مواقفه بعيدا عن المبادئ، لن يضر الوطن والشعب بشيء، بل يلحق ضررا مميتا بسمعته تلاحق أولاده أبد الدهر وخاصة عند شعب بهذه الحساسية المفرطة لدروس التاريخ وأثره على سمعة الأولاد والأحفاد جيلا بعد جيل، وكما أن العراقيين قادرون على الفرز بين الغث والسمين وقادرون على عزل المنافقين من السياسيين، فإنهم أي العراقيون على استعداد لفتح أبواب التوبة النصوح لكل من يؤمن بوحدة العراق أرضا وشعبا وينبذ العملية السياسية التي صممها بريمر، ويعمل ما في طاقته من أجل تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي والاحتلال الإيراني ويخلص العراق من التركة الثقيلة للاحتلالين، ويجند طاقاته من أجل تحرير الاقتصاد العراقي من سيطرة اللصوص والمرتشين الذين يسعون لتبديدها ووضعها تحت سيطرة الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية، ويعمل على وضع موارد العراق على طريق نهضته الاقتصادية التي تليق بقدراته البشرية والمادية، وتطوير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والخدمات العامة بمتناول العراقيين على أساس التكافؤ الحقيقي للفرص بين جميع أبناء الشعب دون تمييز أو محاباة. إن الفدرالية هذا المرض الوبيل، ستبقى خطرا داهما يمكن أن يركب موجته كل طارئ على السياسة ويشعر بإفلاس في منظومة القيم الوطنية، لذلك على العراقيين العمل بجهد رجل واحد من أجل إلغاء دستور عام 2005 والبدء بتصميم عملية سياسية جديدة ترمي بفكرة الفدرالية في سلة القمامة التي تليق بها حقا وتعود بالعراق فنارا ومنارا ينسجم مع عطاءاته عبر التاريخ.