لو تأمل المرء بشكل عميق في مجمل "العملية السياسية" الجارية في عراقهم الجديد , بغض النظر طبعا عن نائجها الكارثية وتفرّعاتها المأساوية بالنسبة للشعب العراقي , سوف يجد دون كثير عناء , أن ثمة أربعة لاعبين حقيقين يقفون على خشبة المسرح ويحرّّكون بمهارة وإتقان تلك الدمى الصامتة البليدة التي لها أسماء وصفات وُجدت خصيصا له , كالمالكي والطلباني وعلاوي والنجيفي واللاحكيم وغيرهم. فهؤلاء مهما تبجّحوا وعربدوا وصالوا وجالوا في سوح الفضائيات وأمام عددسات التلفزة يظلّون مجرد أدوات ميتة لا حيلة ولا قوة لها. وبديهي إن أية أداة أو آلة تفقد قيمتها وتُهمل وربما يتآكلها الصدأ إذا لم يكن ثمة إنسان يجيد إستخدامها ويحافظ على بقائها تحت رسم الخدمة. في عراق االيوم هناك عصابة مكونة من أربعة أشخاص خلف كل واحد منهم تقف دولة أجنبية معادية للعراق وساعية بكل السبل لتخريب نسيجه الاجتماعي ونهب ثرواته وخيراته عبر الأودات "الحاكمة" التي أسلفنا ذكرها. وهؤلاء الأشخاص أو العصابة , وحسب الأهمية والموقع والتأثير , هم السفير ألامريكي في المنطقة الخضراء , السفير الايراني في بغداد , آية الله على السيتاني في النجف , ومسعود البرزاني رئيس إقليم ما يُسمى بكردستان العراق. وقد لا تكون هناك علاقة أو تنسيق مباشر بين أفراد هذه العصابة المتنفّذة لكن وسائل الاتصال والتواصل وتبادل الأراء والملاحظات مستمرة عبر وسطاء ورُسُل وسُعاة بريد على أعلى المستويات منذ إحتلال العراق وحتى يوم الناس هذا. وإذا توخّينا الدقّة أكثر فاننا سنجد وعلى مدى سنوات الاحتلال المشؤومة وفي حالات كثيرة , إن أمور العراق في مجملها إنحصرت بين إثنين فقط من أفراد عصابة الأربعة , وهما السفير الأمريكي ونظيره الايراني في بغداد. لأن المرجع الشيعي على السيستاني في الواقع هو عبارة عن وكيل أو ممثل لدولة الملالي في طهران , وبالتالي فهو في كل الأحوال في جيب أو تحت عمامة المرشد الايراني على خامنئي. وهو يمسك بيده , أي على السيستاني , جميع الخيوط التي تحرّك الدمى الصامتة البليدة كالمالكي والصدر واللاحكيم عمار أبن أبيه. وبمعنى آخر فان ما يُسمى بالطيف أو البيت الشيعي لا يحرّك ساكنا في العراق المحتل دون إشارة أو همسة أو حتى إبتسامة ذئبية تصدر عن شبح الأوبرا أو شبح الحوزة النجفية "آية" الله على السيستاني. أما بخصوص فخامة وضخامة صاحب السعادة المنزوع الارادة مسعود البرزاني فهو رجل أمريكا وإلكيان الصهيوني بلا منازع في شمال العراق. وكان وجوده هو وعائلته وما زال , ومنذ أكثر من نصف قرن , سببا في جميع ما مرّ به العراق من مآسي وحروب وجرائم وحصارات وسرقات ونهب لثرواته وخيراته وكل ما له صلة بتاريخ هذا البلد العريق , صاحب أقدم الحضارات وأكثرها رُقيّا وتأثيرا في تاريخ الانسانية. وكأنّ الأقدار زرعت مسعود البرزاني وحزبه العائلي خنجرا مسموما في خاصرة العراق , لا تنضب سمومه ولا تضمحلّ غرائزه العدوانية ضد العراقيين. له القول الفصل في كل صغيرة وكبيرة في عراق اليوم حتى في أدقّ خصوصيات أبناء وسط وجنوب العراق , بعد أن حرّم على العراقيين , بمن فيهم رفاقه "قادة "العراق الجديد , دخول الأقليم الكردي المقدّس الاّ بـاشيرة دخول أو فيزة صادرة عن سفارة أمريكا في المنطقة الخضراء. فمسعود البرزاني , الذي بنى له مجدا زائفا وعلى أشلاء آلاف الأبرياء من العرب والكرد والتركمان وغيرهم , لا يحب الخير لا لأبناء جلدته ولا لغيرهم. فإاذا قرّرت حكومة بغداد العميلة مثلا فتح معمل لتعليب التمور في قضاء أبي الخصيب جنوب البصرة ينتفض مسعود البرزاني مهدّدا متوعّدا مطالبا بشيء مماثل في أربيل أو دهوك , فالسليمانية لا تهمّه على الاطلاق لأنها "ضيعة"تابعة لضخامة ثور الحضيرة الخضراء , جلال الطلباني. وكثيرا ما يلجأ العميل البرزاني الى رفع شعاره , الذي هو سيف داموقليس المسلّط على رقاب العراقيين , والذي يقول فيه "إن الأكراد ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية". وبمعنى آخر ياعراقيين , فيفتي فيتي في كل شيء , حتى وإن كانت نسبة الأكراد لا تتجاز الخمسة بالمئة من مجموع سكان العراق. ما يغيب عن بال الكير من المتابعين للشأن العراقي هو أن كل واحد من عصابة الأربعة المكوّنة من سفيري أمريكا وإيران والعميلين "فوق العادة" على السيستاني ومسعود البرزاني , يملك حق النقض "الفيتو" في أي شأن يخصّ العراق. ولا يمكن ترشيح أو تعيين وزير أو مدير عام أو رئيس مؤسسة مهمّة دون أن تكون أطراف العصابة الأربعة متّفقة على ذلك. وبناءا على تجارب سنوات الاحتلال وعمل ونشاط هؤلاء وأتباعهم , فانه من النادر أن تتّفق العصابة المربعة على نقطة واحدة. وقبل يومين مثلا إعترض"آية" الله على السيستاني , لأنه يملك حقّ النقض , وعبر وكلائه أو الناطقين بلسانه الساكت عن الحق , على ترشيح خصير الخزاعي , من جماعة بائع السبح والخواتم نوري المالكي , لمنصب نائب رئيس الجمهورية. كما إن العراق , الديمقراطي الفيدرالي الحر الخ الخ , ما زال بدون وزراء للوزارات الأمنية مع أن الانتخابات , إذا لم تخنِّ الذاكرة , جرت في شهر آذار/ مارس من العام الماضي. والسبب ببساطة هو إن حق النقض الممنوح لعصابة الأربعة يعرقل أو يلغي دائما أية إمكانية للتوصّل الى حل مرضٍ للجميع. ومن المعروف في أية دولة , وبغض النظر عن نظامها السياسي وحجمها وتأثيرها الاقليمي أو الدولي , هو إن الحكومات أول ما تقوم به حال تشكيلها ونيلها الثقة من قبل االبرلمان , هو حسم مسألة الوزارات الأمنية. لأن أمن المواطنين وسلامتهم , أفرادا وممتلكات وخصوصيات , هي من أوليات أية حكومة في العالم , باستثناء حكومة الاحتلال في المنطقة الخضراء. وبما أن اهواء ورغبات وخطط ومشاريع عصابة الأربعة تتضارب وتتناقض فيما بينه , كما يحصل عادة بين منظمات وعصابات المافي , فان عجز الحكومة في تحقيق أي شيء وعلى أي صعيد نابع أيضا من تصادم المصالح لهذه العصابة , وليس فقط لأن "قادة" العراق الجديد هم فئة نوعية "نادرة" تمثّل أكثر ساسة العالم فشلا وبلادة وحبّا شهوانيا للمال الحلال والحرام , إضافة الى فقدانهم لأي نوع من أنواع الكفاءة والخبرة والمسؤولية في إدارة شؤون الدولة. فلا توجد وزارة واحدة في عراق اليوم متفوّقة على غيرها الاّ اللهم بقدرتها على السرقة والتزوير وتبذير المال العام في أمور ومشاريع ثانوية وفاشلة. مُضافا الى ذلك إهدار حقوق المواطنين والامعان في إذلالهم بشكل يومي وتعقيد أمور حياتهم المعقّدة أصل , بفضل هيمنة ونفوذ وسطوة عصابة الأربعة الحاكمة في العراق المحتل , والتي يمثّلها سفيران فوق العادة وعميلان من الدرجة الممتازة ! mkhalaf@alice.it