والذي يهمنا في تناولنا الان هو التجديد الذي يحصل على الثورة العربية المعاصرة ومداخلات التطورات التي تحصل في الموقف الثوري الجماهيري العربي اليوم.فكل أشكال الثورة العربية الحقيقية و الاصيلة تقوم على ثوابت أساسية من أهمها:- 1-الايمان بالله وإحترام كل الاديان والقوميات والطوائف والمعتقدات 2- التأكيد على وحدة الامة العربية نضالياً.وإن هذه الوحدة هي الطريقة الوحيدة لاثبات هوية الامة. 3-إحترام حرية الفرد والمجتمع وإعتبار الجدلية التي تربط بينهما هي السبيل والطريق الوحيد لبناء المجتمع الديمقراطي الاشتراكي العربي. 4-العدالة الاجتماعية الموروثة من الحضارة العربية الاسلامية والتي هي إحدى الاساسات للبناء الاشتراكي في المجتمع العربي المعاصر. 5-عدم الالزام بتنفيذ هذه الثوابت في ترتيبها التسلسلي لأنها مرتبطة بل مرهونة بمعطيات الواقع القطري والعربي بالدرجة الاولى ومن ثم الاقليمي والدولي. إن هذه الثوابت أنتجت أهدافاً للمجتمعات العربية تحمل خصوصيتين متحركتين,الاولى تتبلور وتنضج بحكم عوامل إقتصادية وسياسية وجغرافية تنتجها مركبات التكون التاريخي للقطر الواحدوالتشكل التربوي للقطر الواحد والثانية هي الخصوصية القومية التي كانت وستبقى حاضنة للمشتركات القومية بين الاقطار العربية سواء التي تتعلق بالتاريخ العربي أو بالوضع الديموغرافي للمجتمعات العربية. وترتبط هاتين الخصوصيتين ببعضهما بأصرة جدلية لتكون خصوصية للامة العربية بين الامم الاخرى, وبالتالي تشركها في أهدافاً تقربها من المجتمعات الانساتية لتؤثر بها وتتأثرمنها,وتكون أهم سمة لهذه الاهداف القومية هي الشمولية,حيث شموليتها تتحقق في الاهداف المطلوبة وفي الادوات والوسائل لتحقيقها,فالشمولية في الاهداف تعني نجاح الهدف في تمثله حاجات وطموحات وتطلعات الغالبية المطلقة من الجماهير العربية,والشمولية في الادوات هو نجاح الثورة في خلق زخم وقوة مؤثرة بإتجاه التغير وبمساهمة كل المكونات والشرائح والطبقات والقطاعات الجماهيرية,فالانسان العربي المعني بتحقيق هذه الاهداف بالقدر الذي يستطيع فيه أن يفهمها ويستوعبها ويتفاعل معها ليتمكن بعد ذلك من أن يتجاوب معها. أن اي ثوابت لبناء الثورة العربية المعاصرة لا تقوم على ثوابت قومية بإتجاه إنساني لا يمكنها أن تستمر,فالثوابت الدينية الدنيوية وهي التي موضوعة مطروحة للنقاش العلمي الحقيقي الان مثلاً مفتوحة وغير محددة وتختلف من مذهب أخر الى أخرومن قطر لاخر, بل من عربي لاخر,بمعنى أدق الثوابت الدينية في قطرعربي مثل لبنان فيه تعددية دينية وطائفية يختلف عن القطر المصري الذي فيه تعددية دينية وبالتالي يختلفان عن السعودية التي لاتتمتع بأي تعددية دينية ولكنها قد تتمتع بتعددية طائفية,والعراق نموذج للمجتمع العربي في تعدديته بالقوميات والاديان والطوائف,ولكن هذا لايعني ابداً شمول هذه الجدلية في النقاش الثوابت اللاهوتية فكل المؤمنين من الاديان السماوية والطوائف والفرق الدينية يشتركون في ثوابت مستمدة من تعليم وناموس سماوي واحد,وهذه الثوابت سواء كانت تمثل جوهر الايمان أو طريقة التعامل معه لايمكنها أن تفرق بل تقرب فوحدانية الخالق وأنبيائه ورسله وتعاليمهم المستمدة من الخالق كلها ثوابت مشتركة لا خلاف ولا إختلاف عليها. 4- إن نموذج النظام العربي المعاصر يختلف عن نموذج النظام العربي الموجود في تاريخنا العربي الاسلامي والذي كان قائماً على الجمع بين السلطة الدينية والدنيوية في شكل السلطة الحاكمة أما في الشورى أو في الخليفة,حيث إن النظام السياسي العربي في التاريخ العربي كان يقوم على أُسس دينية بالطبع هذا لايعني شهادة له على التزامه بالدين ابداً ولكن القصد أنه كان يستمد شرعيته من بعض الثوابت الدينية ويشجع بل يلزم في بعض الاحيان بحكم الفرد لان القناعة في وقتها كانت مبنية على أن راس السلطة سواء كان فرداً أو مجموعة يمثلان خليفة النبي او الرسول في حكم الدولة ورأس السلطة,وهذا الالتزام يمنع الاجتهادات في بناءسياسة للدولة الدينيةالدنيوية ,وأما النظام العربي المعاصر الذي سبق الثورات والتغيرات, فقد كانت بداياته قائمة بالدرجة الاولى على منحة من الاستعماروصُبِغَ بلون ديني وأخذ شرعيته من مبايعة العشيرة او القبيلة الصفوة وبالتالي أستمد هذا النظام قوته من شكلٍ من اشكال الاستعمار, ولكن هذا التقارب بين هذه الانظمة والاستعمار جعل الشعب يحتك بحضارة المستعمر ويُفرض عليه التطور علمياً وحضارياً الامر الذي أثر على تطور العقلية العربية وخاصة في شرائح الشباب و كان ذلك سبباً رئيسياً لنمو الوعي الوطني والقومي والذي كان من نتائجه قيام الثورات لتغير أنظمة الاستبداد بأنظمة تتعامل مع مواطنيها بروح الديمقراطية, ولكن مشكلة بعض الثورات لم تلتفت الى العامل الرئيسي لقيامها وهو تفرد الحاكم والميل نحو الحكم الفردي أوالاوليغاراشي لتنقلب على أهدافها التي قامت من اجلها, وفي كلتا الحالتين سواء في أنظمة الحكم العميلة أو الثورية المزيفة فان الفلسفة التي تعاملتا بها في إدارة البلاد كانت أما بتشبهها بالحكم الخلافي المطلق والذي أحد صوره الحديثة الانظمة الملكية.أوبالنرجسية في القدرة والامكانية في إدارة الناس وحصر أحقيتها في الحكم,بل إن بعض الثوارقد إستمالتهم السلطة والشعارات التي تنمي بالفرد أو المجموعة روح حب الذات والاستخفاف بقدرات الاخرين,و التي حولت من الثوري أو الثوريين الى مستعمرين لذوات الاخرين وكنتيجة لذلك تحولت السلطة من سلطة ثورية الى سلطة تفردية وديكتاتورية وأوتوقراطية ولتنتهي الثورة أما بتغير جديد أوبإنتفاضة شعبية عارمة.أي أن بعض الانظمة الثورية تدعي القدرة على تجسيد العمل الجماعي والقيم والفضيلة ولكنها تفقد هذه القدرات عند حافة مغريات السلطة وتبدا تظهر في حكومة الثورة حالة شبه الطلاق بين الجسم الجماعي التي تمثله الجماهير الشعبية وبين الحاكم سواء كان فرداً أو مجموعة من الافراد وتتحول العلائق بينهم من علاقة القائد بجماهيره وتتجسد فيها ما يطلق عليها العقلانية البيروقراطية غير المتعينة بحسب منظور بعض علماء الاجتماع مثل العالم الاجتماعي ماكس فيبر والتي من خلالها تصاب الزعامة(فردية كانت أو جماعية) بوهم القدرة على تجسيد إرادة الشعب دون الحاجة الى وسائط أو مؤسسات وكانه أو كأنها أستوعبا في شخصهما جوهر المجتمع وهويته ويتوهم الزعامة (القوة اقابضة على الحكم فرداً أو مجموعةً) القدرة على تجسيد "إرادة الشعب"، في حين أن الشعب لا يوجد في شكل "إنسان أعلى " أو "ضمير تاريخي" كما كان يقول المفكرالعربي الكبير الاستاذ "ميشيل عفلق"، بل هو جسم متنوع متمايز المكونات والمصالح والأهداف، ولذا تعين تنظيم تعدديته واختلافيته في قوالب إجرائية تعكس لا محالة الموازين والصراعات الاجتماعية والدليل إن بعض الثورات تراجعت عن الكثيرمن أهدافها وشعاراتها عندما أستلمت الحكم وأبتلعت السلطة كوادر الثورة وحولتهم الى موظفين مقرهم مكاتب فاخرة وطرق وأساليب تعاملهم مع الناس تحرسها بيروقرطية مقيتة بعد أن كانوا ثوراً,كانت ميادينهم الشارع الجماهيري وكان حسهم النضالي مبني على التحسس المباشر مع الجماهيروتعاملهم مبني على الاتصال المباشربالجماهير ,وهكذا ضاعت الكثير من الثورات بفقدانها لهويتها وإستقرارها على النمطية في التغيرات وتحول قيادتها الى حكام بعد أن أستهوتهم مغريات السلطة وهذا الضياع يقود الثورة الى الاحتضار الثوري , فيبدأ بالمقابل تبلور جديد للفكر وبناء حاضنات ثورية جديدة من شرانق ثورية شبابية قد تنمو أو تتبلور داخل المحيط الداخلي للثورة أوتتكون في الوسط الجماهيري العام,وتبدأ الخلافات تطفو من ثم تتوسع الى إختلافات ولتصل الى حدود التصادم و من ثم للتتصدى من هم كانوا ثوار الامس وأصبحوا عوائق أمام المسيرة الجديدة وهو أمر طبيعي وحالة صحية تدل على العطاء المستمرللجماهير .إن الضمانة الاكيدة لبقاء الثورة الحقيقية هو الاصالة في فكر ثوري يمثل الجماهير الواسعة من الشعب أو الامة ويكون بمثابة الحارس الامين على مسيرة الثورة وأيظاً في جود حزب ثوري قادر أن يصلح في زاوية أي إنحراف تحدث في مسيرة الثورة ويعيدها لحقيقتها في القوة والتاثير .