حين تحدث الدكتور عبد الله الأشعل على إحدى القنوات الفضائية بعد قرار جامعة الدول العربية ، بتغطية قرار مجلس الأمن فيما يتعلق بالعمل على إنشاء منطقة حظر جوي فوق بعض مناطق ليبيا تحت شعار حماية المدنيين ، لم أتصور قط .. أن هذا القرار لايعني فيما يعني تطبيقه .. أنه لن يصيب المدنيين الليبيين أيضا .. ذلك أن مناطق الحظر الجوي تشترط لكي تكون فاعلة استهداف أهداف عسكرية بالقصف ، ليست بالضرورة معزولة عن مناطق يتواجد فيها مدنيون .. ولكن وقبل الدخول إلى هذه المسألة ، لابد من العودة إلى ماقاله د. عبد الله الأشعل - وهو رجل فوق مستوى الشك من حيث معرفته بالقانون الدولي .. أو من حيث معرفته بميثاق الجامعة العربية أو فيما يتعلق بموقفه من اتفاقية كامب ديفيد ، ومن التطبيع وبكل مايتعلق بهذه المسائل . قال الدكتور عبد الله الأشعل .. إن قرار الجامعة العربية لايستند إلى أي نص من نصوص ميثاق الجامعة العربية ، وبالتالي فهو غير مشروع ... ولايمتلك اي سند قانوني .. يسوغ إصداره على النحو الذي صدر فيه . والحقيقة التي يجب أن نقف عندها هي أنه حدث نوع من الاستخفاف بالعقل العربي خاصة واننا نعرف أن بعض المندوبين من العرب لهم علاقة بمعرفة الاستراتيجيات العسكرية .. التي لا تأخذ في اعتبارها سلامة المدنيين على الإطلاق وتعتبر قتل المدنيين في هذه الحالة .. نوعا من الأعراض الجانبية التي لامفر منها في عمليات كهذه .. وهنا لابد من أن نتبين الغرض الحقيقي من وراء قرار مجلس الأمن ، نعني به حماية مصالح الدول التي صوتت لصالح صدوره .. فالموضوع برمته كما يعرف أي مواطن عربي لاعلاقة له لابحماية المدنيين ولابحماية التطلع نحو الديمقراطية ولكنه معني اساسا وأولا وأخيرا بحماية المصالح الغربية في ليبيا ، وهنا لابد من الإشارة إلى أننا يجب أن لانتحدث عن هذه المصالح باللغة الاقتصادية فقط وإنما يجب أن ننتبه إلى أن السلوك الاستعماري يهدف إلى ماهو ابعد من ذلك بكثير .. وبما يتجاوز ليبيا إلى أقطار عربية أخرى .. واللافت في كل مايجري ..هو أننا نتذكر الآن موضوعة هامة .. تشكل واحدا من برامج أجهزة الاستخبارات الغربية ، نعني بها موضوعة "علم الثورة المضادة" التي تشكل أيضا منهجا لهذه الأجهزة في اسلوب النظر إلى العمل الثوري .. بحيث تدرس احتمالاته ، وتعمل على تطويقه .. ويمكننا أن نحيل القارىء إلى كتاب صدر في السبعينات أو الثمانينات مترجما عن مؤسسة جريدة البعث السورية آنذاك ... كما أننا يجب أن نتذكر الآن .. كتاب العميل السري للمخابرات المركزية الأمريكية / مايلزكوبلاند/ والذي صدر تحت عنوان / لعبة الأمم / والذي عرف أحد برامج /السي آي إيه/ من خلال مقولة - لم تعد سرا الآن بعد صدور الكتاب هذه المقولة تؤكد على الجملة التالية : / إذا رأيت مظاهرة .. لاتتصدى لها ولكن اركبها وقدها حيث شئت / انتهى الاقتباس .. ماذا يمكن أن نفهم من كل هذا .. - كلام عبد الله الأشعل - قرارا جامعة الدول العربية - واسلوب عمل المخابرات المركزية . إن الأمر لايحتاج إلى كثيرمن الجهد ، لكي نفهم مايجري على الأرض الليبية . أولا : لقد انتزع الغربيون قرارا يشرعن لهم العمل لتطبيق برامجهم في ضوء قرار من الجامعة العربية لايمتلك أي إمكانية للترافع عنه بعد الآن .. ولا في أي وقت قادم .. ثانيا : إن قرار الجامعة العربية لم يأت نتاج سوء تقدير للموقف . ولكنه جاء كمحصلة للعجز العربي أولا ، كما أنه لم يأت بدون إيعاز من الدول الغربية التي احتاجت إلى غطاء يشرعن لها عربيا ماهي مقدمة عليه من حيث التطبيق ومن حيث الأهداف التي هي بالتأكيد أبعد من النفط والغاز .. وابعد من حدود ليبيا من حيث هي جغرافياً .. كما سبق القول . ثالثا : إلى أين سيقود ليبيا كل هذا .. إن جامعة الدول العربية لاتستطيع الآن - بالتأكيد - أن تستدرك وقوعها في الفخ الإمبرايالي .. أو أن تتباكى على المدنيين الذي يسقطون الآن ضحية القصف الإمريكي ، والفرنسي والبريطاني مهما كانت النوايا .. أو التصريحات المـتاخرة التي تحاول أن تغسل اليدين من الذنب والدم .. أما إلى أين سيقود ليبيا كل هذا الذي يجري .. فلاأحد يمكنه أن يتنبأ به .. ولكن العارفين ببرنامجهم هم فقط من يعرفون .. لأنهم يقرأون ويطبقون من مخططاتهم وليس من كتاب الغيب .. وفيما نحن نشخص بعيوننا إلى مايجري في ليبيا عبر الشاشات الفضائية . . يأتينا الخبر الآخر الخطير .. هذا الخبر هو أن موقع "الفيس بوك" قد أغلق صفحة فلسطينية تدعو لانتفاضة فلسطينية ثالثة على الاحتلال ... واستمراره .. وتؤكد على تحرير فلسطين / كما ألغى اشتراك المشتركين على هذه الصفحة بعد أن استقطبت مايزيد على مائتين وثمانين ألف مشترك . وكان العدد يمكن أن يزيد لولا هذا الإغلاق . لماذا يحدث ذلك ؟ سؤال كبير لابد أن تجيب عليه الأحداث القادمة على أرض فلسطين وغير فلسطين .. إن المخاطر التي تحيط بالوطن العربي تتلخص الآن في حدثين بارزين .. الأول / احتلال العراق بعد سنوات من إقامة مناطق حظر جوي .. والثاني هو مايحدث على الأرض الليبية في هذه الهجمة التي تجري تحت يافطات المجتمع الدولي لحماية المدنيين من جانب وتحت غطاء عربي يشرعن لها ذلك من جانب آخر ... والسؤال الآن لجامعة الدول العربية : هل ثمة مدنيون على أرض فلسطين أم أن من يقتلهم العدو الصهيوني هم قطعان من وحوش البراري ؟! وهنا على من لم يسمع جرس الإنذار يدق .. ومن لم يقرأ حقيقة المخاطر .. أن يفتح عينيه وعقله لكي يستشرف القادم ... والقادم أخطر