يتذكر متابعو الشأن العراقي عام 2008 الذي طُرحَتْ فيه مسودة الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وحكومة العراق .. ويتذكر الجميع السجالات السياسية والتصريحات النارية التي أطلقها الكثير من السياسيين والكتل السياسية والتي هددوا وصرخوا وعربدوا وتوعدوا ولكن .. تقاطر المسؤولون الأمريكان في زيارات سريعة ومتوالية هدفها إجبار الكتل السياسية على تمرير الاتفاقية الأمنية تلك الاتفاقية التي عرفنا ربعها العائم كالثلج فوق مياه المحيطات أما الجزء الغاطس الذي يمثل ثلاثة أرباع حقيقة هذه الاتفاقية فلا يعلمه إلا الذين شاركوا في كتابتها وطلعوا على نصوصها وملحقاتها. نعم تعالت الأصوات الرافضة للاتفاقية والمُهددة .. وشاهدنا تلك الوجوه ( الكالحة ) على شاشات التلفاز أينا حولنا قنواته وهي تصرخ وتستغيث .. وتبين بعد توقيع الاتفاقية أنهم قالوا بمليء أفواههــــم ( إيييييييه الحمد لله بس خلصنا ومررنا الاتفاقية ) .. وهذا من حقهم لأنهم قبضوا ثمن ذلك .. نعم إخوتي .. الأمريكان أصبحوا على دراية ومعرفة تامة وكاملة بأدق تفاصيل وسلوكيات وتصرفات وشهوات ورغبات السياسيين العراقيين .. الأمريكان يعرفوا مع مَنْ يتعاملوا ( باللطف والطيب ) .. وأيهم يتعاملوا معه ( بالرزايل ) .. وأيهم يتعاملوا معه ( بالدولار ) .. وأيهـــم ( لا جدوى من التعامل معه لأنه راكب راسه ) .. حدثت الجلسة البرلمانية بعد منتصف شهر تشرين الثاني 2008 بيومين أو ثلاثة .. وكان محضر الجلسة موضوع واحد هو التصويت على الاتفاقية الأمنية .. شاهدنا تلك الجلسة وشاهدنا اعتراض نواب التيار الصدري وصرخاتهم ولكن النتيجة تم التصويـــت بالموافقــــــــة ( وارتاح الجميع باستثناء القليل ) .. وفي اليوم التالي خرجت علينا نفس ( الوجوه البائسة ) .. هذا يبرر التمرير وذلك يظهر بطولاته بأنه لم يصوت والآخر يهدئ الخواطر ويشرح ضرورات هذه الاتفاقية وأهميتها لأمن واستقرار العراق والمحافظة على وحدته وسيادته .. وآخر يقول ( بأنه مسؤول أمام الله والتاريخ بعدم الإبقاء على جندي أمريكي واحد في العراق بعد عام 2011 ) .. والآن ونحن قاربنا من الوصول إلى نهاية السنة وهي فترة نهاية الاتفاقية التي من المفترض أن تنسحب بموجبها كافة القوات الأمريكية من العراق يوم 31/12/2011 .. لدينا الآن على ارض العراق ( 47 ) ألف جندي أمريكي يُضاف لهم كادر السفارة الأمريكية وشركاتها الأمنية وغير الأمنية بحدود ( 5 ) ألف أمريكي .. ماذا صرنا نرى؟؟؟ وسائل الإعلام الأمريكية بدأت تتداول مسألة التمديد لبقاء القوات الأمريكية .. الإدارة الأمريكية بدأت اتصالاتها الهاتفية المباشرة مع المسؤولين العراقيين .. زيارات مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون ومنظري السياسة الأمريكية الواحد تلو الآخر .. وعلى مبدأ ( إياك ِ اعني واسمعي يا جارة ) .. وعلى طريقة الكلام أو الأوامر أو التوجيهات أو الرغبات ( ونحن نعرف أن رغبة الآمر والقائد هي أمر ) أو بطريقة الحث ( الكهربائي ) .. يقول الأمريكان للحكومــة العراقية ( لم يعد لدينا وقت كثير إذا تريدوا أن تمددوا الاتفاقية وتبقوا أكثر من ( 20 ) ألف مقاتل فليس لدينا مانع ) .. وجوهر هذا الكلام ومغزاه ( أيتها الحكومة العراقية وأنتم أصحاب الكتل السياسية طالبوا بالتمديد لبقاء القوات الأمريكية ) .. السيناريو لعام 2008 يُعاد عام 2011 .. اسمعوا وأنصتوا أيها العراقيون لتصريحات أغلب أعضاء البرلمان .. ( إنهم !! ) ضد التمديد لبقاء القوات الأمريكية !!! .. كل قادة الكتل ضد التمديد !!! .. كل أعضاء الحكومة ضد التمديد !!! .. كل الشعب العراقي ضد التمديد .. ( ومع كامل احترامي للجميع ) فإنني ( وبسبب تجربة الثمانية سنوات الماضية ) .. أقول الجميع ( إنهم يكذبون باستثناء القلة القليلة منهم ) .. أما الشعب العراقي فهو الصادق دائما .. بعض السياسيون والعسكر العراقي يصطنعوا المبررات التي تُسوق للتمديد .. ومن هذه المبررات .. أن الجيش العراقي الحالي غير قادر على الدفاع عن أراضي ومياه وسماء العراق تجاه أي تهديد .. وان الجيش يفتقد إلى سلاح الجو .. وان المشاحنات وعدم اتفاق السياسيين سينقلب إلى مواجهات مسلحة إذا خرج الأمريكان .. وان ( المناطق المتنازع عليها ) ستؤدي إلى حروب في حال غياب الأمريكان .. وان تدخل دول الجوار سيزداد إذا رحل الأمريكان .. ولكل هؤلاء .. أجُيب بسؤال واحد محدد بالعامية العراقية ( مو كل هاي الأمور جاي إتصير والأمريكان موجودون ويتفرجون ) !! رحيل الأمريكان أو التمديد لهم هو الاختبار الحقيقي للساسة والعسكر والكُتل والتيارات السياسية والشخصيات العشائرية هذه المرة .. لقد أصبح الشعب العراقي أكثر وعيا .. وأكثر إدراكا للسياسة وألاعيبها .. بدأ هذا الشعب الأصيل يميز الكذابين والنصابين وتجار الحروب وأصحاب العقود والمفسدين وسوف يطيح برؤوسهم الواحد تلو الآخر أو بدفعة واحدة .. نعم من يريد أن يصنع له تاريخا عليه أن يكون إلى جانب الشعب قولا وعملا .. الشعب العراقي يدرك أن بعض أصحاب القرار ( وعذرا للثلة الصادقة النزيهة وهم القلة طبعا ) .. أقول أدرك الشعب أنهم يكذبون وأنهم في قرارة أنفسهم يريدون بقاء الاحتلال الأمريكي لأنهم قد ( ربطوا مصيرهم بالاحتلال .. فإذا خرج حقا .. فأنهم سيسبقونه وبذلك تضيع عليهم فرصة الإثراء الفاحش على حساب الشعب المسكين ) .. وأنتم أيها الشعب العراقي الأصيل الصابر المحتسب البطل .. لك القول الفصل .. قل للسياسيين بوضوح تام وبصوت عالي ( سينالكم مصير الذين سبقوكم في دول أخرى إن تجرأتم على تمديد الاتفاقية ) .. وستخرج لكم الملايين من أبناء بغداد من أهل مدينة الصدر والشعب وبغداد الجديدة والشعلة والعامرية والكرخ والسيدية والحسينية واليوسفية يشد أزرهم ملايين العراقيين في كل محافظات العراق من كل الأطياف والأديان والمذاهب والأعراق وسيزحفوا بالملايين ولن ينفع في ذلك اليوم إن قتلتم منهم عشرات الآلاف أو مئات الآلاف وسيطيحوا بالذين صوتوا أو سعوا إلى التمديد للاحتلال.ألم تشاهدوا الملايين التي خرجت في تظاهرات يومي 8 و 9/4 في الذكرى الثامنة للاحتلال؟؟ ألم تسمعوا شعار كلا .. كلا .. كلا للاحتلال؟؟ألم تسمعوا باعتصام أمراء وشيوخ القبائل من كل أنحاء العراق في الموصل الحدباء وهي تزحف للمحافظات الأخرى يوما بعد يوم؟؟ وأخيرا .. نصيحتي لكل صاحب موقع سياسي أو عسكري أو وظيفي أو ديني أو عشائري .. ( كونوا مع الشعب لان الشعبَ باق ٍ والأمريكان على رحيل ولو بعد حين ) ..