من الطبيعي جدا في زمن العهر السياسي وانتهاك حرمات الأوطان وإبان بلوغ الاستعمار والامبريالية أوجهها، أن تنمو حركات دخيلة على طبيعة الشعب بين ظهراني القوى الخيرة في الأمة. ومن الوارد والمتوقع أن تتحول هذه الحركات وتلك البؤر السياسية والإعلامية إلى كائنات هلامية مائعة تحرك بأيدي روبوتات النظام العالمي الجديد المؤسس على عقيدة ثابتة تأخذ من سياسات التفرقة والتدجين محورها الأولى والأساس. حتى تضمن سلامة النهج التابع والمرتهن لها. ومما هو مؤكد أن الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية بناء على تجارب واسعة أجراها واكتسبها خلال عقود متتالية من نفوذه المطبق على الشعب العربي، واحتكاكه بالمجامعات في هذه الأمة أصبح مدركا لخطورة مؤامراته التي جاءت بعد دراسة وافية لطبيعة وبنية هذه المجتمعات، خصوصا المجتمع العربي. لذلك أدرك الاستعمار الغربي أن تنفيذ مخططاته داخل مجتمع مسلم محافظ يحتاج إلى بناء أجيال مدمجة داخل الأجندة الموجهة والملبسة بعناوين الإصلاح السياسي والديني. ولأن البعد الاستراتيجي الخطير لمخططات الاستعمار عصي على فهم وإدراك الفرد العربي المغيب بعوامل عديدة ومؤثرات كثيرة خارجية وداخلية، منها ظروفه الصعبة وواقع المرحلة التي يعيشها، ومن أبرز تلك التجليات لثمه بشاشات لافتة وأبواق كبيرة الصوت تفرض عليه ذلك الواقع بطريقة محكمة الإخراج. فدجنت الأجيال الكبيرة، وتربت تلك الصاعدة على صخب الصوت والصورة الإعلامية الموجهة.. * البعد الديني في مخططات الاستعمار الصهيوني.مع بداية الدعوة للتحرير من قيود الاستعمار في العقيدين الأولين من القرن المنصرم وتصاعد وتيرة الدعوات إلى وحدة الشعب وتأميم الثروات. وحين أدرك الغرب المتصهين أن كل أطماعه ومصالحه مهددة ما لم يكن هناك حبل سري روحي يتصل مباشرة بحاسة الاستعمار العميقة، كلما حاولت الأمة العربية النهوض والثورة على تقاليد التبعية والاستعمار.. ولم تكن التجزئة الجغرافية وحدها كافية ليطمئن الاستعمار على مصالحه بل ظل قيما على تنصيب أذيال وأتباع له على أنظمة الأقطار العربية. ولم تكن الفرقة السياسية وتكاثر الأحزاب والحركات الفكرية، واختلافاتها وتجاذباتها هو الآخر ليقنعه بأن لا وحدة سياسية يمكن أن تحدث في القريب العاجل. ولم تكن الدعوات المتواصلة بحجج حقوق الأقليات في الوطن العربي والتي تثير زوبعات عديدة توشك أن توقد نار الطائفية والعنصرية المقيتة بمهمة هي الأخرى في رأي الاستعمار لتوقف وجَسه المتواصل من التحرير الناجز والوحدة الحتمية للشعب العربي. بل كان لزاما على الخطة الإستراتيجية العميقة للغرب المتصهين أن تزرع دبابيرها السامة في كل شبر من جسم الأمة، وأن تصيبها في القلب، لذلك كان الإسلام بوصفه روح هذه الأمة الأقرب إلى تخطيط العقل الاستعماري الغربي، فسارع إلى الدعوة إلى "إسلام معتدل"، والإشراف المباشر على خلق عناوين عديدة ومتشعبة لهذا الإسلام!!.. ورغم أن قلب المؤمن لا يجمع النقيضين فقد وجد الغرب من بين المسلمين من يسلمه الشعار الديني مقابل الصعود السياسي، فكانت تلك الحالة من أبرز النماذج الحية التي نصوغها في مجال البعد الديني لمخططات الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية. * البعد الإعلامي في خطط الاستعمار الغربي..عندما بدأ الغرب الناهب لخيرات وثروات الشعوب الضعيفة بغزو الفضاء وزرع أقمار صناعية ضخمة ترصد له ما استطاعت من معلومات عن حياة عباد الله في أرضه، لم يكن مغامرا ولا مسرفا؛ بل كان على بينة مما يخطط له!. فبناء شبكات إعلامية موجهة كبيرة وقادرة على غرس صورة باهرة للاستعمار في أذهان الأجيال الصاعدة، وتوجيه العقل الجمعي الشعبي العربي صوب التطبيع الديني والعقلاني بطريقة لا تظهر البعد الخطير لتلك الإستراتجية هو أهم دور تلعبه وسائل الإعلام وأعظم مهمة تنجزها لصالح الاستعمار والتبعية. ولا شك أن هناك قنوات بدأت مهمتها بطريقة تمويهية لا تفتح المجال للشك في استقلاليتها ومهنيتها، وحتى تبنيها للقضايا العادلة وقضية الأمة المركزية. إلا أن تلك القنوات والإذاعات والمؤسسات الإعلامية، مثل ما هو حال الحركات والواجهات السياسية السالفة الذكر، سرعان ما انكشفت بفعل تسارع وتيرة الأحداث وتنامي الوعي الشعبي العربي بخطورة المؤامرة، وتأثر الإمبراطوريات الاستعمارية المباشر من سياساتها العدوانية ضد الشعوب الأخرى وخاصة الشعب العربي. ورغم الانجاز الكبير الذي حققته تلك الوسائل الإعلامية خلال السنين الماضية والعمل المتواصل لتزييف الحقائق وتغييب الصورة الحقيقية للواقع العربي، خصوصا خلال العدوان الغربي الصهيوني على النظام الوطني في العراق، والتعتيم الإعلامي على مقاومة الشعب العراقي للاحتلال، والترويج لحرب أهلية وصراع اثني وعرقي وديني وفكري على أرضه، بغية تفكيكه وتحطيم قدرته ونهب ثرواته.. والتطبيع مع الكيان الصهيوني إعلاميا من خلال الاستضافة المتكررة لرأي مفترض للاحتلال مثل ما يحدث مع "مسؤولي دويلة إسرائيل" الصهيونية على شاشات بعض القنوات الموجه للمشاهد العربي.. وما رافق كل ذلك من حملات تضليل طالت كل أقطار الوطن العربي في المشرق والمغرب. فقد افتضح دور تلك القنوات والإذاعات بالتزامن مع نهوض الشعب العربي اليوم، وظهرت تلك القنوات على حقيقتها؛ مناصرة لمشروع أممي ومعادية لعقيدة الثورة والتحرر والوحدة، وباتت على موعدها مع حكم التاريخ، ونقمة الشعب المضلل!!..