يوم العشرين من نيسان هذا العام صادف الذكرى أل 86 لاحتلال الاحواز , وفي ذاك اليوم انقضت القوات الإيرانية من الحرس الثوري وقوات البيسيج على المتظاهرين الاحوازين فقتلوا منهم العشرات وجرحوا عددا كبيرا . في تلك الذكرى تنادت الجمعيات والأحزاب الاحوازية وناشدت الأمم المتحدة أن تتدخل لوقف حمام الدم في المدن الاحوازية , وتركزت المناشدة على العرب للانتصار لإخوتهم الاحوازيين الذين يعانون الاضطهاد والتهميش من قبل النظم الإيرانية المتعاقبة . الانتفاضة الاحوازية الحالية ليست الأولى بل سبقتها انتفاضات عدة , في الأعوام 1928 حيث سيطر الاحوازيون على الإقليم 6 أشهر بقيادة الشيخ محي الدين الزئبق ,وتوالت الانتفاضات في عقد ثمانينات القرن الماضي , وقوبلت بأقصى درجات العنف والقتل والتشريد والاعتقال التعسفي . وقد تركزت مطالب الاحوازيين على حقوقهم الثقافية والإنسانية , ومع ذلك لم يحصلوا على تلك الحقوق حتى الأن. وفي ضؤ التدخل الإيراني في شؤون البحرين والسعودية , وإصرار النظام في طهران على عدم حل مشكلة الجزر الإماراتية الثلاث ( طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى ) المحتلة منذ عام 1971 , والتهديدات الإيرانية المتكررة لدول الخليج العربي ,فان دول مجلس التعاون الخليجي باتت عازمة على الرد بالمثل . أثناء التمرد الذي شهدته دولة البحرين والمدعوم من النظام الإيراني وأعوانه في المنطقة , صعدت إيران لهجتها العدائية ضد دول الخليج العربي , ونقلت الأمر إلى الأمم المتحدة , حيث وجه وزير خارجية إيران علي اكبر صالحي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تطالبه وقف ما أسماه " مجزرة بحق الشعب البحريني " و " طرد ـ ما اسماه بالقوات الأجنبية ـ من البحرين " . ومقابل هذا التصعيد الإيراني فان مجلس التعاون الخليجي ينوي ـ حسب جريدة السياسة الكويتية ـ توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة لحماية شعب الاحواز, وحماية المسلمين السنة في إيران البالغ عددهم 15 مليون نسمه ,وقد تصدر دول الخليج العربي قرارا بطرد السفراء الإيرانيين من الدول الست , وسحب البعثات الخليجية من طهران بعد تعرض الكثير منها لاعتداءات متعمدة , كما أنها بصدد تعزيز قوات درع الجزيرة لتكون جاهزة لمواجهة أي عدوان خارجي . يحرم الاحوازيون من شغل الوظائف العامة ,ونيل الدرجات العليا , وإهمال منطقتهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا , وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية . رغم أن منطقتهم مكتنزة بالثروات , ففيها كميات كبيرة من النفط , وتصدر إيران من حقول الاحواز خمسة ملايين برميل نفط إضافة إلى البتر وكيماويات والأرض الزراعية الخصبة . وفيها اكبر موانئ إيران لتصدير النفط غبر الخليج العربي . تعد الاحواز منطقة إستراتيجية كبيرة بالنسبة لإيران , فهي التي منحتها فرصة مشاطئة مياه الخليج العربي , الذي تعتبره إيران خليجا فارسيا دون أي اعتبار لدول الخليج العربي . فالاحواز لها حدود مع العراق 500 كيلومتر محاذية إلى محافظات البصرة وميسان و واسط , ولها حدود على الخليج العربي تقدر ب 900 كيلومتر .ولمن يسأل عن حق العرب في الاحواز , وهل تعد هذه المطالبة تدخلا في الشؤون الإيرانية ؟ . من الناحية القانونية فان الاحواز جزء من الدولة الإيرانية , كما هي البحرين دولة عربية ,والتدخل الإيراني فيها باسم الانتصار للطائفة الشيعية هو تدخل مدان من العرب ومن الأمم المتحدة .ولكن من المنظور السياسي كل شئ جائز , فقد احتلت دول , وتقسمت دول أخرى , وانشقت أقسام من دول وصارت دولة بذاتها , ودخلت الأمم المتحدة . من اجل الإجابة على الأسئلة الأنف ذكرها لا بد من إلقاء ضؤ على الاحواز تاريخيا لنعرف أنها منطقة محتلة كما هي فلسطين محتلة من الصهاينة , وكما هو لواء الاسكندرون في تركيا . الاحواز تسمية عربية , وقد بدلها الفرس إلى كلمة ( الأهواز ) , وقديما أطلق عليها الفرس اسم عربستان , أي بلاد العرب , كما هي كردستان أي بلاد الأكراد , وبلوجستان أي بلاد البلوش وهكذا . ذكرت الاحواز في كتب التاريخ العربي كما في البداية والنهاية وتاريخ الطبري ,سكانها من القبائل العربية التي تعيش في العراق مثل ( بنو انمار ) و ( ربيعة ) و (بكر بن وائل ) و ( بنو حنظله ) و ( بنو مالك ) و ( تميم ) و ( بنو لخم ) . خضعت الاحواز لحكم البابليين والأشوريين ولاسكندر الكبير والسلوقيين , .كما خضعت للحكم العثماني , وشهدت الصراع بين الدولتين العثمانية والفارسية من اجل تقاسم النفوذ بينهما ,وأثناء الفتح الإسلامي في معركة القادسية التي قادها سعد بن أبي وقاص , فتح الاحواز أبو موسى الأشعري , وجعلها ولاية تابعة للبصرة . بعد الثورة البلشفية في روسيا 1917 , تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لوقف ما أسمته بالمد الشيوعي باتجاه الغرب والجنوب , فوجدت في إيران الشاه ضالتها من خلال بريطانيا التي كانت آنذاك إمبراطورية عظمى تجوب أساطيلها البحار والمحيطات , وتنتشر قواعدها العسكرية في معظم بلدان قارة آسيا . وفي عام 1920 اتفقت بريطانيا مع إيران على إقصاء الشيخ خزعل أمير الاحواز , وضمها إلى إيران , وفي عام 1924 تحالفت عشائر البختيارية المناوئة للشاه رضا بهلوي ,مع الشيخ خزعل من اجل الاستقلال , ولكن رضا بهلوي سارع إلى الزحف على الاحواز بعلم بريطانيا ودعمها , وتمكن من احتلال الإقليم واعتقال الشيخ خزعل . وفي رواية ثانية تقول أن بريطانيا خدعت الشيخ خزعل إذ عرضت عليه التفاوض مع الشاه على ظهر يخت بريطاني في مياه الخليج العربي , وعندما صعد إلى اليخت تم اعتقاله , ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1936 فقتل بالسم , ومن ذاك الوقت والاحواز تحت السيطرة الإيرانية . وعن الدور البريطاني في العالم ودورها إزاء قضايا العرب , لا بد من إقرار حقيقة واضحة هي أن بريطانيا حيثما حلت أبقت ورائها مشكلة مستعصية ,وعلى سبيل المثال كانت شبه القارة الهندية منطقة موحدة , فقسمتها إلى الدول المعروفة وخلقت لها مشكلة كشمير , وفي الوطن العربي خلقت مشكلات حدودية كبيرة بين العراق وكل من الكويت والسعودية وإيران والأردن ,وبين الأردن وسوريا , وبين السعودية واليمن , وبين الإمارات وإيران , ولم تخلف بريطانيا ورائها في الدول التي استعمرتها غير الفقر والانقسام العرقي والطائفي . الاحواز من الناحية التاريخية إقليم عربي وأهله عرب اقحاح , ومن الناحية القانونية جزء من إيران , ولكن من حق الاحوازيين المطالبة بحقهم القانوني في تقرير المصير , كما جرى في جنوب السودان , وكوسوفو , وفي تيمور الشرقية في اندونيسيا . من حقهم أن ينالوا الحكم الذاتي ضمن الدولة الإيرانية, ومن حقهم المطالبة بالانفصال. ومن حق دول الخليج العربي أن تطالب الأمم المتحدة رعاية عرب الاحواز , والوقوف على مطالبهم المشروعة , كما هو واجب العرب الانتصار لإخوانهم الاحوازيين العرب , ليس بدافع التعصب بل بدافع الإنسانية . والحرص على دوام الأمن الاستقرار في المنطقة.