لاحظ المتابعون أن مظاهرات نينوى وما رافقها من انحرافات وانكسارات لم تكن متوقعة ولنقل للعامة ربما لم يكن ما جرى متوقعاً ، حيث أن البيان الخاص بـ(الثورة العراقية)، لم يكن يشير إلى قيام المظاهرة بمهاجمة مبنى المحافظة او أصلا لم يكن يدعو الى التظاهر قرب مبنى محافظة نينوى بل كان من المفترض ان يكون التجمع والتظاهر والاعتصام في ساحة الاستعراض المسماة منصة الاحتفالات في منطقة المجموعة الثقافية كونها منطقة مفتوحة يسهل تأمينها وحمايتها وفي نفس الوقت تستوعب اكبر عدد من المتظاهرين والمعتصمين ، إذن ما الذي حدث وسبب هذا التغير.!؟ لمعرفة السبب لا بد من العودة بالأحداث إلى ما قبل المظاهرة بثلاثة أيام وهذا ما سنتناوله بالتفصيل لمعرفة كيف تم تسييس المظاهرة واستغلالها لتحقيق أغراض سياسية وخدمة مصالح شخصية .. تبدأ القصة يوم الأحد المصادف 21 من شهر شباط الحالي حيث توجه محافظ نينوى أثيل النجيفي برفقة نائب رئيس مجلس محافظة نينوى دلدار الزيباري إلى منقطة الفيصلية في الجانب الأيسر وقيامه برفع الكتل الكونكريتية التي تغلق شارع الفيصلية الرئيسي الذي يضم مديرية مرور محافظة نينوى ومديرية تربية محافظة نينوى واحد فروع مصرف الرافدين وهو الفرع الذي يستلم من الجيش رواتبه أي بشكل الأدق الذي تتسلم منه الفرقة الثانية للجيش العراقي رواتبها والذي قام مديره بالطلب من قائد الفرقة الثانية اللواء ركن قوات خاصة (ناصر غنام الهيتي) أن يغلق هذا الشارع للحفاظ على أمن المصرف ، المهم هذا ليس موضوع حديثنا ، نعود إلى محافظ نينوى أثيل النجيفي الذي وصل الى الشارع المذكور وتوجه إلى كل من الملازم أول نذير والملازم علي المنسوبان إلى الفرقة الثانية من الجيش العراقي وهما المسؤلان عن أمن ذلك الشارع وقام محافظ نينوى بتوجيه أمر للضابطين أعلاه بأن يقوما برفع الكتل الكونكريتية وفتح الشارع لمرور سيارات المواطنين فطلبا منه ان يتصلا بمرجعهم وآمرهم المباشر الذي حضر على الفور بعد اتصاله باللواء ناصر غنام امر الفرقة الثانية والذي أبلغه بعدم موافقته على فتح الشارع مما دعا الضباط المتواجدين في النقطة المسؤولة عن غلق الشارع إلى رفض طلب المحافظ وبالتالي الدخول في مشادة كلامية مع محافظ نينوى وأخبروه أنهم لن يرفعوا تلك الكتل الكونكريتية حسب أوامر مراجعهم وأنه إن أراد أن يفتح الشارع فعليه أن يقوم بإزاحة الكتل الكونكريتية ورفعها بنفسه ، مما وضع المحافظ أثيل النجيفي في وضع محرج أمام أصحاب المحلات الذين تجمهروا فرحاً بفتح الشارع بعد غلقٍ دام أكثر من عامين ، وبعد أن جرى ما جرى فقد خابت أمال اولئك المواطنين بمحافظهم الأمر الذي دعا المحافظ إلى أن يقوم بازاحة العوارض بنفسه عن طريق أفراد حمايته وغادر الموقع فوراً حفاظاً على ما تبقى من ماء وجهه .. إلى هذه اللحظة الأمور شبه طبيعية قياساً على الوضع المزري لمحافظة نينوى وضعف السلطة المحلية المتمثلة بمحافظ نينوى ومجلس المحافظة ورئيسه جبر العبد ربه المنشغل في استثماراته ومكاسبه وتنمية ثرواته الشخصية ، ولكن الأمر الغير طبيعي هو قيام الجيش بغلق شارع الفيصلية مباشرة بمجرد مغادرة المحافظ وقيام اللواء ناصر غنام أمر الفرقة الثانية بارسال قوة تعزيزية إلى موقع الحدث بامرة نقيب تحمل أوامر مباشرة من قسمين من اللواء غنام القسم الأول يقضي بوضع مركبات عسكرية كبيرة بدل الكتل الكونكريتية والغرض طبعا يقود إلى القسم الثاني من الاوامر والتي تنص وبشكل صريح ومباشر على إطلاق النار على المحافظ في حال عاد وحاول فتح شارع الفيصلية مرة ثانية ، حيث أن اللواء ناصر غنام قد قال بالحرف الواحد إذا أثيل مد ايده ورفع الحواجز فخلي يشوفنا جرأته ويمد ايده على العربات العسكرية وفي حال فعل ذلك فعلى القوة المتواجدة اطلاق النار على المحافظ لأن سوف يكون في هذه الحالة متجاوزا على الجيش وللجيش الحق في الدفاع عن نفسه ضد هكذا اعتداء !! .. لدى وصول الأخبار إلى محافظ نينوى طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس محافظة نينوى حيث ان مجلس المحافظة عقد صباح يوم 23 شباط الحالي جلسة طارئة ضمت جميع اعضاء مجلس محافظة نينوى وبحضور محافظ نينوى اثيل النجيفي ، وصوت اعضاء المجلس بالاجماع على رفض وجود قائد الفرقة الثانية اللواء الركن ناصر احمد غنام وذلك بناءاً على التقرير الذي قدمه محفظ نينوى عن وجود انتهاكات حصلت لحقوق الانسان في المحافظة واخرها وفاة معتقل كان مودعا في مقر الفرقة الثانية جراء التعذيب ، حيث أن محافظ نينوى المحترم بعد أن تعرض هو للاهانة تذكر أن الفرقة الثانية تنتهك حقوق الانسان وتذكر أن هناك انتهاكات وتجاوزات من قبل قائد الفرقة في حين أن أبناء الموصل كانوا وعلى مدى سنتين كاملتين يشكون من سوء تصرفات الفرقة الثانية العنصرية ومدى خسة الأوامر الصادرة عن قيادتها المتمثلة باللواء الغنام لكن محافظ نينوى ومجلسها الموقر لم يتخذوا أي إجراء سابقا وكأنما أن عامة المواطنين هم مواطنون من الدرجة الثانية ومحافظ نينوى هو مواطن من الدرجة الأولى ، ولكن هذا ليس موضوع نقاشنا الحالي إذ أن لنا عودة لاحقة لهذا الموضوع في مقال آخر . بعد إعلان مجلس محافظة نينوى عدم رغبته ببقاء اللواء ناصر غنام قائداً للفرقة الثانية ومع اقتراب موعد إنطلاق مظاهرة ثوار العراق التي إنطلقت يوم 25 شباط ، قام كل من الطرفين الحاكمين في محافظة نينوى وهما المحافظ أثيل النجيفي واللواء ناصر غنام قائد الفرقة الثانية ، قاما بإبداء تعاطفهما وتأييدهما للمظاهرة وكل منهما يحمل في داخله أجندة خاصة به .. فالمحافظ كان يريد استغلال المظاهرة لتحشيد الجماهير ضد اللواء غنام والأخير كان يطمح بحشد الجماهير الغاضبة ضد المحافظ ، وجاء يوم الخامس والعشرون من شباط لتنطلق الشرارة الأولى للمظاهرات ، فما كان من الجيش الحكومي إلا أن قام بتوجيه حركة المتظاهرين وبالقوة باتجاه مبنى محافظة نينوى لا بل تجاوز الأمر ذلك حيث قامت عربات عسكرية تابعة للفرقة الثانية بنقل المتظاهرين من مناطق بعيدة إلى منطقة الدواسة وباب الطوب في مركز مدينة الموصل قرب مبنى المحافظة وقد تخلل هؤلاء المتظاهرين واندس بينهم عناصر من الجيش الحكومي ترتدي الزي المدني يرافقها عناصر من الأحزاب المطرودة من محافظة نينوى والمتمثلة بحزبي الديمقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني وبعض فلول المجلس الأعلى والحزب الاستسلامي اللا إسلامي .!؟ حيث قامت هذه العناصر بتغيير شعارات المظاهرة وتقدم الصفوف لتهتف بـ( اسقاط المحافظ ) واقالته وقيام عناصر من الجيش الحكومي ممن يرتدون الزي المدني بمهاجمة مبنى المحافظة واحراق إجزاء من المبنى مما استدعى من قوات حماية المحافظة أن ترد بشكل قاسي على المظاهرة وأثناء ذلك حدث إطلاق نار منفرد أشار المتظاهرون إلى أنه صدر عن قناص كان يتمركز على سطح مبنى شركة التأمين العراقية الواقع مقابل مبنى المحافظة ، حيث تسببت إطلاقات هذا القناص باستشهاد خمسة متظاهرين على الفور حيث كانت الاصابات في منطقة الرأس مما يدل على أن الاطلاقات كانت بغرض قتل المتظاهرين وإرعابهم وليس تفريق المتظاهرين وبالتالي رفع حالة الغضب وصبها على المحافظ ومجلس المحافظة وقد وردت أنباء عن ان القناص قد وصل إلى الموصل ضمن قوة مرسلة من المالكي لإستهداف المتظاهرين وخلق حالة من الفوضى والفتنة بين أبناء المدينة . في هذه الأثناء بدأت جموع من المثقفين والثوار الوطنيين بالتوجه إلى منطقة المنصة حيث يفترض ان يكون التجمع حسب البيان الصادر عن حركة ثوار الموصل وتم التجمع فعلا وكان الجمع قد قرر التوجه إلى مقر الفرقة الثانية للمطالبة بالتخفيف من الاجراءات الأمنية المتبعة في الموصل والمتمثلة بكثرة السيطرات واستهتار منتسبيها بالمواطن من ناحية وكثرة الاعتقالات العشوائية ليلاً التي تطال الأبرياء من ناحية أخرى فضلاً عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين المودعين في سجون الفرقة الثانية ممن مضى على اعتقالهم فترات طويلة دون سبب ، ولكن الذي حدث أن المتظاهرون منعوا من قبل عناصر الجيش الحكومي من التوجه إلى مقر الفرقة الثانية ولوحظ تواجد وجوه معروفة بولائها للمالكي وعصابته الحاكمة كانت قد اندست بين المتظاهرين وتحت حماية واضحة من قبل عناصر الجيش الحكومي ، كانت تنادي باصلاح الوضع المزري للمحافظة بشكل يوحي بالمطالبة بتغيير السلطة المحلية في المحافظة واستبدال النجيفي محافظاً ببديل عنه ، وقد ظهر ذلك جلياً بعد تكشف الأمور حيث تناقلت وكالات الأنباء خبر طلب المالكي من رئيس البرلمان أسامة النجيفي أن يتدخل لاستبدال شقيقه أثيل بمحافظ أخر لنينوى ، الأمر الذي يؤكد ما ذكرناه من تغلغل عناصر مرتبطة بالمالكي في المظاهرات لاستغلال المظاهرات لتحقيق أغراض سياسية خاصة بهم . نلاحظ مما سبق أن المظاهرات التي حدثت في الموصل قد جرى استغلالها وتسييسها وتحييدها عن أهدافها الرئيسية بالمطالبة بالاصلاح الشامل للحكومة وليس المحافظة فقط والمطالبة باطلاق سراح جميع المعتقلين الابرياء وقبل ذلك كله مغادرة المحتل ، مما يدعونا للتوجه إلى منضمي الثورة وقادتها وكل من شارك فيها من أشخاص وطنيين وضعوا العراق نصب أعينهم وتجردوا من كل انتماءات سوى انتمائهم للعراق ، وندعوهم للانتباه لما جرى وجعله درسا للاستفادة منه في المظاهرات القادمة كي لا تستغل المظاهرات مستقبلا في غير أغراضها .. وفي نفس الوقت نبارك لهم ولأنفسنا ما حققته من انجازات من خلال استنهاض الهمم وبث الروح الوطنية في صدور العراقيين وتأجيجها واسقاط مراهنات الاعداء الذين راهنوا على أن العراقيين لن ينتفضوا بوجه الطغاة بل على العكس فقد أثبتت هذه المظاهرة مدى الاحساس العالي لدى المواطن العراقي بشكل عام والموصلي بشكل خاص فمبارك لكم عرسكم أيها العراقيين وإلى أعراس قادمة نشد على اياديكم ونساندكم من أجل تحرير العراق والقضاء على مظاهر الفساد التي سادت في عهد حكومات الاحتلال الممتالية وما النصر إلا صبر ساعة .