لقد كانت فكرة تحقيق السلام هي التي املت على القيادة العراقية اسلوب وطريقة معالجة الاحتلال الايراني لمثلث الفاو حيث وضعت نصب عينها تحقيق النصر الذي بدونه لايمكن تحقيق السلام وانهاء الحرب. ان (رمضان مبارك) وهو الاسم الذي اطلق على معركة تحرير الفاو والتي وصفها قادة ومخططون عسكريون عرباً واجانب بأنها (معركة بالغة الضخامة ونموذجية وتتميز بأهميتها على جميع المستويات) وهي بحق اهم واكبر معركة عسكرية خاضها العرب في تاريخهم الحديث، ان الدراسة المعمقة للمعركة التي دارت رحاها يوم 17-18 نيسان 1988 والتي خاضها مقاتلو العراق الشجعان في قوات الحرس الجمهوري والفيلق السابع ستكشف انها كانت معجزة عسكرية وفق كل السياقات والمقاييس. التخطيط لتحرير الفاو لقد جعلت القيادة العامة للقوات المسلحة مهمة تحرير الفاو، مهما طال الوقت، وغلت التضحيات، مبدأً وهدفاً للجميع، ومن ضمنهم القوات المسلحة العراقية وقررت ان تكون فترة الـ (26) شهراً، التي اعقبت الاحتلال الايراني للمنطقة، فترة عمل دؤوب، وتخطيط متأن، للوصول الى هدف تحرير الفاو. ويمكن تقسيم هذه الفترة الى مرحلتين:- المرحلة الاولى في يوم 14 مايس 1986 عقد اول اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة ، بشأن استعادة الفاو وتم بحث الخطوط الاساسية لخطة التحرير ([1]). حيث وجه القائد العام ((ان الفاو من اهم الاهداف التي امامنا الان، والتي قد تستعاد من العدو بشكل مباشر، او غير مباشر من خلال فعاليات تعرضية في قواطع اخرى، او أي عمل اخر يؤدي الى الهدف دون أي عمل مباشر، ولكن يبقى العمل المباشر لاستعادة الفاو من دنس الاعداء هو الاسلوب النهائي، ولغرض ان نتهيأ لهذا العمل من الان، علينا ان نضع امامنا الحقائق التالية:- 1. يجب ان نبدأ بالعمل التعرضي لاستعادة الفاو بعد ايلول او تشرين الاول في اسوأ الاحوال. 2. من المفضل ان نضع الخطة والقرار عليها فوراً، او ان نبدأ بوضع تفاصيل هذه الخطة، وتحديد وتسمية التشكيلات التي ستنفذها من الان، ومن ثم القيام بممارسات على الخطة الموضوعة للتنفيذ لمدة تتراوح من شهر الى شهرين. 3. اجراء مناقشة بحضور قائد الفيلق السابع، وقائد القوة البحرية والدفاع الساحلي لاجراء مناقشة مفتوحة للخطوط والافكار على منضدة الرمل قبل وضع الخطة. 4. قيام التشكيلات التي ستخصص لتنفيذ الخطة المرسومة بعدة ممارسات على مناطق مشابهة لمنطقة المعركة. وفي 16/6/1986 عقد اجتماع (ق ع ق م) ، وأصدرت فيه توجيهات بصدد التخطيط لاستعادة الفاو وتم تشكيل فريق عمل برئاسة الفريق عبد الجبار شنشل، وممثلين عن قيادة الفيلق السابع وقيادة القوة الجوية والدفاع الجوي، وقيادة القوة البحرية والدفاع الساحلي ومديريات الاستخبارات العامة والتخطيط والحركات لوضع خطة تحرير الفاو، اطلق عليها المشروع رقم (22)([2]). في يوم 21 حزيران 1986 نوقشت في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة ، تفاصيل خطة الفيلق السابع لتحرير مثلث الفاو، وحصلت الموافقة عليها، ولكن تعرض العدو الايراني على منطقة مهران خلال شهر تموز 1986 ومالحقه من استخدام التشكيلات المخصصة للعمل في منطقة الفاو بالتصدي لذلك التعرض، أثرَ بشكل مباشر على خطة المشروع (22)، لذلك نسب نائب القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع الفريق اول الركن الطيار عدنان خير الله بعدم الاستمرار في العمل بالمشروع كما رسم له سابقاً واعادة النظر بالتوقيتات ([3]). ( الموعد السابق لتنفيذ الهجوم كان قد حدد نهاية شهر ايلول أو بداية تشرين الأول 1986). الاستحضارات استحضارات القيادة العامة للقوات المسلحة : اولا : الاستحضارات التمهيدية أ. تحرير عدد من وحدات الفرق والمناورة بها. ب. تحرير (13)([4]) تشكيلاً لاغراض التدريب المركزي. جـ. المناورة بـ (7) تشكيلات من قواطع العمليات الاخرى. د. تحشيد قطعات الحرس الجمهوري في قاطع الفيلق السابع واجراء التدريب والمعايشة. هـ. انشاء ميدانين مشابهين لقاطع الفاو لغرض تدريب الفيلقين. و. حساب توقيتات المعركة. ز. المناورة بجهد موقعي كبير لاغراض التنفيذ، ويشمل هذا الجهد -(24) كتيبة مدفعية -(12) بطرية خفيفة -(5) بطرية انبوبية خفيفة -(17) بطرية انبوبية كراد -(4) مقرات كتيبة -عدد من بطريات الصواريخ لونا (40) -بطرية أس-اس (40) -البطريات الثقيلة. ح. تخصيص جهد هندسي كبير لاغراض التنفيذ وكما يأتي: -(15) سرية هندسة -(5) كتائب هندسة الميدان -عدد من وحدات ودبابات التجسير - عدد من وحدات القوارب والعبور للمشاة. ط. تخصيص وحدتي مقرات خاصة للواجبات الخاصة للعمل خلف خطوط العدو على الضفة الشرقية لشط العرب قبل ساعة الشروع. د. تعزيز جناح طيران الجيش الثالث بعدد من: -طائرات الاوسلو -طائرات بي ســـي (7). اضافة الى كل ذلك كانت هناك استحضارات فيما يخص القواعد الجوية ووحدات الميدان الطبية وفتح المستشفيات وتهيئة ناقلات الدبابات وفتح اكداس لمواد التحكيم والتحصين وتهيئة جهد هندسي احتياطي (للطواريء) وتهيئة اكداس الاعتدة لمختلف انواع الاسلحة وتهيئة المنظومات الادارية من خلال المناورة بعدد من سرايا التموين والنقل. ثانيا. استحضارات التنفيذ فتح مركز القيادة العامة المتقدم في القاطع الجنوبي للاشراف المباشر على سير العملية والحقت به مقرات متقدمة لكل من : قيادة القوة الجوية والدفاع الجوي. طيران الجيش. الادارة والميرة. التوجيه السياسي. الهندسة العسكرية. مدفعية الميدان وباشراف مدراء الصنوف. فتح مقر مسيطر لمدفعية الميدان . مقر للسيطرة على السابلة في القاطع الجنوبي. استحضارات الحرس الجمهوري - تحطيم الحاجز النفسي. - العمل على مجابهة الصعوبات الجغرافية ومنطقة الموانع. - معالجة تأثير عامل المناخ. - مواجهة عامل الاعاشة. - معالجة الرصد المعادي. - مجابهة الاسناد الاداري والناري المعادي. - اجراء التحشد. - الامن. - التدريب واكمال الملاكات. - جمع المعلومات الاستخبارية. ان الفقرات التي وردت اعلاه ضمن استحضارات الحرس الجمهوري تطلبت جهوداً مضنية وطويلة ولايستطيع الاّ من كان ملماً بالامور العسكرية ان يقدر حجم تلك الجهود الجبارة. استحضارات الفيلق السابع : - اعداد مسرح العمليات. - تحديد حجم التهديد المعادي. - تحديد الموانع الطبيعية. - التحسب للطقس. - تحرير التشكيلات لاغراض التدريب. - تخصيص القطعات. - المعايشة. وهكذا فقد كانت هناك استحضارات لقيادة القوة الجوية والدفاع الجوي وقيادة القوة البحرية والدفاع الساحلي وطيران الجيش. المعلومات عن قوات العدو وتحصيناته : قاطــع الفــاو 1. (4) مقرات ميدانية (2) شرق شط العرب و(2) غربه. 2. (5) الوية من حرس خميني. 3. لواء مغاوير بحري يشغل ساحل خور عبد الله. 4. (2) لواء حرس خميني. 5. لواء مغاوير بحري احتياط عام للقاطع. 6. عدد من الدبابات لتعزيز المواضع الامامية. قاطع شط العرب 1. لواء جندرمة. 2. (9) افواج من حرس خميني. 3. لواء حرس في جزيرة الحاج صليوخ. 4. (20-30) الف مقاتل مقابل قاطع الفرقة (37) 5. لواء مدرع موزع على عموم قاطعي الافتراق وشط العرب عائد الى الفرقة المدرعة 40 حرس خميني. المدفعيــة 1. (57) مدفع منها (13) ذاتي الحركة غرب رصيف المعامر وفي منطقة المشاريع. 2. (17) موضع للهاون. اسلحة اخرى 1. (40-50) طائرة سمتية مختلفة الانواع: 2. (14) حوامة مختلفة الانواع. 3. زوارق مختلفة تقدر بـ (2000) زورق. 4. (177) كدساً للاعتدة والمواد التموينية. كما ان العدو كان لديه (30-40) الف مقاتل لاغراض التعزيز والتعويض والتبديل. التحصينات عندما فكر العدو باحتلال الفاو لم يضع بحساباته ان يتركها ابداً ولذلك فبعد ان نجح في مسعاه اتخذ اجراءات عديدة لغرض تحكيم مواضعه وبما يلائم ادارة العمليات التوسعية المستقبلية([5]) ومن هذه الاجراءات انشاء 3 سواتر حصينة اسندت بمواضع محصنة قسم منها ملاجيء كونكريتية وعززها بمواضع رمي للدبابات والمدرعات، وقد قام العدو بحفر العديد من القنوات وبأطوال من 6-11كم وبعرض من 25-75م لغرض منع خرق الدروع والاليات لرخاوة ارض المنطقة كما قام باغمار مناطق واسعة بالمياه وعلى شكل مسطحات مائية بأبعاد مابين 200م عرضاً و400م طولاً وبعمق مابين 20-30سم بالاضافة الى منطقة النخيل التي تؤمن ستراً لقطعات العدو والمتواجدة على ضفتي شط العرب وكذلك زرع العديد من حقول الالغام على بعض المقتربات. المرحلة الثانية في يوم 15 حزيران 1987، عقد اجتماع (ق ع ق م) وحضر الاجتماع نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول عدنان خير الله، وقائد قوات الحرس الجمهوري، وقائد الفيلق السابع، وقائد القوة البحرية والدفاع الساحلي، وامر الرئيس صدام حسين بما يأتي:- 1. القيام بتغطية استخبارية كاملة للمعركة. 2. تشكيل (7) الوية بالاستفادة من افواج المهمات الخاصة، وتخصيص الالوية المذكورة الى الفيلق السابع بادخالها في الموضع. وتحرير تشكيلات بدلاً عنها، وتباشر في التدريب لمدة شهر ونصف الشهر. 3. تهيئة احتياط للمعركة، وان نأخذ من الجيش لدعم الحرس الجمهوري. 4. تحديد منهج لتدريب القطعات. 5. بدء خطة المخادعة... وطلب ان ((يكتب تقرير نقول فيه ان العدو يهتم اهتماماً مريباً بقاطع الفيلق السابع، وعندما يصل التقرير الى قائد الفيلق السابع، يطلب امكانية ويطلب تدريب افواج المهمات الخاصة التي كانت قد الغيت وادخالها الموضع)). 6. تحديد الواجبات 7. تكليف طيران الجيش بالقيام بعمليات انزال قوات خاصة لاعمال التخريب في الداخل الايراني ، او رفع مجموعة الاستطلاع العميق بشكل مستمر، وتدريب الطيارين ليلاً لهذه الاغراض. 8. عدم اصدار توجيه مكتوب بالمحضر ويتابع الحاضرون تنفيذ النقاط آنفاً بأنفسهم . 27/ايلول/1987 عقد اجتماع (ق ع ق م) وشملت التوجيهات ما يأتي:- 1. استمرار قطعات الحرس الجمهوري في الشمال بالتدريب على السباحة والغوص. 2. تحرير (48) لواء من قوات الحرس الجمهوري وتدريبها بشكل جدّي. 3. تهيئة الخطة النارية لاسناد العملية.. ويعتبر هذا الامر ضرورياً. 4. في حالة عدم مساعدة المنطقة لعمل الدروع، تفتح جبهة اخرى لسحب احتياطات العدو. 5. تنتج هيئة التصنيع العسكري المواد المطلوبة وتحدد وزارة الدفاع الحاجة منها. 6. ضرورة اثارة روح العمل لدى المقاتلين، والعمل ساعات اضافية، لان زمن الحرب ليس كزمن السلم. 7. عدم اصدار توجيهات مكتوبة. - 28 ايلول 1987 تم عقد اجتماع (ق ع ق م) لمتابعة ما أنجز من الاستحضارات. - 3/10/1987 عقد اجتماع (ق ع ق م)وتمت مناقشة فكرة العمليات المشتركة وادارة المعركة والتصور المسبق لما سيحدث وتهيئة متطلبات المعركة، والسيطرة والاسناد الناري، والمخادعة العملياتية، وسرعة رد الفعل، واختبار القطعات واعدادها للتدريب، ونواحي الامن والمعلومات الاستخبارية. - 13/10/1987 عقد اجتماع برئاسة (ر أ ج)لمناقشة توجيهات (ق ع ق م) ووضع التفاصيل. - 14/10/1987 صدرت توجيهات (رأج) للبدء بتنفيذ توجيهات (ق ع ق م) وتم بنفس اليوم عقد اجتماع برئاسة (رأج) واستعرضت فيه الخطة العامة ومهام الفيلقين وتحديد موعد اولي للعملية. - 4/1/1988 عقد اجتماع برئاسة نائب القائد العام وزير الدفاع لمناقشة تفاصيل الاسناد الاداري للخطة وتفاصيل الواجبات الخاصة. - 24/3/1988 عقد اجتماع (ق ع ق م) ونوقشت فيه الامور الاتية:- 1. التوجيهات الخاصة للمناورة، والموقف السوقي، وتقليل الخسائر وتوسيع جبهة الهجوم لتقليل تمركز القوات الايرانية. 2. اهمية الاستمرار بالعمل باتجاه الفاو. 3. المحافظة على القطعات المخصصة لواجب تحرير الفاو. - 5/4/1988 عقد اجتماع (ق ع ق م) وتم التأكيد في الاجتماع على الامور الاتية:- 1. ان تأثير انتزاع الفاو على مستوى السوق كبير ويحقق شعار (لا امل لاستمرار الحرب بالنسبة للعدوان الايراني). 2. وضع كل امكانات الدولة في خدمة المعركة وان لايكون العمل بالمقياس التقليدي. 3. استخدام خطط مخادعة لايهام العدو سواء في فتح مقرات الفرق والتشكيلات او تنقلها. - 6/4/1988 عقد اجتماع حضرة رئيس اركان الجيش لمتابعة تنفيذ الاستحضارات - 9/4/1988 عقد اجتماع برئاسة نائب القائد العام لمتابعة تنفيذ الاستحضارات . - 10/4/1988 عقد اجتماع برئاسة رئيس اركان الجيش وتم تدارس خطة تحرير الفاو. - 13/4/1988 عقد اجتماع (ق ع ق م) وتم مناقشة خطة الهجوم تفصيلياً وبعد الانتهاء من المناقشة تم تحديد يوم (ي) في السابع عشر من نيسان وسميت العملية (معركة رمضان مبارك). - 15/4/1988 عقد رئيس اركان الجيش اجتماعاً مع ممثلي الصنوف وتم التبليغ بيوم (ي) والساعة (س). - 16/4/1988 عقد لقاء ترأسه الرئيس صدام حسين ، وبحضور رئيس اركان الجيش ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية العامة واعطيت فيه التوجيهات النهائية واصدار الاوامر بالشروع في التنفيذ واكد القائد العام على الجوانب الاتية: 1. ان صادف غداً اول ايام رمضان فيحسب حساب السحور. 2. حدد الساعة (س) بين الساعة 430- لغاية 630. 3. اهمية ان تكون اخر ضربة بالقوة النارية مثل اول ضربة من حيث الصدمة. 4. توكلوا على الله دون الرجوع الينا. في الجزء الثامن : تفاصيل ادارة معركة تحرير الفاو، المعركة البرية ، القطعات التي بأت بالهجوم يومي 17-18 نيسان 1988. qusay_almuatasim@yahoo.com ([1]) الثورة العربية- العدد 5 لسنة 1988، ص147.([2]) المشروع رقم (22) اسم رمزي لاول خطة لتحرير الفاو- تحرير الفاو- مصدر سابق، ص122.([3]) كانت خطة الهجوم مقرر لها ايلول او تشرين الاول طبقاً لما اقر في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة في 14 مايس 1986. ([4]) التشكيل يعادل لواء في هذه الفقرة.([5]) الثورة العربية العدد 4 سنة 1989، ص62.