عكست أزمة الديون الأمريكية، بعد أن تفجرت بعجز الموازنة عن تسديد الدين،مما اضطر الإدارة الأمريكية للجوء إلى طلب زيادة سقفه، في معالجة زائفة للازمة، عمق المشكلة التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي، كما عصفت بالسياسة الأمريكية، في نفس الوقت.وتجسدت خطورة الأمر،بعمق الجدل الذي حصل بين الجمهوريين والديمقراطيين ،في الكونغرس، ومعهم الرئيس الأمريكي اوباما، في محاولة محمومة، لاستحصال الموافقات اللازمة لرفع سقف الدين، في معالجة ترقيعية للوضع، أكثر منها معالجة استصالية للمشكلة، وحل دائم لها. ويعكس هذا الوضع المزري لارتفاع حجم الدين، بشكل فاق كل التصورات، وعجز الموازنة الأمريكية عن التسديد، عمق الأزمة البنيوية للاقتصاد الأمريكي،التي تهدده بالانهيار عاجلا أم آجلا،حيث أصبح اقتصادا طفيليا مهلهلا، يقتات على القروض، والدين العام، من الدول والمؤسسات المالية، الحليفة للولايات المتحدة.ولأنه اقتصاد قائم في فلسفته على قاعدة الاستهلاك والرفاهية، فان من أهم وظائفه الأساسية، خارج السياقات الاقتصادية، التي تحكما قوانين الاقتصاد الرأسمالي، هي وظيفة الحفاظ على التماسك الاجتماعي، للمجتمع الأمريكي، المكون من طيف واسع، من الأصول والأعراق، لا ترتبط مع بعضها البعض بأي وشيجة، إلا في إطار المصلحة الذاتية الضيقة، القائمة على أساس الإشباع الشخصي والرفاهية،الأمر الذي ضغط على صناع القرار الأمريكي، التحرك على عجل، للبحث عن صيغة معالجة فورية، حتى خارج سياق آليات النظرية الاقتصادية.وذلك لان أي رجة يتعرض لها اقتصاد الرفاهية الأمريكي، يعني أنها بمثابة قنبلة موقوتة، لتفجير الصراع الحقيقي، بين اثنيات ومعتقدات مكونات المجتمع الأمريكي، المكون من شرائح لا رابط بينها غير ثقافة الإشباع والكسب السريع،والتي تقبع خلف أي تداعيات ضارة للاقتصاد الأمريكي. ولان الاقتصاد الأمريكي، مثقل بالأعباء المالية الكبرى، كدعم اقتصاد الكيان الصهيوني ،المتطفل على المساعدات الأمريكية،ومساعدات الدول الدائرة في فلك الاقتصاد والسياسة الأمريكية، وتمويل فعاليات وأعمال العملاء، وتمويل نفقات التدخل العسكري في الخارج، فان مشكلته بنيوية ،وليست أزمة طارئة، من أزمات الرأسمالية المعتادة، التي دأبت النظرية الاقتصادية التقليدية، على وضع المعالجات الموضوعية لها، وإعادة الحياة إلى الاقتصاد وإنعاشه. إن بوادر انهيار الاقتصاد الأمريكي،ماثلة في كل تجليات الحياة الاقتصادية الأمريكية، حيث أعلنت الكثير من المؤسسات الصناعية غلق أبوابها، وأعلنت الكثير من المصارف الكبرى إفلاسها، وخرجت مؤسسات من خطوط الإنتاج،في مؤشر واضح على أعراض اختناق الاقتصاد الأمريكي، الذي يمر الآن، بمرحلة صحوة ما قبل الاحتضار،ولفظ أنفاسه الأخيرة. ومع أن الاقتصاد الأمريكي منهك، ومثقل بالمديونية والأزمات ،إلا أن الآليات والوسائل الرديفة، للمعالجات الاقتصادية،كالقرار السياسي، والترسانة العسكرية ،وأدوات الابتزاز،والماكنة الإعلامية المزيفة للحقائق والوعي ،كلها عوامل مؤازرة، تعمل على تلطيف حدة الأزمات،وقد تؤخر إلى حين،لحظة بدء انهيار الاقتصاد الأمريكي.ومع كل ذلك فإن الهيمنة الأمريكية، يبدو أنها قد غربت شمسها، وأنها تستعد للغياب، وبذلك يكون مشوارها في إنهاك الشعوب، باسم قيم الديمقراطيات، والإصلاحات قد أذن باختتام. ولعل عدالة السماء، قد تأخذ مداها الكامل،هذه المرة، في معاقبة الإدارات الأمريكية، على كل ما اقترفته من الموبقات، التي ارتكبتها في احتلال العراق، وأفغانستان، ودعمها مؤخرا عدوان الناتو عل الشعب الليبي،حيث يبدو أن أمر الله قد أتى.. فلا تستعجلوه.