ما من تصريح صدر عما يسمى الحكومة العراقية أو برلمانها عبّر ـ خلال ثماني سنوات من الاحتلال عن مصالح حقيقية للعراقيين، كما لم يصدر تصرف واحد يصب في خدمة العراقيين، ولذلك ترى العراقيين يتظاهرون ويعتصمون. أحدث التصريحات صدرت عمن يسمى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب العراقي النائب همام حمودي حذر فيه من أن "استمرار توتر الأوضاع في مملكة البحرين يهدد بإشعال المنطقة بأكملها ومنها العراق". ولا أدري عن أي توتر يتحدث هذا المستعرق ذو الوجه الأحمر والأوضاع في مملكة البحرين عادت سيرتها الطبيعية منذ زمن؟ ثم لا أدري لماذا لا يلتفت هذا القادم على دبابات الاحتلال إلى التوتر الذي يعاني منه العراق منذ ثماني سنوات متواصلة وذهب ضحيته ملايين العراقيين بين صريع وجريح ويتيم وأرملة ومهاجر ومهجر وشريد؟.. هل هذا الحمودي عضو في مجلس النواب في العراق المحتل أم هو عضو في البرلمان البحريني؟ ثم أن حمودي الذي يحذر من إشعال المنطقة، هو وجماعته متهمون أصلاً بالإسهام بإشعال المنطقة بسبب عقليتهم الطائفية، وأعتقد أنه، وهو من جماعة سياسية جاء بها الاحتلال الأمريكي لغرض تقسيم العراق إلى كانتونات طائفية وعنصرية، يريد أن يغطي على أهدافهم الحقيقية بهذه التصريحات في تخريب دول المنطقة وتدميرها بالطائفية المقيتة، وإلا لماذا لم نسمعه يدافع عن عرب الأحواز ويتوسط لهم عند أسياده الإيرانيين، والأحوازيون من مذهبه الديني نفسه؟!!.. إن هذه التصريحات للأسف ستزيد مشكلة المنطقة عمقاً لأن هدفها التدخل في شؤون دول مستقلة هي دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها البحرين المعنية مباشرة بتصريحات حمودي. وأشار هذا المستعرق إلى أن "أعضاء في البرلمان العراقي عرضوا أن يكونوا وسطاء في الأزمة نظرا لعلاقتهم بالحكومة البحرينية والمعارضة". وأتساءل: كيف يمكن للمحرض أن يكون وسيطاً؟.. فالحكومة العراقية وبرلمانها حرض العراقيين على التظاهر ضد البحرين من منطلق طائفي بحت، بل ودعا الناس إلى الانخراط في تشكيلات مسلحة للقتال في البحرين، فكيف يمكن لمثل هذه الحكومة وهذا البرلمان أن يؤديا دور الوسيط في الوقت نفسه؟. وهذا الطائفي الذي يريد أن يعطي لنفسه دوراً أكبر من حجمه بكثير قال للصحافيين عقب لقائه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى: "قدمنا مثل هذا الرسالة الى الإخوة في البحرين، وقلنا لهم إن العنف لن يحل هذه المشكلة، ولابد من حوار، للوصول الى حل يرضي جميع الأطراف في البحرين، ويحافظ على استقرار المملكة والمنطقة، لأن بقاء المشكلة في البحرين أمر يهدد بإشعال المنطقة ومنها العراق تحديدا إذا طرحت في شكل طائفي". وانظروا كيف يتقمص الطائفي ضيق الأفق دور الليبرالي المعادي للطائفية، وتلك واحدة من تصاريف القدر.. من دون أن يقول الحقيقة التي يعرفها هو جيداً أن مؤامرة واضحة الأبعاد تعرضت لها البحرين على يد قلة قليلة من جماعته المرتبطين بإيران أيضاً، وأن الأمر عولج لا على أساس طائفي، وإنما بإجراءات حفظت أمن مملكة البحرين وبأقل الخسائر، ثم أنه وهو البعيد عن العالم لعدم خروجه مما يسمى المنطقة الخضراء في بغداد، ليس أكثر حرصاً من قيادى البحرين على شعبها. ولكن ما يضحك الثكلى في تصريحات هذا الحمودي المستعرق قوله: إن "العراق يريد أن يقدم تجربته الديمقراطية أمام الأخوة العرب جميعا". وأنا أتساءل أية تجربة ديمقراطية تلك التي يريد السيد حمودي تقديمها إلى العرب؟ هل هي تجربة المحاصصة التي أودت بمستقبل بلد حيوي كالعراق؟ أم ضرب المتظاهرين والمعتصمين الذين يطالبون بخروج الاحتلال الأمريكي وتغيير النظام بالرصاص الحي أو اعتقالهم في زنازين سرية؟.. أية ديمقراطية تلك التي تقتل الناس أو تعتقلهم لأنهم يتظاهرون مطالبين بحقوقهم؟ وأية ديمقراطية تلك التي يعشش فيها الفساد حتى أن العراق حاز المراتب الأولى فيه بين دول العالم؟ ثم أية ديمقراطية تلك التي تقسم الناس حسب اثنيتهم أو مذاهبهم الدينية؟.. وأية ديمقراطية تهمش جميع القوى الوطنية المناهضة للنظام السياسي الذي فرضه المحتل على البلد؟.. إن "الوساطة" التي يقصدها حمودي تجيء بايحاء خارجي أولاً، والهدف منها التدخل في شؤون دول الخليج ثانياً، وإلا لماذا إذا تصرفت البحرين مع المتظاهرين بما رأته واجباً لحماية نفسها بسبب وجود جماعات تحركها ايادٍ خارجية بين المتظاهرين، سيشعل هذا التصرف البحريني المنطقة ولا يشعلها قمع المطالبين بحريتهم وحقوقهم في الأحواز العربية وسوريا وليبيا وسواها من دول المنطقة، ولم يشعلها تصدي الحكومة العراقية نفسها للمتظاهرين بالحديد والنار؟.. في اعتقادي أن الحكومة العراقية لا تمتلك أجندة خاصة بمصالحها الآن، وإنما تسيرها أجندات الأحزاب المستحوذة على السلطة، المرتبطة أصلاً بأجندات خارجية، وأثبتت الأيام أن السلطات العراقية لا تهمها مصلحة العراق بقدر ما تهمها مصالح الاحزاب التي قسمت العراق إلى حصص لها، وكل حزب له من يملي عليه. ولك الله يا عراق ..