شبكة ذي قار
عاجل










كما الاشخاص حين يثأرون لانفسهم، كذلك هي الدول والانظمة والشعوب، تثأر لسيادتها حين تنتهك، وكرامتها حين تهدر، ودماء أبنائها حين تصبح لدى الاخرين أرخص من التراب. كان العرب يعتقدون أن القتيل بدون وجه حق، تتحول روحه الى طائر يحلق فوق رؤوس القوم، صارخا متوجعا من ألم الظلم، ومذكًرا أياهم بالثأر له، وحين يثأرون تنساب روحه الى بارئها راضية مرضية. وكان كبار القوم يقيسون ثاراتهم بميزان الحق والضمير الحي، كي لا يجنح فعلهم الى خانة الحقد فيأخذون من المقابل أكثر من حقهم، لان النفوس الكبيرة تعلم جيدا أن الثأر فيه قصاص وفي القصاص حياة لاولي الالباب. أما الحقد فهو فعل أعمى تهدر على أعتابه أنهار دماء بريئة بدون وجه حق. وكنا نحن العرب نمني انفسنا في كل رئيس أمريكي جديد، أن يسمو الى هذا الفهم الواضح لمعنى الثأر، وأن لا ينظر الى دمائنا على أنها ماء فيوغل في قتل أطفالنا وشيوخنا ونسائنا، بينما دماء قومه أغلى من دماء الاخرين، وأن يفهم القوة ليس بالمعنى العنجهي لها، بل بالدور المسؤول للكبار بما يقولون هم به في خطاباتهم، من الحفاظ على حقوق الانسان والحرية والعدالة الاجتماعية وغيرها مما يسمى مبادئ العالم الحر، لكن الوقائع أثبتت يوما بعد آخر أن الولايات المتحدة الامريكية، ليست دولة رؤساء بل هي مؤسسة بُناها التحتية إذلال الاخرين وانتهاك حرمات الشعوب وسيادات الدول كي يسمو العنصر الامريكي ويتجبر، وأن الاشخاص المتصدرين في المنصب الاول، كلهم صقور محكومون بهذا الهوس الاجرامي الذي لا يعرف التفريق بين الثأر والحقد. بهذا المنطق الشاذ والاهوج دخلت القوات الامريكية الى الاراضي الباكستانية مخترقة سيادتها، وتسللت الى دار زعيم تنظيم 'ÇáÞÇÚÏÉ'أسامة بن لادن وقتلته هو ومجموعة من الاشخاص، ثم القت بجثته في البحر، من دون أن نسمع أي تبرير منطقي عن أسباب عدم القاء القبض عليه، ومحاكمته عن الجرائم المنسوبة اليه، وهم الذين يتشدقون بسلطة القانون التي يجب أن تسود العالم. كما لم نسمع أي مبرر يجعلنا على قناعة تامة بصواب القاء جثته في البحر بعد ساعات معدودة من عملية قتله، ومع انعدام المبررات في كل هذه الافعال، فان المبرر المنطقي الوحيد الذي يمكن أن نطلقه على ذلك، انما هو الحقد الذي يعشش في عقول ونفوس الادارات الامريكية المتعاقبة، ضد كل ما هو عربي أو يمت بصلة للاسلام، وبذلك لم تكن عبارة الحرب الصليبية التي خرجت من فم الرئيس جورج بوش الابن في وصفه للحرب على الارهاب، زلة لسان كما قيل وقتها، بل هو وصف لما يؤمنون به حقا. لقد أفرغت الولايات المتحدة الامريكية حقدها بطريقة همجية على من تسبب في جرح كرامتها في الحادي عشر من ايلول/سبتمبر العام 2001، وكان بامكانها أن تثبت للعالم أجمع أنها قادرة على كظم غيضها، وهي القوة الاعظم والقطب الاوحد، في سبيل اثبات تحضرها وتطابق القول والفعل لديها من خلال محاكمة عادلة، لكن من تلوثت يداه بدماء الابرياء في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها من بقاع العالم، لا يمكن أن يكون انسانيا ولو ليوم واحد. فالعملية كانت تحت السيطرة تماما كما أدعى أكثر من مسؤول أمريكي، وأن بن لادن لم يقاوم اطلاقا، ولم يكن في يديه أي سلاح لحظة الدخول عليه، مما يدلل على أن الامريكان أرادوها أن تكون عملية (رامبوية)، يرسلون من خلالها العديد من الرسائل على أنهم قادرون على الوصول الى من يريدون في أية لحظة يقررونها هم. لكن يبدو ان بن لادن الذي راهن على غرائزهم العدوانية، وجرهم الى مناطق قتل لجنودهم اختارها هو لهم في أفغانستان والعراق، واستنزف فيها خزائن أموالهم لادامة آلة الحرب ولزيادة الاجراءات الامنية، قد عزز فيهم تلك الغرائز فبادروا هم لاظهارها علنا مرة أخرى في عملية القتل التي مارسوها ضده، ثم في الكيفية التي تعاملوا فيها مع جثته، التي فتحت أبواب انتقادات كبيرة من ناحية التعامل ضمن قوانين حقوق الانسان التي يتلونها يوميا على مسامعنا، أو القوانين الشرعية التي يؤمن بها العالم الاسلامي، والتي كان من المفترض عليهم مراعاتها. ان أي عاقل لا يمكن أن يقر بالاساليب التي مارستها 'ÇáÞÇÚÏÉ'سواء في الولايات المتحدة الامريكية أو في غيرها من بقاع الارض، وان صنع الاعداء القائم على أساس الاختلافات الدينية أو المذهبية لا يمكن أن يقره عقل أو منطق اطلاقا، كما أن قتل الابرياء أو ترويعهم عار على كل من يمارسه مهما كانت حجته في ذلك، ولعلنا كعراقيين نال مجتمعنا الكثير من سياط 'ÇáÞÇÚÏÉ'في بلاد الرافدين، التي اعترف بها أيضا بن لادن وعدها من أكثر الاسباب التي أفشلت مشروعهم في العراق. لكن ألم يكن هذا النهج هو رد فعل سلبي على جرائم ارتكبتها الولايات المتحدة الامريكية بحقنا في فلسطين ولبنان والصومال وغيرها؟ ألم يكن اغتصاب الرجال والنساء في السجون الامريكية في العراق من قبل الجنود الامريكان بأمر من مسؤولين كبار في القيادة الامريكية، والتعمد في تصوير تلك الحالات السادية، وارسالها بفرح غامر الى أهلهم وأصدقائهم، دليلا قاطعا على النظرة الدونية التي ينظر بها الامريكان لنا كعرب ومسلمين؟ ألم يذبح الامريكان مدنا عراقية كاملة بسبب مقتل عدد محدود من جنودهم أو عملائهم، كما حدث في الفلوجة التي ضربت حتى بالسلاح غير التقليدي؟ ألم يصرخ الجنود الامريكان في وجوه أطفالنا متهمينهم بالارهاب وهم صغار لا يفقهون شيئا من ذلك؟ ألم تتم نفس تلك الممارسات في أفغانستان ومعسكر غوانتنامو؟ واذا كان أوباما قد قال ان العدالة قد تحققت بمقتل زعيم 'ÇáÞÇÚÏÉ'، الذي قتل في العمليات التي شنها تنظيمه 8474 انسانا وجُرح 15000 آخرون، اذن كيف ستتحقق العدالة لشعوب العراق وفلسطين والصومال ولبنان وأفغانستان، التي قُتل وجرح وشرد فيها الملايين بسبب الغزو الامريكي واحتلالاتهم مختلفة الاشكال؟ نعم اننا نفهم أمريكا كما وصفها أوباما في تقليده الاوسمة للمجموعة التي قتلت بن لادن قائلا (اننا مازلنا أمريكا، التي يمكنها القيام بتنفيذ المهام الصعبة، والتي يمكنها أيضا القيام بالامور العظيمة)، لكننا نعتقد أن اخراج العالم من نفق العنف والعنف المضاد الذي تسيل فيه دماء الابرياء، هو أصعب مهمة تواجه الولايات المتحدة اليوم، وعليها القيام بها فورا من خلال فهم دورها الحقيقي والمسؤول الذي يجب أن يكون في العالم، وليس دور البلطجة الذي تمارسه والذي اصبح نهجا معتمدا في سياستها على مدى عقود من الزمن، ومن خلاله أعطت ميادين واسعة ومبررات كثيرة لـ'ÇáÞÇÚÏÉ'ولحركات التطرف الديني الاخرى، أن تعمل وأن تجد لها قبولا في أوساط اجتماعية مختلفة. كما أن من أعظم الامور التي يمكنها القيام بها هو أن تؤمن بحق الشعوب الاخرى بحياة حرة كريمة خالية من الغزو والاحتلال والقتل والدمار، كسعيها لشعبها في حياة خالية من التهديد والترويع، وأن ترفع يدها عن الكيان الصهيوني الذي يمارس الارهاب يوميا، وتمنع عنه الدعم المادي والمعنوي الذي توفره له في مختلف المحافل الدولية. لقد نجحت الولايات المتحدة الامريكية في اقتناص زعيم تنظيم 'ÇáÞÇÚÏÉ'، لكنها فشلت مرة أخرى في اثبات حسن نياتها تجاه شعوب أخرى اكتوت بنيران سياساتها. واذا كان خطاب أوباما في جامعة القاهرة الذي وجهه خصيصا للامة الاسلامية قد ثبت أنه مجرد كلمات معسولة، لم تنتج على أرض الواقع شيئا ملموسا، فان خرق الاجراءات الشرعية في العملية الاخيرة، أعلنت تماما موت كل المعاني والقيم التي تضمنها ذلك الخطاب، وزادت من الاحتقان بين الولايات المتحدة والعالم العربي والاسلامي التي هي متوترة أصلا.




الثلاثاء٠٧ ÌãÇÏí ÇáÇÎÑ ١٤٣٢ ۞۞۞ ١٠ / ÃíÜÜÜÇÑ / ٢٠١١


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق د. مثنى عبد الله طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان