في البدء لابد أن نتفق أن الثورية كمصطلح واسع ويستخدم في سياقات عديدة ويتضمن معانٍ كثيرة وهو يشير الى القوة في التغير والتي تتمثل في جذريتها ويتناول هذا التغيرالبنى الفوقية وكذلك الاساسات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية وايظاً الفكرية,والثورية ليست مفهوم سياسياً فقط بل قد يتناول حقول كثيرة في الحياة كالعلم والمعرفة والاجتماع والاقتصاد أيظاً.وثورية هذه التغيرات قد تحدث عن طريق العنف أو الانقلابات,وهي وسيلة غير مستحبة لاحداث التغيرات المطلوبة,اي أن راديكالية التغير لا تعني بالضرورة العنف أو القتال بل قد تكون وسيلة اللحظة الاخيرة في زمن إعداد الثورات,والثورات لها نسبية في التغيرات التي تحدثها في المجتمعات ,اي ولايمكن حصرها في إعادة التوازنات المفقودة بين علاقات الانتاج من ناحية وأدوات الانتاج من ناحية أُخرى وإنتقال السلطة من طبقة الى طبقة أُخرى وحسب المفهوم الماركسي,ولكن الثورة تتسع لاكبر من التغيرات المادية الى إعادة تنشئة المجتمع سياسياً وإقتصاديا وثقافياً وإيجاد إنسان حر ومنتج وصاحب سلوك إجتماعي كامل,اي بالمعنى العلمي والاشمل إن الثورة حدث يغير مسارات تاريخ الشعوب والامم نحو الافضل,وعلى مستوى الفرد هو تعبير عن رفض الانسان للظلم والقمع وكل أنواع الاستغلال وإن حالة الرفض هذه ستكون نتيجة إنقلاب الذات الانسانية على واقعها المزيف وعودتها الى حقيقتها المؤمنة بالله وبالانسان وهي أقرب ما أن تكون يقضة روحية,يقضة تعيد للنفس هويتها الرافضة لكل انواع الظلم والاستبداد بعد أن تصدئت هذه الهوية المتميزة للشعب أو الامة بفعل حالة الافتراق التي عاشتها الامة مع حقيقتها لاسباب ذاتية بالامةولاسباب موضوعية أحاطة بحياة هذه الامة,و قد عبر الفكر البعثي عن هذا بالانقلاب: (اننا نفهم من الانقلاب هذه اليقظة الحقيقية التي لم يعد مجال لانكارها والتشكك فيها ، يقظة الروح العربية في مرحلة فاصلة من مراحل التاريخ الانساني. الانقلاب في حقيقته هو هذه اليقظة، يقظة الروح التي تراكمت عليها اثقال الاوضاع الجامدة الفاسدة، وحالت زمنا طويلا دون ظهورها ودون انبثاقها واشعاعها. هذه الروح، تشعر اخيرا بالخطر الكبير، بالخطر الحاسم، فتنتفض انتفاضة حاسمة. وانتفاضتها هذه، وسيرها لن يكون الا في تيار معاكس للاوضاع التي عاقت ظهورها، والتي اثقلت عليها الاحمال، وشوهت طريقها، السير في طريق معاكس للاوضاع الراهنة)(1) وإذا حصرنا هذا المفهوم العظيم والسلوك الراقي والهدف النبيل للثورة بهذين المفهومين والسلوكين الضيقين(العنف والقتال) نكون قد أسئنا بل أجرمنا بحق الثورية وساهمنا في تحقيق إرادة الاستغلالين وقوى الظلم في تشويه هذا المفهوم والسلوك والهدف وتقزيمه ووضعه في زوايا الفوضى والعنف والارهاب الجديد,وايظاً نكون قد قتلنا الامل الذي تعيش من اجله الشعوب المقهورة والمستَغلة من قبل الاستعمار والامبريالية,وكذلك أن وضعنا الفعل الثوري محصوراً بالتغيرات المادية كاسباب ونتائج لها نكون إستئصلنا أهم ميزة ثورية لهذا الفعل وهوشموليته في التغير.فمثلاً قوى الاستغلال والظلم والقهر في عالمنا العربي على وجه الخصوص لا تنحصر بطبقات مُسْتَغِلَةً بل أيظاً بالاساس تتمثل في القوى الاستعمارية ومن ثم الامبريالية الصهيونية المرتبطة مصالحها بوجود الطبقات المُسْتَغِلَة,ولتدفع بتلاحم مصيري نضالي لا طبقي بل جماهيري يشمل كل فئات وطبقات المجتمع التي وقع عليها نوع من الظلم أو التعسف أو كلها ولتتكون قوى الثورة بالاساس من الطبقات الكادحة وشرائح المجتمع الثورية الاخرى والتي تؤمن أولاً بالثورة والتغير, وثانياُ ترفع شعارات الثورة وتقود العملية الثورية وبذلك يتبلور خندق الثورة ليحمل صفة الثورة الشاملة والتغير الاعم والذي ايظاً يمثل كل قوى الثورة.وعندذلك تبدأ الحاجة التي لا تقل أهمية عن تفجير الثورة وهي فرز القيادة الثورية التي تقود الثورة وتعمل على حماية مصالحها,وتبرز عندها الحاجة لتشكيل ألاحزاب الثورية,وهذه الاحزاب تتصدر العمل الثوري ولكن البعض منها قد يتساقط أثناء مسيرة الاعداد للثورة وبعضها يفقد أهميته من خلال تجزئة الحاجة الثورية للتغيروتبقى الاحزاب الثورية الاصيلة والتي تحافظ على ثوابتها الثورية في مسيرة الثورة الجماهيرية مستمرة وقائدة من خلال إختيار جماهيري وليس فرض نضالي. إن الاحزاب الثورية تكون إصيلة بقدر إمتلاكها للثوابت في مبأدئها وبقدر تمسكها بهذه الثوابت,وهي بالضرورة تختلف من حزب لاخر,فالثوابت الماركسية سواء التي وردت بنظرية المادية التأريخية أو المادية الجدلية لبناء الثورة الاشتراكية وصولاً للمجتمع الشيوعي هي الاساس التي بنيت عليها ثوابت الاحزاب الماركسية اللينينة و الماوية والمدارس الماركسية عموماً ولكنها قد تختلف في الطريقة التي تتعامل بها مع التجربة والواقع بظرفيه الزماني والمكاني وبالقدر الذي يتحدد بموجبه طبيعة ونوع أداة الثورة من حيث القوى العددية والنضالية لهذه الاداة ولكن هذا لايعني ابداً تشضياً للفكر أو تناقضاً في الثوابت التي بُنيت عليها الثورة الاشتراكية.والحال نفسه أيظاً مع الاحزاب و التيارات القومية,فأحزاب الحركة القومية الاشتراكية العربية مثلاً تلتقي بالثوابت القومية في البناء الاشتراكي ولكن قد تختلف من حيث المنطلقات التي تفسر التطور التاريخي للواقع العربي ,فالفكرالبعثي كانت ثوابته في البناء القومي الاشتراكي والديمقراطي مبنية على تنمية الانسان العربي تنمية روحية وليكون قادراً على بناء تنمية مادية ليستطيع الاضطلاع بدوره الانساني الصحيح وتتنقى لديه البصيرة الصحيحة لكي ينظر الى مهماته الاجتماعية والقومية والانسانية والتي بالنتيجة تعطيه معنئً حقيقياً لحياته وتتوثب لديه روح العمل والابداع والنضال في مسيرته في هذه الحياة,و عندها تتحق الثورة في حياة الامة.وهي ذات الثوابت التي التزمت من بعده ورفعتها الحركة الناصرية وايظاً الحركات القومية الاشتراكية الاخرى سواء القومية منها أو القطرية,وقد تفترق عند بعض المفسرين في الكيفية التي يجب التعامل مع التجارب وإناطة مسؤلية البناء الثوري لطبقة إجتماعية أو طبقات وأيظاً توضيح الوصف الثوري الصحيح للثورة .ومن خلال كل هذه اللبنات الاساسية يتم تحديد نوع المسار الثوري للتجربة و توصف بموجب ذلك الثورة, وهذه خلافات تفيد لتطوير الفكروإنضاج التجارب وتدفع بهما نحو الامام ولا خوف عليها بالقدر الذي يحفظ الثورات من الابتعاد أو مغادرة الثوابت الاساسية والتي بُنيَ عليه الفكر القومي الاشتراكي ويتجدد في تصوراته لنوع وشكل التجربة,ومن المفيد أيظاً ان نذكر أن أيديولوجية هذا التيار أي التيار القومي الاشتراكي تلتقي مع بعض الثوابت الماركسية وأيظاً في قضايا الحرية سواء الفردية منها أو الجماعية وأيظاً في قضايا تخص النظرة للانسان و دوره في بناء المجتمع القومي والانساني وكذلك في البناء الاشتراكي, وأخيراً في وجوب الثورة الشاملة للوصول بالمجتمع المرفه والكيفية الممكنة للنهضة الأقتصادية أي تحقيق التنمية الاشتراكية الشاملة.وأيظاً يلتقي هذا الفكر ببعض الثوابت الموجودة في الأفكار الليبرالية أيظاً وبالقدر الذي يتعلق بمفهوم الحرية وطريقة تحقيق حرية الانسان وإرتباطها بحرية المجتمع وايظاً بنوع وشكل الديمقراطيات التي تؤدي لتحقيق أدمية الانسان الحقيقية بالتناسب مع بيئته سواء ما يخص البيئة التكوينية الاجتماعية أو الظرفية الزمانية والمكانية,وايظاً هنالك مشتركات فيما يخص الترابط الجدلي بين الصراع الطبقي والنظال القومي,أي أن التحديات التي يواجهها الشعب العربي في قطر عربي مرتبط وبقوة وبنوع التحدي التي تواجهه الامة ككل ومن ثم بالعالم بشكل عام,وأحدث هذه الادلة الثورتين التونسية والمصرية فبالقدرالذي كان النظامين السياسين في تونس و مصر مسوفيين للقضايا العربية المصيرية بل في بعض الاحيان كانا يقفان في موضع التامر وكما هو موقف النظام المصري من العدوان على العراق في عام 1991 وغزو العراق في عام 2003,وأيظاً موقفه اللاقومي من القضية الفلسطينية وتماديه في تعاونه مع الامبريالية الصهيونية في محاصرة شعبنا الفلسطيني وقتل روح الثورة والانتفاضة عنده ,كان موقف النظام التونسي لا يقل خطورة عن النظام المصري السابق وإذ لم يكن تنفيذي فهو كان متفرجاً او مسانداً ,وبالتأكيد هذا امر أفرز طبقة منتفعة في داخل المجتمع القطري تبلورت بحكم الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لطبيعة النظام البيروقراطي وكانت أقوى سمة لهذه الطبقة المتبلورة هو مواقفها القومية الخيانية والذي إرتبط جدلياً في تفردها بالسلطة وتوسع نفوذها المالي وإنتعاش وضعها الاقتصادي على حساب الاكثرية من الشعب وهذا الامر وَلَدَ صراعاً طبقياً ولكن ليس بين طبقتين ولدتا بحكم العوامل الاقتصادية فقط بل بحكم المواقف الوطنيةوالقومية أيظاً, فكانت الثورتيين مثالاً واضحاً على هذه الجدلية التي نتحدث عنها,فظواهر الفقر والبطالة أنتجت جوعاً بين الاكثرية أمام ظاهرة الترف والارستقراطية بين الطبقة الحاكمة والمنتفعة والمرتبطة بوجودها ببقاء سياستها المهادنة للامبريالية الصهيونية والتي أنتجت ظاهرة التفرد بالسلطة بل التوارث في الحكم ايظاً وغياب الديمقراطية الحقيقية في المجتمع, ولان الجماهير ترفض المواقف الشاذة للانظمة العربية والتي تحكمها هذه الطبقات والتي تشكل هذه المواقف الشاذة عنصراً اسياسياً في بقائها في السلطة لتلقيها الدعم المشروط في البقاء بالسلطة, والامر الذي ادى إلى تفجر الصراع بين الاكثرية المنسحقة من الكادحين ومعهم المثقفين الثوريين والطلبة وبين طبقة تشكلت بحكم وجودها في السلطة ومن أطراف السلطة لينضج هذا الصراع ويتبلور إلى ثورة شعبية واسعة أطاحت بهذه الانظمة وستطيح بالانظمة الشبيهة لها في المنطقة العربية. (1) حديث للقائد المؤسس القي في مكتب البعث العربي في حمص في شباط 1950