هذه هي المرة الأولي التي نكتب فيها عن ثورة 25 يناير بعد أن تم تنحية الرئيس المخلوع حسني مبارك وإن كنا قد عبرنا عن مشاعرنا بنجاح الثورة في حينها ولكن تمهلنا قليلا عن إبداء أي رأي وأكتفينا بالتأمل فيما يجري حولنا وذلك حتي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الثورة وحتي نستطيع أن نقيم الأمور بموضوعية وبدون الوقوع في مؤثرات نشوة الفرح بنجاح هذه الثورة الشعبية المصرية بكل المقاييس ولكن وبعد مرور كل هذا الوقت علي قيام الثورة وسقوط الرئيس السابق ونظامه وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مهام الدولة مع كل ما صاحب الأمور من تداعيات سياسية ومطالب ثورية وثورات مضادة من شأنها القضاء علي الثورة وإجهاضها مع قدر علمنا بان هذه المسئولية كم هي ثقيلة علي الجيش ولكن الجيش المصري ومنذ بدء شرارة هذه الثورة وبالتحديد مساء يوم الجمعة الموافق 28 يناير أثبت انه منحاز إلي الشعب في ثورته وأعلن وبكل وضوح بأنه لن يوجه رصاصاته ضد المتظاهرين وهذا شئ رائع وكان محل تقدير منا ، إلي أن قام الشعب بإنجاز مهمتة وثورته وخلع نظاماً وكابوساً ظل جاثماً علي صدور المصريين قرابة الثلاثون عاما عاشها الشعب المصري في قهر وصمت وظلم وإستبداد وحاشية من اللصوص معتادي الإجرام ومصاصي الدماء لم يتركوا شيئاً علي أرض مصر إلا وقاموا باستنزافه كما لو كانت هذه البلاد هي تراثاً او عقاراً تركها لهم الآباء والأجداد ، قد قلنا ومنذ اليوم الأول بان القوات المسلحة كان لها الفضل في أكتمال و نجاح الثورة ، وما كان للثورة أن تنجح لولا وقوف الجيش مع الشعب الذي بادر وقاد هذه الثورة ، وعلينا أن نقاتل من أجل إستكمال تحقيق أهداف هذه الثورة حتي النهاية وعلي الجيش أن يتفهم طبيعة ما يجري ويتعامل مع الأحداث بشئ من السرعة وعدم التباطئ ، ولا نريد بان يفهم كلامنا علي أنه تعجل ولكن هناك أمور تحتاج إلي أتخاذ قرارات سريعة وحاسمة والتهاون فيها من شأنه أن يعود بنا إلي الوراء في إنتكاسات ثورية مضادة فالثورات لا تقوم كل يوم او كل أسبوع وهذا هو مصدر قلقنا وخوفنا علي الثورة وذلك للاسباب التالية :- * أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أراد إظهار حسن نواياه للشعب وأنه لا يرغب في الأنفراد بالسلطة علي غرار ما جري في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 وزحف العسكريين نحو السلطة ولذلك لم يتعامل الجيش مع الوضع الثوري الشعبي بمنطق الثورة وإنما بمنطق الحركة ولهذا لم يتحرك الجيش بعد سقوط الرئيس بأجراء أي تغيرات في الأمور الجوهرية وكل ما يجري من هذا المجلس هو ترقيع للنظام وأن نقل صلاحيات الرئيس المخلوع إلي المجلس ما هو إلا إستمرار للنظام وهذا ما يفسر إصرار المجلس علي إجراء تعديلات وترقيعات دستورية كان قد طرحها الرئيس السابق وذلك حينما أراد إجهاض الثورة في بداياتها علي الرغم من أن شريحة كبيرة من النخب القانونية والدستورية والشعبية تعارض ذلك ولكن قطار الترقيعات الدستورية يجري في طريقه الي الأستفتاء العام في وقت ضيق وخطير للغاية فالدستور المصري في حقيقة الأمر سقطت شرعيتة رسميا بحكم الأمر الواقع يوم إندلاع الثورة بل وأن شرعية المجلس العسكري نفسه نابع من الشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية ولكن ما يجري من ترقيعات لهذا الدستور سوف يؤدي بنا في النهاية إلي نفس النظام الفاسد في صورته الجديدة لأننا نحتاج إلي خلق نظام دستوري وليس الإبقاء علي نظام به كثير من العوار والتعارض بين مواده . * ما كان للشعب المصري الثائر أن يقوم بثورة دفع الشباب المصري ثمنها دماءاً لو كان يعلم بان المجلس العسكري جاء في النهاية للقيام بعملية تجميلية او حركة تطهيرية تحافظ علي النظام السابق بصورتة الجديدة . * أن تمرير هذه التعديلات والترقيعات الدستورية والتي يريد المجلس العسكري الأنتهاء منها علي وجه السرعة سوف يخلق من الثورة ثورة كسيحة ليست بالثورة وليست بالحركة ولكن ثورة جنس ثالث وهذا من مصلحة الطابور الخامس للنظام السابق والهدف من ذلك الوصول برئيس للبلاد يُرضي أمريكا وإسرائيل يتفق او يختلف حوله الشعب المصري فهذا هو الهامش الديموقراطي الذي يمنحه المجلس العسكري لهذا الشعب . * أمور كثيرة عليها علامات إستفهام كبيرة للمجلس العسكري يجب عليه أن يقوم بتوضيحها إذا صدقت النوايا وليس صحيحا ما يقال عن الأستقرار أولا ثم الإصلاح يأتي بعد ذلك فلا إصلاح في ظل عمليات ترقيع او تجميل الهدف منها الحفاظ علي شرف النظام السابق . * أن المجلس العسكري مازال حتي هذه اللحظة لايتعامل مع ما جري باعتباره ثورة وإنما علي أساس حركة تطهير شملت بعض رموز الفساد والتضحية بهم وممن أحترقت أوراقهم وعليه إثبات حسن نواياه و القبض علي روؤس النظام الفساد وتقديمهم إلي محاكمات عاجلة . نحن ما زلنا نقدر ونحترم قواتنا المسلحة ولكن عليها أن تحترم أيضا متطلبات المرحلة الثورية ورغبة الشعوب في الحرية والديموقراطية الحقيقية والتي لن تبُني كل يوم هذه هي فرصتنا وفرصتهم لدخولهم التاريخ فالمجلس الثوري هو بمثابة الأمين علي هذه الثورة والمنوط به تنفيذ مطالبها ويستمد هذه المشروعية من الشعب وهو صاحب هذه الثورة ، فما نشاهده اليوم من هذا المجلس هو قيامه باستبدال شخص واحد هو مبارك بثماني عشرة مبارك هم مجموع أعضاء المجلس العسكري مع تمسكهم ببقاء الحال علي ما هو عليه اللهم إتخاذه بعض الإجراءات والبطيئة أيضا من باب زر الرماد في العيون . * المجلس العسكري يبدو أنه يعتقد بان الشعب الثائر ليس من بديل سواه ونحن نترقب ما يرشح من قرارات لهذا المجلس مع تقديمنا عبارات الشكر والتقدير ورفع شعارات الشعب والجيش يد واحده وسوف نكتفي بذلك ولكن هذا ليس صحيحاً فالشعوب قد أنتفضت ولن ترضي عن جني ثمار الثورة كاملة . * علي المجلس العسكري أن يتبني مطالب الشعب ومطالب الثورة ويعلم بان الثورة في بقائها وأستمرارها حتي لا يعطي الفرصة لمن يحاولون سرقة الثورة الإنقضاض عليها . * علي المجلس العسكري أن يدفع عنه شبهة ما يقال بان النظام السابق والفاسد بما أفرزه في خلال ثلاثين عاما من قوي أستشرت في المجتمع المصري وبما لديها من قوة أقتصادية وأجتماعية ومالية لا يستهان بها هذه القوي لديها أيضا علاقات تاريخية مع الجيش ممثلاً في قادته وصلت إلي إختلاط لغة المصالح السياسية والمالية معه علي مدار الثلاثين عاما مع عدم الإعتراض أو الإنقلاب علي هذا النظام الفاسد والمُفسد 0وأخيرا علي المجلس الأعلى للقوات المسلحة ممثلا في المشير طنطاوي إن كانوا فعلا جادين في حماية الثورة والحفاظ علي مكاسبها أن يتخلى عن رئاسة المجلس الأعلي للقوات المسلحة ويتسلم هو او من يختاره إذا أراد ذلك رئاسة البلاد يعاونه أثنين من المدنين المشهود لهم ولا يحق لهم الترشح للرئاسة يتولوا خلالها البلاد لمدة عام مع عودة قادة أفرع القوات المسلحة إلي ثكناتهم وقيامهم بالدور الوطني في حماية الأمن القومي للبلاد ، وخلال هذه المدة يتم التأسيس لدستور جديد وأنتخابات تشرعية ورئاسية جديده تعقد علي أساس مواد الدستور الجديد وبما يتيح للقواعد الشعبية الجديدة بناء تشكيلاتهم السياسية والمشاركة في بناء نظام سياسي ديموقراطي جديد وهذا هو ما يُطمئن الشعب الثائر وغير ذلك هو من باب إجهاض للثورة .