إن نقطة البداية في تصحيح آثار المرحلة السابقة، كما يبدو ، هي نفسها نقطة بداية العمل قبل ربع قرن: الرجوع الى ينبوع القوة الحقيقي .. الرجوع الى الشعب ومصارحته بالحقائق وتحميله مسئولية النضال والعمل معه جنبا الى جنب. مصارحته بالحقائق وان كان بعضها يشكل نقدا محرجا للحزب. إن هذا اللقاء الصريح مع الشعب، ومع فئاته الوطنية التقدمية، إن هذا الانفتاح يشكل، بالنسبة الى الحزب، اكثر من اتجاه في ممارسة الديمقراطية الشعبية كمبدأ يؤمن به الحزب، انه سبيل الخلاص من التفرد والعزلة والتقوقع، وسياسة التنافس السلبي التي تطبع المرحلة السابقة للنكبة. فبالانفتاح يستعين الحزب بالجماهير الشعبية وبالرأي العام القومي التقدمي في صراعه مع القوى الغاشمة المتمثلة بالتحالف الصهيوني الاستعماري الرجعي. ومن هذه الجماهير يستمد حرارة النضال المرير في هذه المرحلة التاريخية. فالبعث حركة تاريخية تعمل لمئات السنين، لذلك فهي تعتبر النضال هو الأصل والأساس في الحزب وهو منبع الأفكار والأخلاق الثورية، وهي تعتبر النضال فوق الحكم وقبل الحكم وبعده، وتنظر الى مهمة تطوير النضال الشعبي، سلبيا كان ام ايجابيا، على انه المهمة الثابتة الدائمة للحزب والمجال السليم السوي الذي يسمح للمناضلين بان يحققوا فيه جميع مواهبهم. الحزب التاريخي ذو الرسالة، هو الذي يطرح مناضلوه قضيته على مستوى الحياة والموت، والقبول بالموت كضمانة متجددة لجدية دوره التاريخي. والعمل الفدائي يمثل الصيغة العملية لتحقيق هذه الصورة وهذا المستوى على صعيد الحزب، كما ان العمل الشعبي المسلح ضمن اطار صيغة جبهوية قومية، هو الصورة الملائمة على الصعيد الجماهيري الواسع. الحزب التاريخي ذو الرسالة، يفرض حتى على أعدائه ومزيفيه أن يكون عداؤهم وتزييفهم على هذا المستوى الجدي: مستوى الحياة والموت، فالأعداء في السنوات الأخيرة اعتادوا صب هجومهم وحملاتهم على الحزب من أساسه، وعلى مؤسسيه بصورة خاصة، وحرضوا مرارا على قتلهم. إن رفع النضال الى هذا المستوى الجدي في المرحلة الراهنة هو بداية تحويل الهزيمة الى منطلق للنصر كما ان الارتفاع الى مثل هذا المستوى هو الذي ينقذ الحزب والأمة من التناقضات التي سادت المرحلة السابقة للنكبة، ويكشف تلك النوعية من الذين يتظاهرون بالعقائدية والثورية، ولم يقدموا لنضال الحزب أو الأمة الا القليل لكي ينالوا النفع الكثير ويحصلوا على الوجاهة ويحولوا السلطة الى أداة لتشويه قيم النضال. لا يجوز ان تضيع الحقائق بعد الان، وان يذهب البريء بجريرة المسيء. وأي حماس يبقى للمناضل اذا رأى ان المسيئين في حزبه يكرمون؟ فإذا كنا مصممين على إعادة بناء النضال العربي على أسس ثورية جديدة تتجاوز أخطاء الماضي وعيوبه، فلا بد ان توضع موضع الدراسة والتحليل الأخطاء والعيوب الأخلاقية التي كانت تتكرر منذ عشر او عشرين سنة وتنمو وتتضخم وتفتك بالنضال العربي الثوري وتنهش من لحمه، دون ان يشعر احد او ينتبه. يجب ان يعرف الحزبيون وجماهير الشعب الحقائق. لان معرفة الحقائق هي المدخل الطبيعي لتصحيح المرحلة السابقة والتحضير لبداية سليمة.