لم اخطط لكتابة مقالة عن ما جرى في ساحة التحرير يوم بدأ ثورة الغضب وذلك لتصوري بعدم وجود حاجة لمثل هذا التسجيل بوجود هذا العدد الكبير من الإعلاميين والمشاركين , ولكني وجدت نفسي مجبرا على تسجيل ما حدث بسبب كثرة المغالطات التي شاعت في الإعلام وبين الناس وخاصة في ما يتعلق بالتفاصيل الصغيرة , والتي قد تكون مهمة جدا إذا لم يكن للقارئ , فللتاريخ , فالكثير ممن نقلوا إلى الإعلام ما حدث لم يذكروا كل الحقائق لعدم تواجد البعض منهم في الساحة أو لمرورهم مرور الكرام أثناء ذلك اليوم , أو لعدم تواجدهم قرب الحدث في لحظة حدوثه , وسأبدأ بسرد ما جرى منذ وصولي للساحة لحين قيام قوات المالكي بالهجوم على المتظاهرين وطردهم . وصلت إلى الساحة صباح يوم الجمعة المصادف 25/ شباط برفقة ولدي واحد الأصدقاء قبل الساعة الحادية عشر صباح , ولقد انتشرت فرق التفتيش على طول الطريق من البيت إلى ساحة التحرير , حيث انتشرت هذه السيطرات في كافة التقاطعات الرئيسية , ومداخل ومخارج الشوارع الرئيسية والجسور , وقد أغلق جسري الجمهورية وألسنك , وقد كانت كل هذه السيطرات تقوم بتفتيش المواطنين والطلب من البعض هوياتهم الشخصية , دون التعرض لهم أو منعهم , علانية , وعند وصولنا إلى ساحة التحرير وجدت الآلاف من المواطنين قد سبقون , وكانوا يقومون بالفعاليات الاعتيادية من هتافات وغيره , وقد كان أغلبية المتواجدين هم من المثقفين ومن ميسوري الحال , وهذا ما بدا من ملابسهم ومن تصرفاتهم ومن خلال الحديث مع البعض منهم , فالتفاعل بين الجمهور في مثل هذه المناسبات لا يحتاج إلى تعارف , فيكفي التواجد لكي يجعل الجميع في حالة من الألفة , لان الشعور بان وحدة الهدف أو وحدة المصير , أو إن هنالك ما يربطك مع هؤلاء الذين لا تعرفهم ولا تعرف أسمائهم أو انتمائهم السياسي أو الديني أو العرقي أو أن تساعد احدهم القي القبض عليه أثناء الكر والفر الذي حدث ما بين المتظاهرين والقوات المهاجمة , ولا تفكر باحتمال اعتقالك أو تعرضك للضرب لتدخلك , وكأنه أخاك أو ابنك , أو أن تقوم بمساعدة احد المتظاهرين الذين سقط عند محاولته الفرار أمام قوات الشغب أثناء قيامها بالهجوم , دون أن تفكر باحتمال وصولهم إليك واعتقالك , إن هذا ما حدث وما عايشته طيلة خمس ساعات , مما ولد لدي شعور بالزهو ومزيدا من احترامي لذاتي , لقيامي بواجبي اتجاه وطني وشعبي وعائلتي ونفسي بعد أن كنت اخجل من نفسي لاني لم أشارك في العمليات الجهادية ضد قوات المحتل بصورة مباشرة , وذلك لرفض المجاهدين إشراكي معهم لكبر سني , واعتقد جازما بان هذا هو شعور جميع من ساهم بالتظاهر بهذا اليوم , الذي سيؤرخه التاريخ على انه تاريخ بدأ الثورة العراقية , وبالرغم من تفاوت أهداف المشاركين المعلنة وتفاوتت الأساليب التي عبروا فيها عن ما يريدون , ولكنها تصب جميعا في رفد نهر التحرير. وعودة إلى ساحة التحرير , ففي حوالي الساعة الواحدة , كان يفصل المتظاهرين عن قوات المالكي من جهة جسر الجمهورية حاجز كونكريتي بارتفاع يزيد عن ثلاثة أمتار , وعند وصول احد التجمعات الشبابية إليه حاولوا إسقاطه , وفعلا اسقطوا اثنان من الصبات , وعندما حاولوا إسقاط الثالثة هاجمتهم القوات الرابضة خلف الحاجز بالعصي والهراوات ودفعتهم باتجاه ساحة التحرير , وعند توقف المهاجمين في مدخل الجسر , قام الشباب بالهجوم عليهم برميهم بالحجارة , فعادوا أدراجهم , ثم استجمعوا شتاتهم وهجموا على الجماهير , وبقيت الحال هكذ , ما بين كر وفر بين الطرفين إلى أن قامت تلك القوات بهجوم كبير وبطريقة وحشية , نزولا من الجسر باتجاه كافة المقتربات , مما جعل الجماهير والتي لم تشارك اغلبها في هذه الفعاليات والتي كانت متجمعة تحت وبالقرب من نصب الحرية بالصدمة حيث ان الكثير منهم كان يتصور بانه في دولة ديمقراطية , وبقي الحال على ما هو عليه , لما بعد الساعة الثالثة عندما هبطت طائرة هليكوبتر إلى مستوى واطئ جد , مما تسبب في عاصفة ترابية و ترويع للمتظاهرين , مما ولد انطباع لدى المتواجدين بان الغاية من هذا التصرف أريد منه إرباك المتظاهرين وإجبارهم على ترك المنطقة , كمرحلة أولى , ولكنها لم تنجح من ذلك , وبعد الساعة الرابعة وكنت بالضبط جالسا أمام سور ثانوية العقيدة , أي في مدخل الجسر , سمعت شخص ينادي المتظاهرين من خلف الحاجز البشري للقوات الرابضة في مدخل الجسر والتي كان يتواجد أمامها حاجز من الشباب يرتدون قماش ابيض فوق ملابسهم لمنع التلاحم ما بين الطرفين , وقد طلب هذا الشخص الذي كان يتحدث بواسطة مكبر للصوت من المتظاهرين تقديم طلباتهم لرفعها الى دولة رئيس الوزراء , ولكن الشباب أجابوهم بترديد هتاف (كذاب كذاب نوري المالكي ) وعندما لم يجد آذان صاغية ذهب إلى ما وراء الحاجز الكونكريتي باتجاه المنطقة الخضراء , ويبدو إنهم كانوا يريدون مبرر لتفريق المتظاهرين وإنهاء اعتصامهم بالقوة , حيث وبدون أي سابق جاءت سيارتين من النوع المستخدم لتفريق المتظاهرين والتي لم نراها سابقا إلا من خلال أجهزة التلفاز , يتمترس خلفها حوالي مائتا عنصر من قوات مكافحة الشغب بملابسهم ودروعهم وهراواتهم وبعضهم يحملون أجهزة الصعق الكهربائي , وخلفهم وقف حوالي مائتا عنصر يرتدون نفس الأزياء ويحملون نفس الدروع وهؤلاء من منتسبي الانضباط العسكري , وخلفهم يقف الآلاف من منتسبي لواء بغداد بكامل أسلحتهم يملئون الجسر إلى نهاية طرفه الثاني من جهة كرادة مريم , وكما ذكرت فان الشباب الذين عملوا بأجسادهم حاجز بين المتظاهرين وبين قوات المالكي , كانوا أول من نال مكرمة المالكي من الضرب من هذه القوات , والتي بدون سابق إنذار وبدون سبب أو مبرر آني , وعلى غفلة قامت بفتح خراطيم المياه وتبعتها القنابل الصوتية وبأعداد كبيرة جد , وبعد دقائق هجمت هذه القوات على عدة محاور وبكافة الاتجاهات والشوارع التي تربط الساحة ببقية مناطق بغداد , وبالرغم من محاولة الشباب إيقافهم من خلال ضربهم بالحجارة , إلا إنهم لم يتراجعوا بل زادوا من تقدمهم باتجاه ثلاث محاور , باتجاه شارع السعدون ووصلوا إلى ساحة النصر , والثاني إلى ساحة الطيران والثالث لغاية ساحة ألخلاني , وأنا شخصيا كنت على هذه الجهة ولم استطع التخلص من الملاحقة مع غيري إلا بالدخول إلى أزقة السنك , وفي أثناء ذلك سمعت أطلاق رصاصات متفرقة في ساحة التحرير , أما من سقط على الأرض أو لم يستطع الهرب من الشباب وكبار السن أو المرضى فقد تم اعتقال اغلبهم , علما بان الكثير من النساء وأطفالهم وكبار السن كانوا يتواجدون في الساحة قبل هجوم ( تحرير الفكة ) ولكني لا اعلم مصيرهم . أما ملاحظاتي عن ما جرى فهي :1- لم يشترك الجيش ولا الشرطة في أي فعالية ضد المتظاهرين ولا حتى بالكلام , بل كانوا في بعض الأحيان بمثابة حماية لمن يحتاج , ولكنهم يخفون تعاطفهم مع الجماهير لخوفهم من تلك القوات , ولقد ساعدوا بعض المتظاهرين أثناء هربهم من أمام قوات المالكي بإدخالهم الأزقة لكي لا يعتقلوا . 2- رغم تحققي لم أجد أي من المشاركين بالتظاهرة