كان يطلق على موسى كوسا المقرب من الزعيم الليبي معمر القذافي تسميات عديدة منها: «رجل المهام والملفات الصعبة». و«دينامو المخابرات». و«صاحب النفوذ الأعلى في القرار السياسي الليبي». و«رجل الخيمة الثاني». فر موسى كوسا وزير خارجية معمر القذافي من طرابلس الى بريطانيا يوم الأربعاء 30 آذار/مارس 2011 حيث أعلن من هناك لمسئولين بريطانيين عند وصوله إلى العاصمة البريطانية ( لندن ) قرار إستقالته من منصبه!.. ويبدو انه إختار بريطانيا لعدة أسباب أهمها انه كان سفيرا للقذافي في لندن عام 1979. موسى موس ( المناضل والثوري! ) ومسؤول العلاقات الليبية مع حركات التحرر الوطني !.. والمسؤول في أجهزة المخابرات الليبية عن أمن السفارات الليبية في شمال أوروبا قبل تعيينه سفيرا في لندن عام 79 والتي طرد منها ولم يكمل عام واحد في منصبه عندما أعرب عن ( إعجابه بمسلحي الجيش الجمهوري الإيرلندي ) و ( بعدما عبر عن تصميمه على تصفية «أعداء الثورة» على الأراضي البريطانية ) !.. وهو نائب وزير الخارجية الليبية بين العامين 1992 و1994 ومدير المخابرات الليبية عام 1994 ولمدة 15 عاما الى ان أصبح وزير خارجية ليبيا عام 2009 خلفاً لعبدالرحمن شلقم السفير الليبي لدى الأمم المتحدة الذي انشق هو أيضًا عن النظام الليبي!. كان كوسا هو الذي قاد عملية التفاوض والتخلي عن البرنامج النووي الليبي في العام 2003 الذي مهد الطريق أمام رفع الحظر التجاري الذي فرضته الولايات المتحدة على ليبيا منذ العام 1986.. هذا الحدث الذي أثار استغراب الكثير من المراقبين في ذلك الوقت كخطوة مفاجئة لم تكن متوقعة، وتخلي ليبيا عن السعي لامتلاك أسلحة دمار شامل مقابل انفتاح أميركي بريطاني يتبعه انفتاح مع أوروبا وباقي دول العالم، يُخرج النظام الليبي من عزلته التي طالت وأصبحت تشعر الرأي العام في ليبيا بالاختناق والبعد عن العالم الخارجي .. وهو المفاوض الأساسي في قضية الممرضات البلغاريات ( المتهمات بنقل مرض الإيدز لأطفال ليبيين ) التي أدت إلى الإفراج عنهن في يوليو/ تموز العام 2007.. وهو الذي عرف بدوره في تعويض عائلات ضحايا اعتداءي لوكربي ( في عام 1988 الذي أوقع 270 قتيل ) وعلى طائرة «دي سي-10 يوتا» ( في عام 1989 الذي أوقع 170 قتيل ) مزيلاً بذلك آخر العراقيل أمام تطبيع علاقات طرابلس مع الغرب. كوسا يخضع اليوم في لندن لإستجواب مكثف من قبل السلطات البريطانية ومنها إعلان الإدعاء العام في اسكتلندا أنه طلب إجراء مقابلة مع كوسا بشأن تفجير طائرة بان امريكان فوق قرية لوكربي الاسكتلندية عام 1988 حيث تطالب عائلات 270 شخصا قتلوا في حادث انفجار الطائرة فوق اسكوتلندا بضرورة التحقيق مع كوسا في القضية وألا يمنح أي حصانة على الرغم من الهدية القيمة التي قدمها كوسا للتحالف الغربي بهروبه من القذافي !.. موسى موسا الذي قال لصحيفة التايمز البريطانية عام 1980 : ( يجب قتل المنشقين الليبيين على الأرض البريطانية! ) .. و قوله: ( اللجان الثورية قررت قتل شخصين آخرين في المملكة المتحدة. أنا أقر هذ ) !.. هو نفس الشخص الذي تستضيفه ال MI 6 اليوم بعد أن طردته من المملكة المتحدة عام 1980!.. علما إن صحيفة صندي إكسبريس ذكرت الأحد 3 نيسان 2011 أن موسى كوسا، وزير الخارجية الليبي السابق والرئيس السابق للمخابرات الليبية الذي فرّ إلى بريطانيا كان عميلاً مزدوجاً لجهاز الأمن الخارجي البريطاني "إم آي 6!... وقد ذكرت صحيفة "ميل أون صندي" أن السلطات البريطانية عرضت على كوسا منحه اللجوء في المملكة المتحدة مقابل مساعدته في جهود الاطاحة بالعقيد معمر القذافي ونظامه، وقدمت له هذا العرض السري أثناء وجوده في ليبيا!... السؤال المهم .. بعد 32 عاما من خدمة ( الثورة! ) ..هل يمكن أن يتحول رجل المخابرات والثائر والوطني والسفير والوزير الى خائن وعميل ؟.. ام إنه تحول من تابع الى ثائر وحر ووطني ؟!.. هل هي صحوة الضمير التي بدأت تطيح برؤوس القيادة حول القذافي ليتحولوا من مسؤولين عن ( القمع والقتل والتفرد! ) الى ثوريين يقفون في صف الشعب؟.. ولماذا نحن شعوب العرب تطربنا الى حين أغنية ( ديمقراطية التحالف الغربي ) وهي ( تنشد بقيادة الولايات المتحدة ) نغمات على إيقاع ضربات صواريخ الكروز وطائرات الشبح لتزيح لن ( الديكتاتورية! ) وتعطين ( بلا مقابل ..ديمقراطية يحسدنا عليها الغير! ) ؟.. ثم نستيقظ ونحن وسط كابوس لا بارقة أمل بالفرار منه!.. هل صحيح إن القوة العدوانية المفرطة قادرة على تدمير كل شيء؟..بما فيها المباديء والقيم ومعاني الفروسية والرجولة ؟.. أم أن هنالك فرق جوهري بين الإنهيار الناجم عن قوة مفرطة يقف ورائها تكالب وتكاتف قوى عالمية يديرها الأعداء والمتآمرين وبين إنهيار وهزيمة بلا قتال؟.. وإذا كان من علامة تعجب وحيرة !.. فإن المنطق يحتم علينا ان نفكر قليلا.. لماذا يقاتل ويدافع ويصمد جميع من كان يقف مع ( ديكتاتور ! ) حتى بعد ( سقوطه! ) وتكالب السكاكين عليه ؟.. لماذا يرفضون حتى نقده او الإيحاء بمسؤوليته؟.. ولماذا يضحي أبناءه بأنفسهم بالوقوف في صف أبيهم ؟!.. في حين يتسابق في مكان آخر نفس المصفقين والمهللين والمحيطين ( بدكتاتورهم هناك! ) الى التخلي عنه وقت حاجته لهم ويتدافع حتى أولاده للقفز من سفينته التي طالما كانوا يتباهون أنهم من ربابنتها ؟.. هل هو المنبت أم التربية أم وحدة المصير..أم هو المنهج؟.. هل هو الضمير أم الخيانة ؟.. الصحوة أم الغوص في الهاوية ؟.. هل السبب في الإيمان بسلطة الشعب أم الإصرار على التمسك بالسلطة؟.. أم هي معادن الرجال المختلفة ؟.. وشتان بين معادن أولائك الرجال.. ومعادن هؤلاء.. وأي شيء أضمن من أن يودع الشعب أمانته بيد أمثال تلك المعادن من الرجال؟..