يهمني في البدء أن أؤكد على هويتي البعثية الصدامية رغم إنها معروفة للجميع , وأقول ببساطة إنني من أنصار ومؤيدي النظام العراقي الوطني الذي أسقطته أميركا وحلفاءها عبر غزو واحتلال إجرامي، كما إنني من عشاق ومحبي القيادة الوطنية العراقية، وهذا حق شخصي لا يحق لأحد أن يستكثره أو يندد به لأنه لا يؤذي أحد، وأنا أرى فيه نبلا وأخلاقا ورجولة ولا اتفق نهائيا مع مَن يسمون أصحاب المواقف الثابتة على العقيدة والمبادئ بالمتخشبين. غير إن تناولي لهذا الموضوع يأتي من زاوية محددة علاقتها بهويتي السياسية تأخذ مرتبة ثانية، أريده أن يكون تناولا عراقيا وطنيا عاما، وأريده أيضا أن يكون عربيا قوميا خالصا يضع جانبا التخشب الذي يوصف به المدافعون عن النظام الوطني القومي السابق من قبل بعض أهل العقول الراجحة والقدرات الديناميكية الخاصة في التعاطي مع مجريات الأيام وتداولها بين الناس حيث إني أؤمن بقول الإمام علي عليه السلام: لا تكن صلبا فتُكسر ولا تكن لينا فتُعصر، وأثق تماما بقاعدة إن خير الأمور أوسطها. إن الحرب, أي حرب, في أي زمان وأي مكان لا يمكن إلا أن يكون لها رافضيها وشاجبيها مثلما يكون لها مؤيديها والمقتنعين بضرورتها تماما، مثلما إن للحرب في أي زمان و أي مكان نتائج كارثية وأخرى تبدو للبعض على إنها مفيدة وايجابية دونما اكتراث لوجهة نظر الطرف الرافض. الحرب كانت وستبقى امرأ خلافيا وقرارا لا يُركن إليه إلا في حالات ملجئة تقتضيها متطلبات حال موصوف ومعرّف يتطلب ركوب الحرب كقرار للدفاع وكحق للرد أو يتطلب ركوبه لاستحقاقات الاستباق كحالة دفاع تنطلق من مضامين الدفاع المعبر عنه بهجوم حين تترسخ القناعات في عقول المعنيين بأن الحرب هي الحل الأوحد للظرف الملجئ. هذا من جانب ومن جانب آخر فان طبيعة تناولنا التي نرتجي أن تكون علمية الأسس والمسارات كوننا باحثون علميون وأكاديميون تقتضي أن نذكر و نشير إلى أن التقييم والتحليل والاستنتاج كلها مرتكزات بحثية ذات مستويين (زمنيا) هما مستوى مرحلة ما قبل قيام أو حصول الحدث وله متطلباته وحيثياته وأفقه العام والخاص والمستوى الثاني هو مستوى ما بعد قيام الحدث وله أيضا أفقه وأطره المعروفة عند الباحث العلمي سواء أكان البحث في قضية توصف على أنها ذات أطر ومقومات إنسانية أو ضمن قضية أخرى توصف بأنها علمية، ولكننا للأسف الشديد نرى التركيز في الغالب ينصب في قضايا وأحداث بعينها ودون سواها على مستوى ما بعد الحدث ليس لأنه أسهل في التعاطي فقط، بل لأن البعض ينظر بعين واحدة تهمها النتائج ولا يهمها المقدمات. ولعل من المفيد هنا كذلك أن أقول مذكرا أخوتي الباحثين إن هناك وصفين لمصطلح البحث العلمي في اللغة الانجليزية لكل منهما تعريفه وأطر عمله هما SEARCH و RESEARCH ولعل لموضوع الزمن صلة في تداول أي منهما، كما إني أظن إن المصطلح الثاني هو الأكثر تداولا لان جل أنواع البحوث التي نتناولها تستند إلى معلومات سالفة يتم تأكيدها أو نفيها في بحوثنا الراهنة من جهة ومن جهة أخرى فان بحثنا الراهن سيكون منطلقا لبحوث جديدة تتأتى من الأفكار والنتائج الجديدة التي تؤسس على ما تم التوصل إليه. من هنا تأتي ديمومة البحث والصلة الحية بين نتائج ما سبق وما هو لاحق. وعليه فان أي باحث استراتيجي طبقا للوصف الذي يعطيه البعض لأنفسهم أو يعطيه لهم الآخرون يتوجب عليه أن لا يغفل هذه الحقائق لكي يضمن لنفسه الموضوعية والصدق ويضمن لنفسه أيضا أن يكون مرجعا أو مصدرا يؤسَس عليه، وإلا فان عليه أن يقبل بصفة أخرى هي صفة إعلامي يتناول الأمور من وقائع آنية ولا يلجأ في عمله اليومي إلى تقديم براهين وأدلة ووقائع ثبوتية تقع خارج متناول قلمه وتتطلب زمنا وجهدا خاصا لا يطيقه. أرى منطقيا إن تناول أي شأن يتعلق بالنظام الوطني السابق وبحزب البعث العربي الاشتراكي الذي قاد النظام سيوصف في واحد من وصفين هما: مؤيد متعاطف أو عدو حاقد غاضب. وعليه فان البحث عن حالة وسطية تقع بين التخشب الذي يستخدمه البعض في هجومهم على المدافعين المحبين المرابطين على تخوم العقيدة والمبادئ وبين الميوعة التي يفقد متبنيها جزءا مهما من الموضوعية التي يفرضها الحق والصدق والشفافية. الآن .. ما سأتناوله هنا وفقا لإمكانيات متواضعة لا ادعي لها غير هذا الوصف هو ليس دفاعا متخشبا لأنني كما أسلفت أتحدث كعراقي وليس كسياسي، كما انه لن يكون ميوعة تخرجني من الحد الأدنى الذي لا أسمح لنفسي في تجاوزه كعراقي يقف موقفا معلنا ضد الاحتلال وضد عمليته السياسية. ما سأتناوله هو مجموعة نقاط درج البعض على تناولها بأصالة أو بتكرار منذ عام 1990 والى يومنا هذا كلما اقترب يوم 2-8 من كل عام وكلما اقترب يوم بدء أو انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991 وكلما أطلت ذكرى يوم احتلال بغداد في 9-4- 2003, أي كلما أطلت علينا محطة من محطات التآمر لإسقاط النظام الوطني العراقي. وهذا هو هدف مقالي هذا بكل بساطة. هدفي هو أن أطرح تساؤلات عراقي موجوع القلب والرأس والأطراف، وان أطرح مواقف ورؤى وأفكار ليست متطرفة كما إنها ليست من النمط الذي ينافق الواقع الجديد لأني أريد لها أن تكون محاججة علمية منطقية هدفها رضا الله سبحانه ورضا ذات عراقية قد يقود إلى رضا نفوس أخرى إن أراد الله ذلك على طريق ما أراه وأؤمن به حقا وعدلا وإنصافا. يتفق معظم الباحثون الإستراتيجيون إن الكويت قد مارست سياسات عدوانية ضد العراق في الفترة الواقعة بين انتهاء حرب الخليج الأولى طبقا للتسمية الإعلامية السائدة الآن أو ما يسميها آخرون بمعركة القادسية الثانية أو قادسية صدام. وتمثلت الماديات المعلنة من سياسات النظام الكويتي في : 1- مد جسور تعاون غريب ومفاجئ مع النظام الإيراني خلافا لموقفها الداعم للعراق إبان حرب الثمان سنوات. ولهذا التعاون تداعيات اكبر بكثير من سطور أخطها هنا ولم يتم التطرق لها تفصيليا, على حد علمي, بسبب وقوعها إلى الخلف من تتابع الأحداث وتغطيتها بتراكمات زمنية ومادية أهمها على الإطلاق هو حدث (تحرير الكويت) والحصار الذي فرض على العراق ومن ثم غزو العراق واحتلاله وإنتاج نظام جديد. 2- المطالبة بمبالغ طائلة كانت الكويت قد دفعتها للعراق كمساعدات لدعم الجهد العسكري العراقي في حرب القادسية واعتبارها ديونا وليست مساهمة قومية اقتضتها قناعات الكويت ودول الخليج بان الحرب التي يخوضها العراق هي حرب دفاعا عن الأمة كلها والخليج بشكل خاص. ووصف طائلة هنا يجب أن يوضع في ظرفه الزمني ليكون له دلالاته الاقتصادية المعبرة والسليمة. 3- القيام بعمليات سحب مائل لكميات كبيرة من النفط العراقي من الآبار المجاورة أو القريبة للحدود بين الكويت والعراق. 4- الإصرار على عدم منح أية مرونة في المفاوضات التي جرت بين الطرفين تحت رعاية السعودية والتنصل من ما يتم الاتفاق عليه في كل جولة من هذه الجولات التي قادها السيد عزة إبراهيم نائب رئيس الجمهورية، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وفريق من الوزراء والدبلوماسيين. الآن .. تبرز فورا لأي باحث تساؤلات لا مناص من مواجهتها .. بافتراض إن النظام العراقي هو نظام عدواني كما يحلو للبعض أن يصفه .. الأول هو لماذا يختار العراق الكويت لمناكفته ومشاكسته للتعبير عن روح عدوانية متأصلة فيه كما يدّعي ويصوّر إعلام أعداء النظام الوطني العراقي؟ لمَ لم يتجه العراق لمواقف متشنجة عدوانية ضد المملكة العربية السعودية مثلا أو ضد قطر مثلا، بل اقتصر الموقف العراقي على الكويت كخط أول والإمارات كخط ثاني؟. إن أجابني احد بالقول لان الكويت ضعيفة عسكريا أمام إمكانات العراق فأنني سأرد فورا وببداهة إن قوة العراق حينها كانت تتفوق على كل إمكانات أقطار الخليج مجتمعة أو منفردة. كما إنها تتفوق على إمكانات سوريا والأردن مجتمعة. هنا .. يقتضي التقييم المنصف والمنطقي أن يبحث أي كاتب باحث عن جواب يتعلق بالكويت حصرا وتحديدا بدل أن يرجم العراق رجما تعوزه المبررات والوقائع الكافية والمقنعة. كما إن رجم الطرف المتضرر بطرق عشوائية تحمل هدفا ضمنيا خطيرا هو تطويع الموقف الشعبي للعراق للقبول بنتائج الغزو والاحتلال والتعاطي معها على إنها نتيجة طبيعية لتهور العراق وقيادته، وهذا أمر لا يخدم أحوال بلد يجب أن يتحرك ويعبئ باتجاه تحرير نفسه من الاحتلال. ولمَن يرون إن العراق قد أسقط نفسه في جيب مهلك في قرار دخول الكويت أدى إلى تدمير البلد بالكامل وأدى إلى احتلاله وأدى إلى نجاح المخطط الأمريكي في التواجد العسكري في المنطقة أقول: رغم إني لست احد قادة النظام الوطني العراقي ولا اعرف أكثر مما تمليه علي قناعاتي الوطنية والقومية والإنسانية وكوني لا امتلك أي سبب يجعلني لا اصدق بيانات ومواقف وإعلام النظام الوطني وقيادة الحزب حينها، ورغم إني مقتنع قناعة نهائية بأن الزمن المناسب سيأتي ليقول فيه التاريخ كلمته المنصفة والموضوعية وسيقول فيه مَن تبقى من قادة العراق كلمتهم الصادقة المعبرة عبر تصورات تفصيلية تناقشها مؤتمرات حزب البعث العربي الاشتراكي ولا يكتفى بعبارات مقتضبة يقتضيها ظرف معقد ومتشابك يقع فيه الحزب وقيادته في منطقة البرزخ بين الحياة وبين الهلاك كأفراد وكتنظيم في ظروف كارثة الاحتلال وما أنتجه من اجتثاث وتصفيات جسدية واعتقالات وتهجير.. أقول إن قناعاتي الشخصية هي إن تقديرات القيادة العراقية في إطارها العريض المعبر عنه بقيادة قطر العراق للحزب ومجلس قيادة الثورة والقيادة القومية للحزب المساندة للقيادة العراقية قد وضعت دخول الكويت ضمن إطار وصف الشر الذي لا بد منه, بمعنى آخر إن القيادة كانت تدرك كل المخاطر المترتبة على دخول الكويت غير إنها رأت أن مخاطر عدم الدخول والردع بالقوة العسكرية اخطر وأكثر كارثية في اعتبارات مادية واعتبارية معينة. إن المعلومات التي نعرفها تؤكد إن ما يسمى بالمعارضة العراقية قد بدأت تتجمع في الكويت بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وان أميركا بدأت بإجراء مناورات وبالتأسيس لتواجد عسكري في الكويت فضلا عن دعمها المادي والإعلامي المعلن للمعارضة العراقية بأجنحتها المختلفة وخاصة الأطراف التي كانت تركز أنشطتها في إيران قبل انتهاء الحرب. هذا أمر معلوم رغم إن الكثيرين يسقطونه من كتاباتهم وحساباتهم لأنه يفضح حقيقة التوجه الأمريكي لإسقاط النظام في العراق قبل دخول القوات العراقية للكويت. أما القول بان أميركا وحلفاءها قد خططوا لإسقاط العراق في هذا الجيب المهلك والكارثي لكي يدخلوا عسكريا في المنطقة فأنني كعراقي وكعربي أرى انه قول تعوزه الدقة والمصداقية، لأن أميركا موجودة أصلا في المنطقة عبر قواعد عسكرية في تركيا المجاورة للعراق والتي هي عضو في حلف الناتو وموجودة في قواعد ضخمة في قطر والإمارات والبحرين كما إن أميركا متواجدة بنمطية خاصة جدا في الكيان الصهيوني كما هو معروف. وأميركا تتواجد سياسيا كما لم يحصل في كل تاريخ المنطقة وإمداداتها من النفط لا تحتاج إلى حياكة مؤامرة لكي تضمن زيادتها أو تواصلها بما في ذلك الإمدادات من النفط العراقي إن أرادت. إذن...على الباحث والمحلل العالم والمنطقي أن يسوق لمن هم في مثل حالي وسواي الملايين من مثقفي وعلماء الأمة سببا أو أسبابا أخرى غير هذه التي صارت اسطوانة مشروخة وحفظها العالم عن ظهر قلب ويعلم الجميع إنها في اقل تقدير قابلة للتصديق والتكذيب .. وأنا العبد الفقير لله أرى إن أميركا كانت تريد إسقاط النظام العراقي كهدف وحيد وهو هدف تلتقي عليه أمنيات وغايات وأهداف كل من لا يريد للعراق ولا للعرب أن يخرجوا من إطار الوهن والضعف السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي والتكنولوجي وأولهم أميركا تعبيرا عن جشع الغول الامبريالي في تأكيد سلطته العالمية المنفردة المنفلتة وتعبيرا عن ولاء وخنوع ذليل من الامبريالية لمخططات وإرادة اللوبي الصهيوني ولخطط الماسونية. والمؤكد إن النظام الوطني العراقي قد عبر كل مجسات الخوف وأطلق العنان لكل مسارات عبور العراق والعرب لحواجز الصد التنموية والعلمية والصناعية والعسكرية فضلا عن سياسة قومية معلنة ومتصلبة تجاه قضية العرب المركزية في فلسطين السليبة، ولذلك صار لزاما إنهاء تجربته بدخول مباشر للأمريكان وحلفاءهم بقوة غاشمة لا يمكن للعراق أن يواجهها وينتصر عليها ماديا تسقط النظام الوطني القومي وتبدأ رحلة تمزيق الإرادة والتوجهات القومية بالكامل تحقيقا لأمن الكيان الصهيوني. الأمر الآخر وهو في غاية الأهمية كعامل بحث وتقصي وتحليل هو إن أميركا لم تحتل العراق تزامنا مع حرب (تحرير الكويت) رغم أنها دمرت معظم القوات العراقية أثناء انسحابها بعد قرار وقف القتال وكانت القوة الجوية العراقية محيّدة تماما. كان بوسع أميركا أن تديم زخم العمليات تسندها قرابة أربعين دولة بالجيوش وبالإمدادات المالية وبالمعدات العسكرية البرية والبحرية والجوية فيكون عند ذلك أمر احتلالها للعراق له مسوغ واحد لا غير هو انتقاما منه لغزوه الكويت كما يحلو للبعض أن يسميه. إن عدم إقدامها على احتلال العراق عام 91 يجعل أي باحث يفترض إن الاحتلال الذي حصل بعد قرابة ثلاثة عشر عام لاحقة لحرب الخليج الثانية لا صلة له بموضوع الكويت إلا في ظاهر مزيّف يستخدمه أعداء النظام الوطني العراقي وأعداء حزب البعث العربي الاشتراكي، أو على اقل تقدير من قبل بعض مَن سقطوا تحت تأثيرات مرحلة ما بعد الحرب الكونية الثالثة التي شنت على العراق في الكويت أو تأثيرات نتائج ما بعد غزو العراق واحتلاله. لقد أوكلت مهمة إسقاط النظام كهدف مركزي إلى إيران والمليشيات التابعة لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني وقوات المخابرات الفارسية وهي مليشيات فيلق بدر وعناصر الدعوة والمليشيا الكردية وحزب الله وفرق الجلبي وغيرها في صفحة الغدر والخيانة التي تمكنت القيادة والجيش العراقي من إسقاطها رغم إنها تمكنت من احتلال وتدمير معظم محافظات العراق مستفيدة من ظروف الانسحاب والتدمير الغادر للقوات المنسحبة والظروف المعقدة والشائكة التي واجهت العراق وقيادته وشعبه حينها. وواجهت أميركا فشل هذه الصفحة لاحقا بإجراءات عدوانية وحشية معروفة بانتظار الفرصة المؤاتية لإسقاط النظام العراقي. إن الافتراض الذي نراه منطقيا من بين الافتراضات لكي لا يُقال عنا إننا متصلبون، بل أهل منطق وعلم هو إن غزو واحتلال العراق قد جاء كهدف أميركي امبريالي صهيوني إيراني لإسقاط النظام الوطني في العراق كهدف قائم ومنفصل بحد ذاته وان هذا الاحتلال وهذا الغزو كان سيحصل بغض النظر عن نوع المبرر المطروح عام 1990 أو عام 2003 أو عام 2010. موضوع الكويت لم يكن مطبا خلقته أميركا ولا جيبا وضعته لاستدراج القيادة العراقية كما يرى البعض، بل هو في تقديري قرار عراقي منطلق من نية الدفاع عن العراق ونظامه الوطني القومي مؤسس ومبني على تقديرات وحقائق وأحداث واقعة، إن الكويت قد بدأت حربا اقتصادية وتوسع حدودي متواصل على العراق فور انتهاء حرب إيران عليه فضلا عن تمدد مستمر على أراضيه الغنية بالنفط إبان سنوات الحرب وهي بالتالي مكلفة بواجبات محددة للتآمر على العراق وان رد العدوان الكويتي هو واجب وطني عراقي صرف يتداخل مع واجب أدته القيادة والجيش وشعب العراق في صد العدوان الإيراني ويكمله حيث لم تنفع الوسائل الدبلوماسية ولا السياسية في إيقافه. وأنا أسوق هذا لأني مقتنع بحكمة قيادة العراق وشجاعتها وروحها الوطنية والقومية وحرصها الشديد على حماية العراق وثورته ومكتسباتها ومنجزاتها العظيمة. ويبقى الافتراض الذي لا يجوز أبدا تجاهله لإغراض الجدل العلمي والمنطقي مبني على نجاح القوات العراقية في تحقيق أهدافها في حالتي الهجوم والدفاع خلال حرب الكويت، فماذا كان سيحصل لو إن أميركا لم تتدخل لتنفيذ مخطط إسقاط النظام العراقي بهجوم مباشر من قبلها وبدور تكميلي أوكل إلى إيران وعملاءها في صفحة الخيانة والغدر؟ ماذا كان سيحصل لو أتيحت الفرصة للجهود السلمية لإنهاء الأزمة؟ إن حالة دخول العراق إلى الكويت ليست ظاهرة كونية جديدة ولا فريدة، بل إن العالم كان وما زال يحتوي ويهضم أحداثا اخطر من موضوع الكويت دون أن يقيم الحد بحرب كونية وعقوبات وحشية!. لماذا أناقش زمن الغزو والاحتلال وأحاول فصله عن مبرر أو مسوغ دخول الكويت؟ السبب ببساطة لأني ابحث عن الحقيقة، ولأني أريد من كل عراقي شريف أن يشاركني القناعة لكي يكون أمر الدفاع عن العراق بالمقاومة المسلحة و إعلاميا هو واجب وطني خالص كما انه واجب يتداخل مع إيماننا بالله وبالدين. إن توحيد القناعات في الحد الأدنى بما يعزز توجهات الإعلام الوطني المعبئ لحرب التحرير يجب أن تكون الآن أهم بكثير من البحث العبثي في تساؤلات غامضة ومحيّرة ومربكة كما يحاول البعض الغوص في هذا العالم الذي لا أجد فيه غير محاولات للتخطييء والتبشيع والشيطنة للنظام الوطني العراقي وقيادته ولحزب البعث العربي الاشتراكي وتجربته العقائدية والميدانية في العراق التي أرعبت الامبريالية والصهيونية. ولكي لا أتهم بالمغالاة في الدفاع رغم إني أمارس حقي الإنساني مرة أخرى أرجو أن أكون واضحا في إني لا اتبنى ولا أدافع عن أية حالة أو قرار أو تصرف خاطئ وقع به الحزب ميدانيا هنا أو هناك أو وقعت فيه قيادة الدولة كإجراء أو حدث يرتبط بنية مبيتة للقيام بالخطأ لسبب بسيط جدا هو إنني شخصيا لست طرفا في هذا الخطأ الاستراتيجي وليس لي من مصلحة في الدفاع عنه ابدأ كما إنني شخصيا لا ارتضي أخلاقيا ممارسة الخطأ المتعمد، ومقتنع تماما إن قيادة العراق كانت على قدر عال من الحكمة والحنكة والاقتدار الإنساني والقيادي يجعلها في منأى عن أي خطا متعمد. إن الحوار عن تقدير خاطئ لأمر جلل واتخاذ قرار خطير بصدد هذا الأمر تحت حكم القدرات العقلية والفكرية والعملية المتاحة أمر والإقدام على خطأ متعمد أمر آخر مختلف. وهذه الجزئية تشكل مجمل موقفي المادي والإنساني والعلمي المعلن كمواطن أولا وكبعثي ثانيا. إنني انتقد وبقوة, ضمن الأطر التنظيمية السليمة دستوريا وأخلاقيا أي ممارسة خاطئة لدولتنا ولحزب البعث ولا أتردد قطعا في هذا النقد بهدف التأسيس عليه لحركة تحصل فورا بعد النقد تعزز البناء العقائدي والتنظيمي وليس لممارسة لفظية فارغة أو نفعية أو انتهازية كغطاء للردة. لجوء أميركا إلى حصار جائر ظالم امتد لأربعة عشر عام تقريبا أنهك البنية الاجتماعية في العراق وأوقع خسائر جسيمة في منظومات العيش والتربية والصحة والقوة الاقتصادية والعسكرية للعراق مضافا له تواجد عسكري في شمال العراق وفرض تقسيم لخارطة الوطن على أسس عرقية شوفينية بغيضة أو طائفية مجرمة بعد حرب الخليج الثانية يؤكد بما لا يقبل الشك مخططات هدفها إسقاط النظام وتدمير الدولة العراقية وليس تحرير الكويت، وليس ردا على دخول العراق للكويت وان الغزو قد جاء بعد أن استنفذت أميركا كل الوسائل الأخرى للتخلص من النظام والحزب والقيادة. ومن حقي كعراقي أن أضع على طاولة البحث والتحليل والاستنتاج أمرين في غاية الأهمية علميا ومنطقيا ومن باب الإنصاف والعدل في تداول الشأن برمته : الأول : إن إيران تشارك بفاعلية في الشأن العراقي بعد الغزو الأمريكي وتتدخل بما يثبت بوضوح وجلاء عدوانيتها ضد العراق في دعم منتج الاحتلال ونموذج الدولة التي يبنيها على أنقاض دولتنا الوطنية وتمارس رغم تواجدها المكثف كطرف محتل للعراق عمليات عدوان عسكري واقتصادي على العراق عبر عمليات تمدد حدودي وقصف مدفعي وتلاعب بموارد المياه وغيرها. إن مشاركة إيران للاحتلال في العراق تعني إن الغزو لم يأت لتحقيق أهداف أمريكية احتلالية بحتة, خاصة ونحن ندرك الأنانية التي ترافق عقلية الاحتلال وحساسية العلاقة بين شعبي البلدين الجارين في العراق وإيران، بل لتغيير النظام كهدف مركزي. الثاني : إن الكويت هي الأخرى تتكامل مع عدوان إيراني بطرائق أخرى قد يكون بعضها شبيها بالفعل الإيراني أو له خصوصيات وسمات خاصة به. مرة أخرى إن استخدام النظامين الإيراني والكويتي من قبل أميركا كأدوات تدمير في العراق للبنى الاجتماعية والجغرافية لا يمكن أن يكون سببه مقتصرا على انتقام من دخول عسكري إلى بقعة ارض كان بوسع العالم أن يخرجه منها بألف طريقة غير الغزو لو أراد. وعليه فان هذا الاستخدام قد صمم للمساعدة في تغيير البنية السكانية ووضع الجغرافية تحت مطارق التمزيق وهي عملية عداء تتعدى وصف تحرير الكويت أو الثأر من غزوه. مرة أخرى.. إنني اطرح رؤاي وأفكاري بطريقة اعتقد إنها علمية لا تسقط أبدا احتمالات حصول خطأ عراقي في هذا الخضم، بل إن الظروف التي كان العراق يعيشها كلها تجعل احتمالات حصول أخطاء أمر وارد. غير إن تركيز البعض على الخطأ العراقي المفترض وتعظيمه واعتماده وحيدا في تسويغ كل ما جرى ويجري من أحداث جسيمة وما يرافقها من خسائر باهظة هو اعتداء على الموضوعية وعلى الأمانة العلمية في البحث وما يهمنا في النتيجة النهائية هو ليس البحث عن منفذ لتحقيق المستحيل لعودة نظامنا الوطني الذي ذُبح من الوريد إلى الوريد كما يروج البعض ولا إلى عودة البعث إلى السلطة كما يظن البعض أو يحاول الإيحاء أو التصريح، بل هو لان قناعات الشعب التي يؤسسها الإعلام والإنتاج الثقافي عموما ستكون لصالح المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية السلمية عندما يكون الطرح لصالح الموضوعية في توضيح جريمة الاعتداء على العراق وعدم النزوع إلى تجريم العراق وتحميله مسؤولية كل ما جرى ويجري فيكون الاحتلال وممارساته وكأنها عقاب رباني وقدر على العراقيين أن يقبلوه برحابة صدر والعياذ بالله. نقطة أخرى، هي تركيز البعض على إن قرار دخول الكويت قد كان قرارا فرديا. هدف هذا التركيز واضح وجلي وبين هو إسقاط الهيبة والحضور القيادي والانجازات المرتبطة شاء من شاء وأبى من أبى, بشخص الرئيس الشهيد صدام حسين ومحاولة عدائية تهدف إلى تغييب الدور القيادي القومي للرجل وأدواره المعروفة في معاداة الصهيونية والامبريالية والطائفية السياسية وحضوره الكبير في ما أنجزه العراق عبر مسيرة الحكم الوطني بين عام 1968 وعام 2003 م. وأنا أصرح بقناعتي هذه مرة أخرى لأنني أرى كأكاديمي إن ادعاء الفردية هذا تعوزه الأدلة والإثباتات، واحد مرتكزاتي أيضا هو ما ذكره الرفيق المجاهد عزة إبراهيم في إحدى رسائله من أن الدخول إلى الكويت كان خطأ استراتيجيا (أجبرت القيادة) العراقية على اللجوء إليه كخيار، وأنا شخصيا أرى إن تصريح الرفيق المجاهد عزة إبراهيم يوضح دقة وحراجة الوضع الذي أجبرت القيادة على التعاطي معه والحرج العظيم الذي واجهته في اتخاذ القرار. كما إن البعض يتجاهلون تماما المستوى الزمني السابق للحدث ومنه مثلا ما طرحه العراق على مؤتمر القمة بوضوح من أن الكويت تعتدي على العراق وان قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق هو التعبير الذي ورد على لسان الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله أمام القمة. إن أي كاتب منصف وموضوعي لا يمكن أبدا أن يضع خلف ظهره كل ما جرى ويجري في المنطقة منذ احتلال العراق، وكلها وقائع وسياسات تؤكد إن أميركا كانت تخطط وعازمة على إسقاط النظام العراقي لأنه نظام قوي يقف بوجه مخططاتها الامبريالية والصهيونية وإنها بإسقاطه ستدخل المنطقة برمتها في أتون الجحيم الذي نراه اليوم ونلمسه تحت ستار الديمقراطية الكاذب. أخيرا وليس آخرا .. أتمنى أن يُقرأ موضوعي هذا بعناية على انه محاولة للاقتراب من الموضوعية في تقييم تجربة من قبل بعض مَن كانوا جزءا من حركة الدولة والحزب قبل غيرهم ومَن لا زلنا نتعاطى مع أطروحاتهم على إنها تحمل نفسا وطنيا لأنني لا احمل ذرة أحساس بأن أعوان الاحتلال وأربابه يمكن أن يتأثروا هم أو مواقفهم قيد أنملة بما نقول، ليس لأنهم لا يقتنعون أو لا يصدقون، بل لان مصالحهم الآنية والمستقبلية تقتضي الإصرار على نموذج حصان العربة في الرؤيا والتصرف فضلا عن كونهم في غابة والصدق والشرف والموضوعية في صحراء بعيدة. إن هدفنا الأهم هو أن نحاور بدون تخشب وبدون ميوعة فكلاهما لا يخدم الوسطية الحميدة. والوسطية التي نأملها هي لبناء قناعات وطنية مخلصة لتحرير العراق من الاحتلال وإعادة تشكيل النظام الوطني على أسس ديمقراطية تنبع من أسس وحدتنا الوطنية وأفق وجودنا القومي ووجودنا المؤمن بالله ورسله وكتبه والله من وراء القصد.