لم يسجل تأريخ البشرية لإنسان موهوب ومهيب ومنتج مبدع، انه كان بلا أعداء، بل على العكس فان العداوة لهكذا رجل هي السمة البارزة في سفره، وكلما كان فعله تاريخيا مميزا، كلما كان أعداءه أكثر في العدد، وأهم في النوع المرتبط بالحسد والغيرة والضغينة كفعل أراد له الله سبحانه أن يكون جزءا من هوى النفس الأمارة بالسوء، وطريقا لمعادلة كفة الميزان في عيار المتجهين إلى الجحيم. والعداوة لصدام حسين لا تخرج عن هذا الوصف حيث تصدت الامبريالية الأمريكية بقوتها المنفردة والمتفردة ومعها عشرات الدول التابعة بذل مهين بالعداوة لصدام حسين ودولته وشعبه وتصدت له الصهيونية الباحثة دون كلل عن أمان مفقود لدولة أقيمت على ضلوع العرب المسحوقة بالقوة الغاشمة وتصدت له الفارسية الصفوية بعد أن تعاقدت مع الامبريالية والصهيونية على تقاسم غنائم ما بعد إسقاط السد العربي العراقي الصدامي. وما زال العالم كله يردد معنا : قل لي من هم أعداءك أقول لك مَن تكون. و إذا كان أعداء صدام حسين بهذا الوصف فان عشاقه ومحبيه لهم أوصاف أخرى .. شعب العراق وأمة العرب الباحثين في حلكات الظلام عن نقطة ضوء تغيّر مجريات البؤس المستوطن في حياتهم. عرب من سكان القبور والحفاة والعراة والمحرومين من التعليم والذين يعيشون على الكفاف في بيئة تنتج الغنى لأمريكا وحلفاءها. عراقيون وعرب أذكياء وموهوبون يبحثون عن فرص الإبلاغ عن قدراتهم ووسائل تتيح لهم تثبيت نتاجهم العقلي ... سياسيون يعشقون هويتهم وذاتهم القومية الإنسانية ويتشبثون بتراب أرضهم ليزرعوا فيها مثابات العلم والزرع والتصنيع .. مثقفون بلا نوازع ارتزاق، بل حملة مشاعل الحرية وحق الإنسان العربي بحياة كريمة .. فنانون يتغنون بمن يعبد لهم مسالك الإبداع .. شعراء قصيدهم المجد والكرامة والكبر وارتفاع الهمم مع باسقات النخل .. مؤمنون يرتبطون بالله حبا بآخرته وحسن الختام بكسب حسن رضاه وليس أدعياء الدين، والمذهب الذين يقتلون ويسرقون ويصلون في آن معا في عملية خداع لذاتهم ولرب الجلال والإكرام. قل لي مَن هم عشاقك أقول لك مَن تكون. صدام حسين منظومة أخلاقية متكاملة جعلت عشاقه يتزايدون بعد خلوده وذهابه مهيبا للقاء ربه، وجعلت أعداءه تطير بهم الريح كالريش بلا وزن. في قمة مكونات المنظومة الأخلاقية الصدامية البعثية العروبية هي إن الرجل قد نذر حياته لـ ( قضية), عاش من اجلها، أنجز وضحى ونجح وأخفق, قام وجلس وقاتل وانتصر وتراجع, نظّر وأنجز، من اجل هذه القضية حتى جاءت لحظة صار فيها أسيرا كأسد مكبل بسلاسل الحديد في يديه وقدميه, في حالة إعلان بليدة من أعداءه على انه أسد هصور في محكمة الغدر ومن ثم في لحظات اغتياله ظل راعيا أمينا وحاملا جليلا لهذه القضية التي هي رسالة الأمة وعقيدتها الوطنية والقومية الانبعاثية. ومن مكونات المنظومة الأخلاقية الصدامية هي تجانس وتطابق القول والفعل ... فلقد كان الشهيد الخالد رحمه الله مثالا عالي الوصف في تطابق الرؤى والأفكار مع حركة الانجاز والتطبيقات الميدانية. لا دجل ولا مراءاة في الإعلان عن الرضا وعن الرفض وفي التعامل مع القول سرا وعلنا وفي الوقوف مع العدل والقانون حد الاستعداد لأن يقول عنه نصف سكان الأرض بأنه ظالم، وفي محبة و إسناد الشعب بعامته وسواده الأعظم حتى لو قال عنه نصف سكان الأرض بأنه من سواد خلق الله. يستمع ليتعلم وينطق ليعلّم. يوجه ليرى الانجاز وفي ساعات قيام الجهة المنفذة تجده يمسك معها أدوات التنفيذ في الحقل والصناعة والبناء. تجانس متفرد بين الذات في مكنوناتها وتشكيلها الداخلي وفي مخرجاتها إلى البيئة والمحيط. من أخلاقياته الثابتة، انه رب أسرة ملتزم فصار أبا وأخا لكل العراقيين والعرب، وانحنى أمام الأصول والثوابت الأسرية له أرذل أعداءه وأحقرهم مثلما انحنى لها محبة وتقديرا كل شعب العراق. من منظومة أخلاقه القيادية انه عبّد مسالك ومنافذ للاتصال بشعبه في القرى النائية والقصبات والاقضية والنواحي وكبريات المدن على حد سواء بمنهج ثابت لا كلّ ولا ملّ حتى صارت كل أسرة عراقية تتوقع أن يزورها في الهور الجنوبي وممالح الفاو أو في قمم كردمند وما جاورها من شامخات شمالنا العزيز. لقاء يومي يقدر البعض إن من التقاهم رحمه الله في مكتبه بمقابلات يومية لم توقفها حتى سنوات الحرب يقدر بثمانية مليون إنسان أو أكثر. ومن بين هذه اللقاءات لقاءات خاصة لها طعم الملح وحلاوة التمر البرحي هي لقاءاته مع جنده في جبهات القتال التي صال وجال فيها من خندقها الأمامي حتى مستودعاتها الإدارية الخلفية في حركة كان سيستشهد فيها ألف مرة، لولا حفظ الله جل في علاه ورعايته للرجل العظيم. من أخلاقياته الوضوح في التعامل مع أعداء العراق والأمة، ومنهم حركات سياسية حضرها بقوانين وتعليمات لأنها تتعارض مع منظومة أخلاقه وأخلاق العقيدة التي ينتمي إليها لأنها أحزاب وحركات سقطت من لحظة ولادتها في أحضان الأجنبي ومنها الأحزاب الطائفية التي استقرأ واستشف واستنتج من البداية إنها ليست أحزاب حقيقية، بل ميليشيات وعصابات تخدم إيران من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى ومنها من هو تابع ذليل لمخابرات الغرب أو الشرق على حد سواء. من بين ما يسجل أخلاقا للشهيد الخالد انه قدّر الفكر والثقافة والعلم والعلماء، فأسس لقواعد بناء تحتي رصينة لعلوم الذرة والكيمياء والفلك والفضاء والهندسة والطب وغيرها. وامتلك نظرة ثاقبة لوسائل بناء الإنسان عبر التنمية التربوية والتعليمية والصحية والمعاشية. هذه الوقفة الصدامية البعثية أنتجت جيشا من العلماء أهلتهم الدولة من المهد إلى الدكتوراه وفتحت لهم أبواب العطاء والإنتاج كلُ في مجال تخصصه في كل مناحي الحياة. الشجاعة عنده اقترنت بالفكر والتفكير والقراءة والاستزادة والإضافات اليومية ذاتيا وعبر التواصل مع قطاع الفكر والإنتاج الثقافي. وحول الشجاعة والثقافة إلى مشجب لكل الأسلحة تماما مثلما ربط بين الكلمة الأمينة المؤمنة وبين فوهة البندقية في سوح الجهاد والإعمار والبناء. آمن بعمق وقوة بالإسلام الحنيف وامسك بالحكم مع رفاقه تحت آيات الله البينات.. وأمرهم شورى بينهم.. وشاورهم في الأمر وتوكل بعدها على الله. وتعلم من إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم كيف يحاول بجهد وجهاد عظيم أن يكون أمة في رجل وأن يرتقي تدريجيا بوسائل القوة ليحقق رسالته العظيمة. ولد صدام حسين ليخلد بما أنجزه مع حزبه وشعبه للعراق والأمة كرجل قومي من طراز متفرد .. واستشهد صدام حسين على أيدي أعداء الله والأمة ليتحول إلى مشروع نهضة في ذات كل عربي حتى إننا نسمع الآن آلاف، بل ملايين العرب يتحسرون على أيامه ويعلنون بعد أن سقطت الفأس على جماجمهم انه كان مع العراق سدا غرقت القلاع بعد أن تهاوى ذاك السد. سلاما سيد شهداء العصر عليك يوم ولدت وسلاما عليك يوم قتلت أعداءك من عر ب ومن عجم في لحظات ارتقاءك إلى حيث العلى عند رب لا يضيع اجر المحسنين.. كل عام سيدي الشهيد الخالد ونحن نمسك بإحدى فضائلك الأخلاقية .. قضية الأمة .. في الوحدة والحرية والاشتراكية لتحقق وجودها الموحد و تتعاطى مع رسالتها الخالدة.