لقد إستطاعت شعوب كثيرة التخلّص من كل ما هو سلبي وبالي ومضر في تاريخها, محتفظة بما هو إيجابي, رغم قلّته في أحيان كثيرة. طوّرته وأضافت عليه المزيد من أجل أن يكون لهادور واضح وصوت مميّز ومسموع في عالم مكتظ بالصارخين والناعقين والصادحين والصائحين في كل الاتجاهات. نحن العرب, مع الأسف الشديد, ناقضنا أنفسنا وناقضنا الآخرين. فالرغم من ثراء وغنى تاريخنا وماضينا الذي تحسدنا عليه الشعوب الأخرى, إحتفظنا وتمسكنا حتى الموت بما هو سلبي وبالي عفى عليه الزمن, رغم قلّته طبعا, في مسيرتنا الانسانية وتاريخنا المجيد. ركّزنا كل جهدنا, وخضنا غمار معارك وحروب طاحنة ضد بعضنا البعض, وإختلفنا وتشتّت شملنا أكثر من مرّة حول توافه الأمور, كيف نلبس أو نأكل أو نتكلّم, كيف نمشي أو نجلس أو نضحك, كيف ننام أو نستيقظ أو نحلم. بينما يحثّ العالم الخطى من حولنا نحو الرقيّ والتقدّم والاستقرار والوئام الاجتماعي. تخلّفنا عن الركب وفاتتنا جميع القطارات, العادية والسريعة. وما زال البعض منا, بل الأكثرية الساحقة, يعيش على أمل أن يمرّ بها قطار ما, ولو عتيق وبطيء, ليلتقطه من محطّة التخلّف والجهل وفقدان الأمل والأمان. نحسد الآخرين على حاضرهم وما وصلوا اليه, ويحسدنا الآخرون على ماضينا وأيامنا الخوالي. حكامنا لا يعرفون الاصلاح ولا التغيير لأنهم أول الخاسرين . وكل ما يقومون به من قتل وإضطهاد وقمع لشعوبهم مشروع ومبرّر بل وضروري. فهم يعتبرون أنفسهم معصومين عن الخطأ, منزّلين من السماء وفي أيديهم بطاقة خضراء تسمح لهم بفعل أي شيء في شعوبهم المنكوبة. كما ن مأساتنا نحن العرب ليست في الحكام فقط, فهؤلاء أصبحوا مثل البلاء الذي أنزله الّله عزّ وجلّ على قوم ليختبر صبرهم وجَلدهم وقدرتهم على التحمّل. بل في المعارضة والثوار والمناضلين بالأسلحة والأقلام والكاميرات وحقائب الدولارات. وكأن الطرفان, الأنظمة والمعارضة, إتفقا على إبادتنا, إن لم يكن جسديا فمعنويا وإنسانيا, وسط تضارب المصالح وتشابك الأهداف وإختلاف الأهواء والنوايا. الى درجة لم يعد لنا فيها خيار آخر, أما نظام قمعي دموي فاسد وأما إحتلال وغزو أجنبي مقنّع يقودها "ثوار" من كل لون وطيف, باحثون عن موطيء قدم على خرائب الوطن واشلاء أبنائه. فنحن ما زلنا, وخلافا لغالبية شعوب العالم, نعتبر الخصم أو المنافس السياسي عدوا لدودا يجب إبادته والقضاء علية بأية وسيلة. نرى في أنفسنا كل المحاسن والايجابيات ونرى في الآخرين كل المساويء والبلايا والعيوب. لا توجد لدينا حلول وسط. ولا حتى خطوط حمراء. نريد كل شيء أو لا شيء. فكم من الخطط والمبادرات طُرحت هذه الأيام في ليبيا واليمن وسوريا لحقن الدماء وإنقاذ الوطن من خراب ودمار محقّق. وكم حجر عثرة وضع على طريقها سواءا من قبل الأنظمة نفسها أو من قبل المعارضين والثائرين ضدها؟ نعيش يومنا, الذي هو دائما مشؤوم وكالح السواد, بروح وأخلاق الجاهلية. لم يسأل أحدنا نفسه عن الذي سيحصل غدا؟ لأننا مشدودون بقوة الفولاذ الى صخرة الماضي الذي لا يمضي. أو أي ثمن سوف ندفعه مستقبلا, من ثرواتنا وسيادتنا وإستقلالنا السياسي ومستقبل أجيالنا, عمّا نحصل عليه اليوم بمساعدة أصحاب النوايا الشريرة والمصالح الخاصة جدا, من دول عظمى وشركات كبرى ومؤسسات إخطبوطية ذات إرتباطات وعلاقات أكثر من مشبوهة. ثم أن من مآسي العرب, الحكام والشعوب على حدّ سواء هي أن أية دولة, خصوصا إذا كانت من الدول الكبرى, تستطيع أن تضحك عليهم ليل نهار وتلعب بهم كما تشاء في ملاعبها السياسية. لأنا العربي يؤمن بالمثل القائل: "اللي يتزوّج أمّي يصير عمّي". فان شاءت الدول الكبرى وضعت الأنظمة العربية, رغم قمعها ودمويتها وفسادها ولا شريعتها, في حضنها الدافي ورعتها رعاية الأم لطفلها الوحيد. كما فعلت لعشرات السنين. وإن شاءت فان نفس الحضن الدافيء, وبين ليلة وضحاها, يمكن أن يحتض كل معارض وثائر وناقم على نظامه وحكومته. كما يحصل الآن في أكثر من بلد عربي. فخزائن سُليمان, في دول الخليج العربي مثلا لم تنضب بعد, وهي مفتوحة على مصراعيها طالما الهدف هو تدمير بلد عربي مسلم آخر. وفضائيات النفط والعِقال شرّعت أبوابها وشاشاتها لكل من حمل سيفا, وإن كان من خشب, وإمتطى صهوة حمار أعرج ونطق بكلمات غير مفهومة عن الحرية وحقوق الانسان ودولة القانون وما شابه ذلك. والنتيجة في نهاية المطاف واحدة هي أننا جميعا مكبّلون بأغلال وأصفاد أمريكا والغرب. mkhalaf@alice.it