هذا الرجل الصامت الذي كان يفكر بعقلية عربية ذو أفق أنساني , ويجسد أفكاره حقائق نابضة بالحياة , كما انه لا يتكلم إلا حين يشعر أن كلامه هذا عمل يخدم به القضية الكبرى للأمة التي كرس لها حياته , وكل طاقاته الغنية ,وإذا نطق أدركت أن هناك رصيدا ضخما من الفكر والثقافة وراء كل كلمة يقولها . إن هذا الرجل في تكوينه الفكري تجاوزت وامتزجت وتفاعلت قراءاته عن رسول الإسلام محمد بن عبد الله " صلى الله عليه واله وسلم " والأدب الفلسفي وهو في مقتبل الخامسة عشر والعشرين من عمره " المعري مثلا لزومياته وسقط زنده وكذلك المتنبي وإسماعيل مظهر وشبلي شميل وجورجي زيدان " . إما الأدباء العالميين قرأ إلى " نيتتشه " وأعجب بالقاص الروسي " دستويفسكي "مع ميل واضح للإثارة الأدبية والفلسفية .فان هذا الرجل الذكي الصامت, شديد الحساسية, يحول حساسيته إلى مواقف مبدئية منسجمة مع نفسه وفكره وقد لا يفهمها من حوله. فكان رحمه الله يراهن على الشعب وثقته به بعد الله ويقول :( أن الشعب ما زال أغنى وأعمق من قادته , وما زال يفاجئ القادة باستمرار فهو نزوع إلى القيم الأصيلة المطلقة وهذا ما يربطه بتاريخه ) .لاحظوا أيها المفكرون والمثقفون والسياسيون المسافة بين هذه المقولة وما نعيشه اليوم هي مسافة ثلاثة وأربعون سنه, وقد تجسدت هذه العبارة في الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر التي فجات الحكام والسياسيين والأحزاب في الوطن العربي, وبحق كان رحمه الله ارث فكري وثوري ليس لحركة البعث فحسب أنما كان للأمة العربية والانسانيه . وهو ثروة ثقافية وفكرية لهذه ألامه الخيرة الطيبة التي أنجبت الأنبياء والصديقين والشهداء والمفكرين والإبطال والشعراء والأدباء والسياسيين الكبار والفنانين , إذن أن هذه الأمة هي امة حية , قد كلفها الله سبحانه وتعالى لحمل الرسالات السماوية إلى الأرض , فان هذا التكليف هو الهي وليس بشري ,قديم وليس حديث , ودائم وليس مؤقت . وخلاصة القول : بات من الضروري أن يدرس فكر القائد المؤسس باعتباره المفكر الأول للبعث وفيلسوفه الأكبر وصاحب مشروعه القومي العربي النهضوي الحضاري , لأنه ثروة فكرية ضخمة من ثروات الأمة لاتقدر بثمن .