اذا كان هناك اكثر من سبب لقيام الانتفاضة في تونس ثم في مصر وحاليا في ليبيا واليمن، فانه يوجد في العراق اكثر من الف سبب للانتفاضة او الثورة. فاذا احصيت مساويء حكام الردة العرب مجتمعة فانها لا تعادل مساويء الحكومة في العراق. ومن غير اللائق الحديث عن هذه المساويء باسهاب لانها باتت معروفة لكل العراقيين، ويكفي هنا القول بان الحكومة الحالية، بالاضافة الى كونها حكومة عميلة للاحتلال بامتياز باعتراف عتاولتها، فانها حكومة فاسدة ومختلسة لاموال الشعب، حكومة قتلت وهجرت وسجنت مئات الالوف من العراقيين. مثل هكذا حكومة لن تقف بالضرورة الى جانب شعبها، وانما تقف الى جانب المحتل، سواء كان امريكيا او ايرانيا او كليهما. وهذا ما اكدته وقائع سنوات الاحتلال العجاف. ومن الجدير بالذكر فان من بين اهم اهداف المحتل الامريكي، ليس القضاء على البلاد فحسب، وانما القضاء على العباد ايضا. وهذا ما يفسر التعمد والاصرار المسبق على حرمان العراقيين من ابسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء ولقمة العيش وجرعة الدواء، في حين يعد العراق من الدول الغنية المعدودة في العالم. اذا ليس غريبا قيام العراقيون بمثل هذه الانتفاضات المتواصلة ضد حكومة الاحتلال، واتساع اطارها لتشمل العراق من شماله الى جنوبه، وتشارك فيها مختلف مكوناته واطيافه وقومياته ومذاهبه، وتطالب بالتغيير ومحاسبة اللصوص والفاسدين. وان دل هذا على شيء، فانما يدل على اصالة هذا الشعب، ورفضه الخنوع والاستكانة، سواء لحكومة الفساد والقتلة والعملاء، او للاحتلال ومخططاته ومشاريعه الغادرة مثل تقسيم العراق دولة ومجتمع. وهذا يعيد للاذهان ثورات الشعب العراقي وانتفاضاته الباسلة ضد الاستعمار البريطاني وضد حكوماته العميلة مثل ثورة العشرين المجيدة وثورة 1941 بقيادة الحاج عبد الواحد سكر وشعلان ابو الجون وضاري المحمود ويونس السبعاوي وصلاح الدين الصباع وكامل شبيب وغيرهم. لا يمنعنا ونحن نقف في محراب هذا الشعب العظيم وانتفاضاته المتواصلة من الاعتراف بان هذه الانتفاضات لم ترتق، لحد الان، الى المستوى المطلوب والذي من شانه تحقيق اهدافها المرجوة. حيث ظلت معظم شعاراتها محصورة في المطالب الاجتماعية، مثل توفير الخدمات الضرورية للحياة كالماء والكهرباء والغذاء والدواء، وهذه على اهميتها لا تؤدي الى التغيير المنشود. حيث لا تغيير بدون التحرير، فما حدث ويحدث في العراق من مفاسد لم يات من فراغ، وانما كان نتيجة لام المفاسد وهو الاحتلال، واذا لم يتوجه العراقيون الى القضاء على السبب فلا امل في القضاء على نتائجه، واذا حدث تغيير فانه يبقى في خانة الوعود الكاذبة، وفي احسن الاحوال اجراء بعض الاصلاحات الترقيعية والتي هي اشبه بالمسكنات التي تخفف عن المريض الامه ولا تقضي عليها. وحتى اذا تغيرت الحكومة الفاسدة، فان بامكان المحتل تشكيل حكومة جديدة من نفس الطينة ولكن بلباس مختلف، بعبارة اكثر وضوحا، فان هذه المفاسد القائمة لم تات من فراغ او جراء اخطاء غير مقصودة او بسبب عدم كفائة الحكومة، وانما جاءت كنتيجة للمفسدة الكبرى المتمثلة بالاحتلال فهو السبب لكل هذه النتائج وهو المسؤول الاول عنها. هذا الاستطراد له وظيفة هنا، فالشعب العراقي قرر القيام بالانتفاضة الكبرى يوم الجمعة القادم، وينبغي، بهذا الخصوص، توجيه هذه الانتفاضة نحو الطريق المؤدي الى التغيير، وذلك بتغليب الشعارات التي تطالب برحيل الاحتلال دون قيد او شرط ودون تاخير على الشعارات التي تخص توفير الخدمات ومقومات الحياة المختلفة. فعدم الربط بين السبب والنتيجة سيضع العربة قبل الحصان كما يقال، وسيؤدي ذلك الى نهاية مؤسفة للانتفاضة، والعكس صحيح تماما، ولنا في دروس الانتفاضات التي راعت هذه الحقيقة وحققت نجاحا باهرا في تونس ومصر خير دليل على ذلك، حيث كان شعار الشعب يريد اسقاط النظام، الشعار الاكثر حضورا بين الشعارات الاخرى. وفي حالتنا، كون العراق تحت الاحتلال، فالشعارات الملائمة والاهم للانتفاضة المقبلة هو شعار، الشعب يريد رحيل الاحتلال وحكومته الفاسدة. اضافة الى الشعارات الاخرى ذات الصلة مثل اسقاط كل المؤسسات التي انشأها الاحتلال واسقاط ما سمي بالعملية السياسية بكل حلقاتها وكذلك اسقاط الدستور الذي صاغه المحتل، والغاء الاتفاقية الامنية، كونها جعلت من العراق مستعمرة امريكية بامتياز، ومحاسبة شبكات الفساد ومافيا النهب لاموال الشعب. وهذا لا يلغي الشعارات المطلبية الاخرى التي تخص حياة المواطن، بمعنى اخر، فان تقديم النتيجة على السبب اشبه بمن يضع العربة قبل الحصان فعلا. صحيح ان المطالب الاجتماعية، قد تكون بداية التحول للمطالب السياسية، لكن الامر في العراق مختلف تماما، فالشعب هنا لا يواجه حكومة محلية فحسب، وانما يواجه محتل لم يشهد التاريخ له مثيلا، من حيث القوة والجبروت، اضافة الى محتل اخر ونقصد به ايران، ناهيك عن الدعم والاسناد الذي يلقاها من مختلف دول العالم وفي كافة المجالات. وهذا من شانه اعاقة مثل هذا التحول التلقائي وبالتالي ينبغي ان تكون عملية التحول هذه مدروسة ومقننه مسبقا، اي بعبارة اخرى عدم ترك عملية التطور هذه الى الصدفة، وهذا يتطلب من المنتفضين تحديد المطالب حسب اولياتها كما ذكرنا. كما انه من الصحيح ايضا بان الانتفاضة في اي بلد كان لا يعيبها عفوية انطلاقتها وغياب الاحزاب والقوى السياسية عن قيادتها لفترات محدودة، كون امكانية انتظامها لاحقا امكانية قابلة للتحقيق، كما حدث في تونس ومصر، لكن الانتفاضة في ظل الاحتلال الامريكي وعمليته السياسية وحكوماته الفاسدة، اضافة الى قدراته الهائلة على الخداع والتضليل واستخدام الوسائل المختلفة للالتفاف عليها ، بحاجة ماسة الى وجود قوى واحزاب وطنية، وخصوصا تلك المناهضة للاحتلال، لتتولى قيادتها وتوجيه مسيرتها وتنظيم شعاراتها وادارة الية تحركها ووضع الخطط اللازمة لمواجهة التامر عليها، خصوصا وان عمليات تخريبها من قبل الحكومة والمحتل معا قد تم التخطيط لها، وجرى التمهيد لتمريرها وتسمية الجهات التي ستقوم بها. وقد نجد نموذجا عنها في تصريحات نوري المالكي التي ادعى فيها "أن لدى الحكومة معلومات استخبارية تؤكد أن التنظيمات الارهابية تخطط لاستهداف التظاهرات الشعبية عن طريق أرتداء زي الشرطة". وكذلك في تصريحات علي السيستاني، الذي يسكت دهرا وينطق كفرا والتي قال فيها " أن "التظاهر هو حق الجميع، بشرط انه لا يستتبع ازهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات العامة أو الخاصة كما حصل في عدة حالات" في محاولة مسبقة منه لاتهام المتظاهرين باي عمل يحدث من هذا النوع، فهو على علم مسبق بما ستقوم به الحكومة من اعمال تخريبية للقضاء على جذوة الانتفاضة المرتقبة. ناهيك عن الوسائل الاخرى مثل حرف التظاهرات عن اهدافها ورفع شعارات من قبل اعوان الحكومة لا علاقة لها بمطالب الناس. ازعم هنا بان هذه الاحزاب والقوى المناهضة للاحتلال ستكون قادرة على القيام بمثل هذا العمل النبيل، كونها جزء مهم من المعسكر المقاوم للاحتلال، ولانها تسعى، بكل تضحية وفداء، الى تحرير العراق واستعادة استقلاله ووحدته وسيادته الوطنية وبناء عراق حر ديمقراطي تعددي يحقق التقدم والرفاهية لابنائه دون تمييز في الدين او المذهب او العرق. وكونها تحظى، بسبب هذا الموقع والموقف معا، باحترام وتقدير عموم الشارع العراقي، واستعداد الناس لقبول قيادتها للانتفاضة والسير خلفها والالتزام بتوجيهاتها وتنفيذها بكل همة وحماس، الامر الذي سيعزز زخم الانتفاضة ويوسع اطارها ويصلب مواقفها. ليس هذا فحسب، وانما على هذه الاحزاب والقوى الاستفادة من ترنح الحكومة جراء هذه الانتفاضات، واستعادة زمام المبادرة وفرض السيطرة على المدن وادارتها، حيث من المحتمل حدوث فوضى وانفلات او هروب السلطة او جزء منها، خصوصا وان علامات قد لاحت في الافق من هذا النوع، حيث اخذ البعض يلملم نفسه استعدادا للهروب، بل ان بعضهم هرب فعلا الى ايران او دول مجاورة اخرى، ومما يؤكد هذه الحقيقة تهريب 60 مليار دولار من خزينة الدولة، وليس ستين مليون دولار، الى جهة مجهولة كما ذكرت الانباء يوم امس. ان ادارة الانتفاضة هي بمثابة ادارة المعارك الكبرى، خصوصا وان الحكومة العميلة والمحتل من وراءها سيستخدمون وسائل عديدة، فاذا فشلوا في انهاء الانتفاضة باستخدام السلاح ضدها تحت ذرائع مختلقة، او عبر استخدام وسائل الاعلام التي في حوزتهم بهدف تشويه سمعة الانتفاضة واتهامها بالعمالة للخارج او ارتباطها باجندات اقليمية، او حتى اتهاما بالارهاب، كما فعلوا مع المقاومة العراقية في بداية عهدها ولازالوا يفعلون ذلك رغم افتضاح هذا الامر، فانهم سيلجاون الى الالتفاف عليها بهذه الطريقة او تلك، ومنها اطلاق الوعود الكاذبة باتخاذ بعض الاجراءات، كزيادة في الرواتب او الحصة التموينية او الغاء بعض القرارات الجائرة الخ. وبالتالي فانه ليس بمقدور الانتفاضة بشكل عام مواجهة هذه الاساليب وعمليات الخداع والتضليل من دون قيادة حكيمة تشرف وتدير هذه المعركة من كل جوانبها. ويخطيء من يظن بان الانتفاضة المرتقبة، والتي سميت بالكبرى، ستنتهي بسلام ومن دون خوض معارك حامية الوسيط في كل مكان. ناهيك عن حاجة الانتفاضة الى الصبر و ومزيد من الإصرار على تحقيق كامل الاهداف، وليس القبول بانصاف الحلول. فالانتفاضات الكبرى والتي تضع الشعوب امام نقلة تاريخية تصب لصالحها لا تتكرر بسهولة او يمكن القيام بها باي وقت يشاء فيه الناس. املنا كبير في ان تكون القوى والاحزاب المناهضة للاحتلال عند حسن ظن الجماهير، التي لم تتوانى يوما او ساعة عن اسنادها وتقديم الدعم لها وللمقاومة العراقية دون حدود. هنا لابد من التذكير بان الهدف النهائي لاي انتفاضة هو بناء وطن يعود لاهله ويدار من قبل ابنائه وتوظف ثرواته وخيراته وطاقاته لصالح اجياله الحاضرة واجيال المستقبل. وهذا لن يتم في ظل الاحتلال وفي ظل وجود حكومات تخدم المحتل، او يتم عبر تغيرات تمس الشكل وليس الجوهر مهما كانت كبيرة، وانما يتحقق ذلك من خلال حكومة وطنية مخلصة وامينة، تحقق مبدا المواطنة وتكافؤ الفرص وانهاء الاستغلال واعطاء كل ذي حق حقه بصرف النظر عن دينه او مذهبه او عرقه او طائفته. خلاصة القول لا تغيير شامل بدون تحرير كامل.