لا نحتاج للتصعيد بقدر ما نحن بحاجة للفهم والمراجعة واستيعاب ما حدث وتحديد الأولويات التي تنقذنا من الدخول بدوامة التهم المتبادلة والتي لن توصلنا إلا إلى عنف لا نعرف حجمه أو نهايته. وقبل أي شيء وجب الان تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وبإشراف قضائي لبيان حقائق الأمور وفهمها قبل التورط بالتهم وبعيدا عن الروايات المتناقلة بين الحكومية و المعتصمين. قبل أن تشهر لجنة الحوار الوطني بأشهر عديدة دعونا لحوار شامل على مستوى الوطن كله ومنذ أن بدا العنف المجتمعي الذي حذرنا انه تراكم سياسات خاطئة مكنت الفاسدين والمستبدين من تشكيل حلف يحكم ويدير الأمور على طريقته الخاصة وقلنا أن عدد الشباب يتزايد والقهر والفقر والبطالة تدفعهم للصدام بأي شيء ولأجل أي شيء ، وكعادة الحكومات المتلاحقة لم تسمع بل تمسكت بنهجها الخاطئ وغضت النظر عن بعض المنتفعين طالبي السلطة الذين تغلغلوا بين الشباب وأقنعوهم بأطروحات سياسية الهدف منها فقط الوصول لسدة الحكم لفئة قليلة لا تهتم لمصلحة الوطن بقدر ما تهتم لمصالحها وكأننا نستبدل حكم الفساد والاستبداد بشكل أخر يحمل نفس المعنى . وليست المحاكمة لمن صرخ بوجه القهر وهو حقه وليست أيضا لمن يريد التعبير عن ولائه وهو حقه المحاكمة لعملاء السفارات أفراداً و هيئات عملاء المشاريع الاستعمارية والتوسع على حساب الأردن الشعبي العربي، المحاكمة لفئة ضالة تشكل مراكز قوى ضاغطة من اجل زيادة أرصدتها في بنوك الخارج. الكرامة الوطنية تنبع من السيادة والاستقلال، والحرية بدون أمن هي انفلات وبدون عدل فوضى والعدل بدون حرية استبداد. أن فهم معادلة الأردن هي أساس فهم منظومة الإصلاح والتقدم ، فالأردن بمكوناته الشعبية متعددة الأصول أعطته دافعاً للبناء الذاتي ومكنته من بناء نموذج متحضر متقدم متمسك بعروبته كخيار استراتيجي كونها قاعدة الفهم والتعامل. فالمواطنة تعني كل عربي يقيم فوق الأرض الأردنية ويحمل الجنسية عليه واجبات وله حقوق ، والسيادة الوطنية لها ثوابت وأشكال فالكيان الصهيوني هو كيان طارئ وجوده يهدد السيادة الوطنية وأي اتفاقية تعقد معه معناها التخلي عن ثوابت السيادة الوطنية ، ففلسطين قضية مركزية لا تنازل عنها وحق العودة حسب الشريعة القومية الثورية هو ثابت لا تنازل عنه. أن الحكم الملكي بما يشكله موقعة احد أشكال الاستقلال والسيادة الوطنية والمس به مس بهيبة الدولة ، فما يطرح اليوم من ملكية دستورية ذات الفهم الخاطئ هي تمهيد للوطن البديل وللسيطرة الخارجية لمشاريع استعمارية تهدف لضرب إمكانيات الأردن الشعبية . فالحوار الوطني الشامل له ثوابته التي وجب الاتفاق عليها فمسيرات الولاء لا مبرر لها ، لأنها تزج بالموقع الملكي في صراع بين أفكار واجتهادات وهذا ما لا يجوز فالملك ليس لفئة بل للوطن كله. لسنا بصدد الحديث عن ما حدث في الوطن العربي من شهور، لكننا نذكر أن هناك مشروعين استعماريين مشروع أمريكي امبريالي صهيوني له أدواته وبرامجه وعملائه ومشروع صفوي فارسي توسعي له أدواته وهيئاته وبرنامجه ، والمشروع القومي العربي الناهض الوحيد القادر على التصدي للمشروعين معطل وبلا أداة رافعة باستثناء المقاومة العرقية المغيبة عن قصد إعلاميا وسياسياً واجتماعياً. وأمام خطر المشروعين وجب التأني وقراءة الواقع بأبجدية الفهم لا العاطفة، فالأردن لا يحتمل بهذا الوقت الذي تفرق فيه الجمع حراك أدواة المشروعين.وبالواقع والوقائع ومن ستة أشهر مضت وبحراك شامل للمعارضة الأردنية التي افتخر أن أكون جزء منها لم تستطيع أن تزيد عدد حراكها عن عشرين أو ثلاثين ألف متفائلا في عموم المدن الأردنية ً ، ستة أشهر لم تستطيع التعبئة الشعبية لتحقيق مطالبها مع سقف الحرية الذي ارتفع حتى وصل أعلى درجاته وتفوق على دول تأخذ مثالاً بالحرية . فعلى المعارضة أن تعيد تنظيم صفوفها وتكتشف الخلل برؤيا متأنية وبدون تصعيد غير مبرر ، وان تطرح الأفكار والمشاريع دون المس بهيبة الدولة وان يكون حوار وطني شامل وبالضرورة دون وجود من افتعلوا الأزمة الأخيرة والتي كادت أن تؤدي إلى البلبلة والخراب لولا الوعي الشعبي. وان استخدام الشباب متراس لبعض الفئات والتي ترتبط بمشاريع مشبوه وجب إسقاطهم وتعريتهم وكشفهم ، فالأردن لا يأخذ بالصراخ والانفعال بل بالحوار والحوار الجاد الذي يهدف للمصلحة الوطنية العليا. Etehad_jo@yahoo.com 0795528147