قرأت كلاما في موقع الأخبار وجهه أحمد ولد محمد المصطفى إلى الرئيس السوري بشار الأسد بخصوص ما يجري اليوم ببلاد الشام وغيرها من البلاد العربية، ولدي مجموعة سريعة من الملاحظات حوله، أرجو أن يتسع صدر الكاتب والموقع ويسمحان بنشرها. لقد تمحور كلامه حول فكرة مركزية مؤداها أن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد قد انتهى سياسيا وانتهى فكريا وانتهى استراتيجيا، ولم يقدم حول أسباب هذه النهايات الثلاثة إلا سببا واحد رئيسا هو أنه يعتمد على حزب البعث الذي ينبغي من وجهة نظر الكاتب أن "يوضع في متحف كنظام سيئ الصيت والقول والعمل" و أن الدكتور بشار الأسد يمثل آخر الأنظمة في المنطقة العربية التي تمثل هذا الفكر الذي وصفه ب "الطيني" واعتبر على نحو جازم أنه : " تقاطع في المنطقة العربية مع القمع وتصفية الخصوم واستنزاف الخيرات" كما أن " تعامله مع الأقليات غير المنتمية لقوميته كان فضيحة الفضائح" على حد قوله.. إن صاحب الكلام هنا لم يناقش الرئيس السوري الذي وجه إليه أقسى الاتهامات، وإنما حمل بقوة على فكر سياسي هو الفكر القومي العربي، وفصيل حزب البعث العربي الاشتراكي منه على وجه الخصوص، لكنه لم يقل فيه أكثر من تكرار تهمة معروفة من بين عشرات التهم سبق وأن أطلقتها الإدارة الأمريكية منذ عهد قيادة اليمين المسيحي المتطرف التي بدأت ببوش الأب، وانتهت ببوش الصغير، أطلقتها بحق النظام العراقي السابق لتبرير غزو العراق واحتلاله، والتهمة هي حين رفعت عقيرة أكراد العراق، مع العلم أن جميع العالم يعرف أن هؤلاء تمتعوا وحدهم من بين إخوانهم الأكراد في المنطقة بحكم ذاتي، ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية فعلت ذلك لشيطنة النظام وتجريده من كل تعاطف محتمل من دول العلم وشعوبه، ولسنا هنا في وارد تبيان زيف هذه التهمة وغيرها بعد أن اعترفت أركان تلك الإدارة بزيفها وتعمد تلفيقها هي وتهم أخرى لغرضها المذكور. وحتى وإن كانت الأنظمة العربية المحسوبة على الفكر القومي العربي قد ارتكبت أخطاء بحق قوميات أخرى فلا ينبغي أن نعيد ذلك إلى سبب وحيد هو انتماؤها لهذا الفكر القومي ، إلا إذا بينا أن ذلك جزء من منظومته الفكرية على نحو مفصل، لأن محاكمة فكر معين، أي فكر، مهما كان، متعذرة في اسطر على النحو الذي كتبت به تلك الاستنتاجات المتسرعة في إصدار أحكامها. وبما أن صاحب الاستنتاج ذكر أن النظام السوري هو آخر الأنظمة القومية في المنطقة، وهو الأمر المؤكد ، لكن المؤكد أيضا أن سلفه الراحل في هذا الفكر في المنطقة هو جمال عبد الناصر، وصدام حسين، وهما قائدان قد نختلف معهما أو نتفق، لكن أي منصف لن يستطيع القول بأنهما ذهبا إلى مزبلة التاريخ كما هو حال نظام مبارك وزين العابدين الذين ذكرتهما على نحو متعالق مع الدكتور بشار الأسد بشكل يوحي للقارئ بصلة لهما بالفكر القومي العربي الذي هاجمته وجردت "آخر" ممثل له من كل محمدة وأنهيت نظامه بجرة قلم. إن الأحداث المتلاحقة لم تكشف عن عمى عيون طبيب، وإنما كشفت ما هو أخطر بذلك بكثير، وهو أن تيارا فكريا وسياسيا كان إلى عهد قريب يجند أنصاره وحوارييه على خط يوهم بوضعه على نحو جامح في معسكر مواجهة الاحتلال الصهيوني الأمريكي للمنطقة ومقارعة الأنظمة العميلة المطبعة، ورفض المسخ الحضاري ومشاريع التذويب والإلحاق والهيمنة، يصبح في لمح البصر جزءا مكينا من منظومة موزة وخنفر " الإستراتيجية" وتوءميها قاعدتي " العيديد " والسيلية" الأمريكيتين ويقبع في الجحور التي تزحف منها الثعابين السامة نحو البلاد العربية والجزء المدبب من إسفين تصنع به سايس بيكو ثانية وتدق به أركان نظام عربي يمثل الخندق الرسمي الوحيد المتبقي هو النظام السوري الذي دعم اليوم وأمس المقاومة اللبنانية في كل مراحلها ، ودعم اليوم وأمس المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، والمقاومة العراقية الباسلة، ويوجد قانون لمحاسبته منذ عقد من الزمن في رفوف البيت الأبيض الأمريكي. إن هذا الاصطفاف لم يكن مفاجئا طالما أن القاصي والداني رأى هذا التيار يسابق اليهودي هانري برنار ليفي وجون ماكين إلى بنغازي لشرب الأنخاب مع الإنكليز والإيطاليين والفرنسيين والدانماركيين والإمريكيين على إيقاع دمار المدن الليبية ودكها بتوماهوك واكروز التي دمرت به الموصل الحدباء والبصرة الفيحاء واحتلالها والتغني من أعلى هرم فيه بمعزوفة قناة موزة وقناة العبرية ومطالبهما بمزيد من التدخل ونشر الفتنة والخراب في المنطقة العربية. فهل أمريكا لم تعد هي أمريكا؟ والاحتلال لم يعد هو الاحتلال؟ وغزة وجنوب لبنان والعراق المحتل لم تعد هي ساحة المعركة بعد أن نقلتها بوصلة أمير قطر " الديمقراطي"! "النوراني"!، الطوني وزنا والطيني معنى " وجزيرته وجيش مرتزقة حناجره، التي جندها واستباحت من مقدساتنا وثوابتنا كل حريم؟ إنه زمن الا منطق، زمن التعري الكامل زمن لا يعرف إلا الخالق البارئ المصور، كم فقست فيه بيضتا أبي رغال في منطقتنا من رغال.