شبكة ذي قار
عاجل










يُحكى ؛ أنّ ... مَلِكاً , اشتهر بالعدل بين رعيّته وبقدرته على تحقيق الأمن والأمان في بلاده وعلى تحقيق الرخاء فيها ؛ مرّ ببستان , في نزهة اعتاد عليها بين آونةٍ وأخرى , وبينما هو يتفيّأ تحت ضل هذه الشجرة وتلك من أشجار البستان المثمرة ويقفز من فوق هذه الساقية وتلك , سمع حديثاً يجري , عرف فيما بعد أنّهم كانوا "ثلاثة" من الفلاّحين العاملون في ذلك البستان حزر عددهم من خلال "الثلاث أماني" التي طرحها أحدهم على الآخر من مفصّل حديثهم الذي سمعه الملك دون أن يعلموا هم بذلك ! , تجاوز الملك ذلك الحديث , واستمرّ بالنزهة , غادر البستان بعدها متّجهاً إلى قصره ... ومرّت الأيّام والأسابيع والشهور , وفي يوم من الأيّام , وبينما الملك مستلق على ظهره على فراشه يتأمّل ويستعرض ما في ذاكرته يقلّبها عن الكيفيّة التي أدار الحكم فيها في مملكته في الأيّام التي مضين أو في التي قبلها , أن يكون مقصّراً أو ظالماً أو ما إلى ذلك من حسابات وظنون دائماً ما يلقيها ملك عادل على نفسه يبغي من ورائها إسعاد شعبه , لأنّ مثله يعرف أنّ بقاءه ملكاً على البلاد والعباد يأتي من مثل تلك المحاسبات والمراجعات التي لابدّ منهما لالتقاط ما سقط منهما لتقويمه , وإذا به , وهو في حاله ذاك , يقفز في ذاكرته فجأة ويتذكّر , الأماني الثلاث لأولئك الفلاّحين الذين سمع حديثهم في يومٍ من الأيّام... فنهض من مكانه على الفور وسار على قدميه مسرعاً يسبقه مسرعاً ومتلفتاً إليه في كل خطوة يخطوها , خادمه الخاص , ودخل صالة العرش وجلس على كرسّي ملكه فنادى بقيّة خدمه ونادى على حاشيته ونادى على وزيره , لإحضار أولئك الفلاّحين الثلاثة , وأمر أن يدخلوهم عليه كلُّ على حدة وواحداً بعد الآخر , فأدخلوا عليه أوّلهم , فحضر بين يديه , فقال له الملك "خذ ما تريد من أموال" من التي سمعتك تمنّيت أن تحوز علي كمّيّتها بشرط أن تصرفها كما وعدت ! , فانصرف , فأحضروا بين يديه الثاني , فقال له "سأزوّجك بنت الملك بعد أن يستطيع صاحبك تولّي المُلك كما وعدك هو بأمنيته التي تمنّاها !" فانصرف .. فأحضروا له ثالثهم بين يديه , فقال له الملك , قد حقّقت لك أمنيتك , فأنت ملك لهذه البلاد منذ فجر يوم غد , ولكن ليومٍ واحد فقط! , فإن استطعت فيه تصريف أمور البلاد ومصالح العباد فستستمرّ حاكماً للبلاد ما حييت , ولكن أيضاً وفق شرط سأخبرك إيّاه فجر يوم غد , فانصرف .. فلمّا كان الفجر , وحضر الجميع , أمر الملك الفلاّح "المحظوظ" بالجلوس على كرسيّ العرش , فجلس وهو يرتعد خوفاً وطمعاً , فطرح عليه الملك الشرط قائلاً له ؛ أنت ملك لهذه البلاد لهذا اليوم ومن هذه الساعة , ولكنّ أمامك عقبة , هي إنّك إن نهضت من مكانك فإنّ هنالك فوق رأسك سيفٌ مسلّط عليك تماماً حاد وبتّار يتحرّك آليّاً بحبل مرتبط بالكرسي الذي تجلس عليه يتحرك السيف بحركته فإذا ما تحرّكت أنت من مكانك بأيّة حركة فسيقطع رأسك من على رقبتك على الفور ويدحرجه أرضاً , وهذا هو الشرط , فتصرّف على ضوئه .. ! .. بقي فلاّحنا المسكين شاخصاً ببصره إلى أعلى باتّجاه السيف وباتّجاه حدّة نصله اللاّمع يرتعد خوفاً ويرتجف لا يعرف كيف يتصرّف "وذلك أمر طبيعي حتّمتها وفرضتها عليه طبيعة مهنته التي تربّى عليها وتربّت عليها حواسّه وميكانزميّته الخاصّة" بينما تأتمر الآن بأوامره البلاد ويأتمر بها العباد ! , جالساً على كرسيّ العرش والخدم والحاشية والوزراء والقادة من حوله وهم جاهزون تحت إشارة من إصبعه يشير بها عليهم بينما هو يتحسّر ويرتعب وترتجف قدماه ويرتجف بدنه ونظره متّجهاً إلى الأعلى صوب السيف مخافة أن يسقط على رقبته من دون أن يتحرّك! ومخافة أن يتورّط بالنهوض من مقعده ولو قليلاً تحت إغراء ممارسة الحكم وممارسة السلطة فيكون فيها مصرعه! ... ومضى عليه الوقت طويلاً طويلاً بدل أن يمرّ سريعاً سريعاً تحت نشوة السلطان كما يُفترض , والعرق يتصبّب من جبينه وينشح من بين مسامات جلده المتدثّر بلباس المُلك الوثيرة والتي بدت عليه واسعة جدّاً وبدا هو غارقاً وسطها لا يستطيع تحريك يديه لبعدها الطويل عن أكمام بدلة المُلك الفارهة ! , ثمّ حلّ على الجميع الليل وهو على ذاك الحال , واقتربت لحظات انتهاء الوقت المخصّص لتوديع مملكته ! , وانتهى الوقت .. فأنهضوه من على كرسيّ الحكم "بدون تظاهرة" وبمنتهى السلميّة ! .. فدخل قاعة الحكم ملك البلاد فارتمى الفلاّح المسكين بين يديه متوسّلاً معتذراً عن تلك الأمنية وأقسم أن لا يكرّرها ثانيةً ولا أن يدعها تمرّ بباله ولو للحظة ! , فقال له الملك : عفوت عنك , ولكن يا هذا , اعلم أنّ متطلّبات حكم البلاد ليست لمثلك , ولا يمكنها أن تكون على مقاسك , لأنّ حكم البلدان يتطلّب ميزات فطنة وحنكة وشجاعة وقرارات صائبة وحاشية مختارة بعناية متعلّمة وواعيّة ومن أوساط الضمير النقي , وأهم قرار وجب على الحاكم أن يتّخذه هو النأي بنفسه عن أيّ سيف قد يكون مسلّط على رقبته , وذلك يتطلّب الهدوء والصبر على الألم كما يصبر المرء على إخراج نصل سهم أو رمح غرس في لحمه , وأنت كان الأولى بك أن تتحلّى بالهدوء وبالشجاعة وبالصبر فتأمر من حولك من أوّل لحظة لحكمك برفع السيف المسلّط على رقبتك بدل أن يكون جلّ همّك كيف تتصرّف في شؤون الدولة وأنت خائف مرتعد منذ البداية فتكون قراراتك بعدها مرتعدة وطائشة وغير صائبة ومرتعشة مثلك توصلك إلى مصير مجهول مليء بالدماء تكون أنت ضحيّته قبل أن يكون غيرك ... "من حكاية شعبيّة سمعتها عن جدّتي رحمها الله وأنا صغير" ...  عندما جلس السيّد نوري جواد على كرسي الحكم وجده كبيراً جدّاً على مقاسه , أو بالأحرى لا بدّ وأن تكون مشاعره كذلك , منطقيّاً إكلينيكيّاً لمن مثله ولمن مثل طبائعه التي تربّى عليها , فهي إذن بكلّ تأكيد وأنا على يقين من ذلك قد كانت مشاعره الحقيقيّة في لحظاتها الأولى من قرار رئاسته , لحظات النشوة , ولحظات التيه معاً , قبل أن تبدأ في داخله صراعات دوّامة الأين والكيف , والتي كتمها وأبقاها سرّاً في نفسه ولم يصرّح بها لأقرب المقرّبين إليه ولا حتّى للفريق القائد العام للقوّات المسلّحة للقاطع "التركي" الشمالي المهيب الركن رئيس أركان حرب , كمال الساعدي , نائب الأمين العام لحزب الدعوة العربي الاشتراكي , وأقرّ في داخل نفسه أنّه لن يستطيع النجاح في تحقيق ما وعد به إطلاقاً , وذلك قرار لم يكن متأتّي من تدبّر منه , ولكن من شعور مضاف انتقل للاّشعور لديه , فهو إذن إفراز ولم يكن قرار ! , لأنّ مقاسات "البدلة" التي ارتداها ولهث ورائها دولته واسعة جدّاً عليه , لا كما صوّرها له خياله الراديكالي المتصلّب , بحيث تطيش بين طيّات مثل هكذا بدلة أو هكذا "وثار" أيّة حركة تصدر من يديه يريد أن يوجّهها , دون أن تتّجه وجهتها المراد أن تصل إليها , لأنّ حركته ستكون عندها حركة متعثّرة , إذ كيف ؟! لقد بنى المسكين هيكل حياته "السياسيّة" سنوات نضاليّة ديمقراطيّة طويلة للوصول إلى هذه المرحلة ؛ ثمّ .. وليكتشف بعد كل تلك السنوات المفخّخة من النضال السرّي المرير , أن هذا الهيكل الذاتي الذي هو عليه لا يصلح إلاّ لقيادة ميليشيا قمعيّة ليس أكثر , لا لقيادة بلد!! وتلك ورطة لم تكن بحسبان ذو أفق محدود مثل أفق السيّد المالكي الذي ارتبط أفقه دوماً ومنذ نعومة أظفاره بمساحة دنيويّة ضيّقة تطلّ من عتبتها احتمالات لدنيا أخرى وعالم آخر أوسع مفترض عالم مثيولوجي ليس لها حظّ من الواقع الذي نعيشه في شيء لا كما ظنّ أنّ بواسطة مثل تلك الآيدولوجيا المثيولوجيّة "الرجعيّة" يستطيع أن يحكم بها البلدان والأمصار بالبركة وبتسهيلات خاصّة من الأقدار حتّى ولو مضى على طبيعتها عشرات القرون , وحتّى ولو اضطرّته متطلبّات العصر أن يحشرها وسط متطلّباته حشراً ولو عن طريق "الدفع" أو عن طريق "الهِندِر" ! , فلمّا أدرك السيّد المالكي أنّ ضرباته ستطيش جميعها كما توقّع , ولمّا رأى أنّها ضرباته ستعبّأ داخل بدلته المترهّلة في النهاية أطنان من المخلّفات التي تخلّفها تلك الضربات التي سيضطر من مثله للجوء إليها فتزاحم نفاياتها جسده بدلاً أن تزيحها عن طريقه , عمل على خلق عالم صوتي شحنه بكمّيّات هائلة من الوعود المبنيّة على الأكاذيب "ولأوّل مرّة في حياته" علّها توصله بالعالم الجديد الذي وجد نفسه يعيش وسطه , بغية إفساح المجال لتقبّل من مثله , بعد أن شرنقته الأيّام قبل أن تشرنقه بدلته الجديدة في داخلها بما لم تعد تخرج منها سوى تلك الأصوات التي علم كلّ من سمعها أنّ صاحبها يغرّد في واد بينما هم في واد آخر , فعمل على حماية نفسه مقدّما , ومنذ أن دخل كرسيّ الرئاسة , خوفاً من الإخفاق والفشل الذي أدركه بحسّه لا بحدسه أنّه واقع على رأسه لا محالة وعلم أنّه سيطوف في دوائر حلزونيّة لا نهاية لها , عمل من لحظات الإدراك تلك على تأسيس حلقات من الجيوش الأمنيّة القمعيّة يحيط نفسه بها ويتدثّر , وقايةً له من كلّ جانب , فلم يعد صوته يصل إلاّ عند حدودها , ولم يعد يفكّر إلاّ بإعمار وبناء تلك الحلقات العازلة , وعمل على أن يمدّها بكل أسباب التطوّر وأن يزوّدها بكل أسباب التكنولوجيا وبكلّ تطوّرات المعلوماتيّة , فاستغلّ ثروات "بلده" الطائلة , "فأمّمها" لنفسه , يرشّ بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى ! فأرسل البعثات الدراسيّة للتخصّص بالمعلوماتيّة القمعيّة وكيفيّة التعامل مع الخارجين عن قانونه ولو عن بعد , وبمختلف درجات التخصّص , وعمل على تنمية الطبقة الوسطى لتلك الشرائح القمعيّة بجميع تخصّصات مراحلها .. وأنشأ لها المعاهد , وزوّدها بأحدث المستلزمات القمعيّة الدراسيّة , كحلقة من حلقات التنمية القمعيّة الموصلة بالدراسات الجامعيّة الأوّليّة "الباكالوريوس" وانتهاءً بالماجستير والدكتوراه منها في علوم التعامل مع الخارجين عن جاذبيّة القانون يشرف عليها أساتذة أكفاء في علوم التزوير ,




السبت٣٠ ÑÈíÚ ÇáÇæá ١٤٣٢ ۞۞۞ ٠٥ / ÃÐÇÑ / ٢٠١١


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق طلال الصالحي طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان