شبكة ذي قار
عاجل










في إحدى نظريات التاريخ التي ساقها في بحوثه ودراساته المؤرخ والفيلسوف البريطاني آرنولد توينبي (1889-1975) والتي يشير فيها على أن سقوط الدولة لا يقترن بالحدث الزمني الآني الذي تنهار فيه، وإنما يعود لسنوات أو عقود أو حتى قرون حدثت فيه آلية ذلك السقوط رغم إستمرارية وجود الدولة.   وإذا أخذنا بمفهوم هذه النظرية التاريخية وطبقناها على ما جرى ويجري في العراق خلال العقدين المنصرمين، نعلم إن دخول القوات الأمريكية المحتلة إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003، يعني سقوط الدولة العراقية. وإذا ما تمعنا في السقوط الرئيسي لتلك الدولة، فإنه يعود إلى تاريخ 2 آب/أغسطس 1990؛ وذلك عندما دخلت القوات العراقية إلى الكويت، وما ترتب على ذلك من مواجهة حربية غير متوازنة قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بتحالف مع 34 دولة، وفرض حصار أممي إقتصادي طال بالتدريج الجوانب العلمية والصحية والخدمية، وعزلة سياسية دولية مشددة؛ وبالتالي كانت نتائجها وجود دولة ضعيفة آيلة للسقوط حتماً. ولكن لو طبقنا هذه النظرية أيضاً على الغزو الأمريكي للعراق، خصوصاً ونحن ندنو من الولوج في السنة التاسعة من الإحتلال، ندرك إن الحل العسكري بإستخدام القوة قد إستمرت ضراوته التصاعدية لمدة خمس سنوات لا أكثر، وهي ما بين (2003-2008). بمعنى إن نظرية المحافظين الجدد، والمشروع الأمريكي بالعراق قد سقط، وإنه الآن في العد التنازلي الذي تسير أحداثه صوب الحقيقة التاريخية بزوال المحتل. وإذا ما تذكرنا بعض أقوال وتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين التي بدأت تأخذ منعطفاً إنكسارياً منذ الشهور الأخيرة لعام 2008، فهي بمجملها إعترافات تفصح عن ذلك السقوط، والتي تجلت أكثر بخروج بوش وقدوم أوباما للبيت الأبيض. ومن المفيد هنا أن نعيد سرد شيئاً منها: أولاً: في مقابلة مع وكالة فرانس برس بتاريخ 12-9-2008 رفض قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بيتريوس الحديث عن تحقيق "نصر أو نجاح في العراق". وكل الذي أعترف به هو "تقدم ملحوظ" لا أكثر. وكأنه يشير بشكل مبطن على أن السنة السادسة من قوات الاحتلال الأمريكي للعراق قد قدمت أقصى ما عندها على أرض الواقع. وعندما أستلم الجنرال ريموند أوديرنو مهام منصبه بدلاً من بيتريوس في 16-9-2008 اعترف أيضاً بمستهل مهمته قائلاً: أن ما تحقق في العراق من مكاسب أمنية فأنها "هشة وقابلة للتراجع". رغم أنه أشرف بنفسه على تفاصيل الحملة العسكرية التي شنت على العاصمة بغداد وضواحيها عام 2007. وكان المعروف عن أساليب أوديرنو بالشدة العنيفة التي غالباً ما يذهب ضحاياها الكثير من الأبرياء المدنيين، مما نقده عليها بعض المحللين والضباط العسكريين. ثانياً: داخل مقر وزارة الخارجية الأمريكية، وفي يوم الاثنين المصادف 6-10-2008، وقفت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس في قاعة امتلأت بالحضور السياسي والعسكري والإعلامي بغية تكريم ديفيد بيتريوس والسفير الأمريكي لدى بغداد رايان كروكر، حيث تم منحهما "جائزة الأشخاص الموقرين"، وقالت أمام الجميع: أن طريق الولايات المتحدة في العراق كان أشق وأطول وأصعب مما تخيلت شخصياً. كما وأبدت اعترافاً أولياً بالهزيمة حينما قالت: "أن النجاح في العراق ليس أمراً مؤكداً". ثالثاً: في خطابه القصير والمقتضب عن شن الحرب على العراق بتاريخ 19-3-2003 قال الرئيس الأمريكي جورج بوش: إن "الجيش الأمريكي وقوات التحالف بدأت عملية عسكرية لنزع سلاح العراق وتحرير شعبه وحماية العالم من خطر محدق". وفي 1-5-2003 وهو على متن إحدى حاملات الطائرات أعلن عن انتهاء المعارك الرئيسية وإن "المهمة أُنجزت". وقبيل مغادرته للبيت الأبيض في 13-1-2009 أعترف بوش علناً في "خطأ" استعمال عبارة "المهمة أُنجزت"!! وإذا كانت هذه الأقوال هي جزء من أعترافات جلية أخرى أدلى بها عام 2008 مسؤولين سابقين أمثال: ريكاردو شافيز قائد القوات الأمريكية بغزو العراق ما بين 2003-2004، في كتابه "الأكثر حكمة في المعركة: قصة جندي". وكذلك سكوت مكليلان الناطق الرسمي للبيت الأبيض 2003-2006، في كتابه "ماذا حدث داخل البيت الأبيض لبوش في ظل ثقافة الخداع في واشنطن". أو في محاضرات كولن باول وزير الخارجية 2001-2005. فكل ذلك يعني ويدل على إرهاصات سقوط الغزو الأمريكي وفشل مشروعه في العراق. هذا ومن علامات آلية ذلك السقوط الغازي هو الجدول الرسمي لإنسحاب القوات الأمريكية من العراق. ورغم أن شكلية الإنسحاب هي جزئية لا تهدف منها إدارة أوباما إنسحاباً كلياً؛ بيد أن نظرة إحصائية لوقائع وأحداث العمليات الميدانية، تجد أن الجيش الأمريكي في وضع متقهقر خسر نهائياً فرض الحل العسكري، وإنه منذ 2009 يحاول الحفاظ على بقائه داخل القواعد كسند داعم لحكومات الاحتلال المسجونة في المنطقة الخضراء. وبما إن هذا الإنكسار العسكري الأمريكي وما نتج عنه من خسائر جسيمة بشرياً ومادياً ومالياً ونفسياً وسياسياً قد جاء على يد المجاهدين الأبطال في المقاومة العراقية الباسلة، إذاً فإن مستقبل المحتل زائل لا محال، غير أن زمنية بقائه قد تمتد أو تتقلص بحسب الجهد المقاوماتي. بمعنى إن الفصائل بمجملها لها وزنها وثقلها بحسب ما تمتلكه من إمكانيات على الساحة العراقية، وبما إنها قد إستجابات للتحدي وتوَحْدَّ الكثير منها ضمن جبهات جهادية في النصف الثاني من عام 2007، إذاً فعلى هذه الجبهات أن تتوحد في قيادة عليا أو مجلس مشترك أو جبهة عريضة تضمها جميعاً بغية إختزال الوقت وكسب المستقبل على نحو أسرع في عملية التحرير التي يتوق إلى تحقيقها كافة المجاهدين ويتطلع إليها كل الأحرار داخل العراق وخارجه. إن مسألة تأخر وحدة المقاومة العراقية لا يعني إنها في خطر، ولا يعني إن المحتل الأمريكي سيتمكن من تغيير حتمية سقوطه، بل مجرد تأخير زمني له مخاطره التي تعيق لحظة الحدث التاريخي في زوال المحتل. كما شاهد العالم إقلاع آخر مروحية أمريكية من على سطح سفارتها في سايكون في 6 حزيران/يونيو 1975. حيث أن فصائل المقاومة وجبهاتها الجهادية تعمل بقوة وفق تشكيلاتها القتالية والاستخبارية والإعلامية المنفصلة عن بعضها الآخر والمجتمعة ضمن الهدف التحرري المشترك. ولهذا تجد إن المقاومة العراقية في عد تصاعدي تضمن فيه المستقبل بشكل أكفأ وأصح، فالأرض والمياه والسماء مُلكاً لها. بينما المحتل الأمريكي بجبروته العسكري لم يتمكن من الثبات والاستمرار على أرض الواقع الميداني. وإلا كيف نفسر تمديد الخدمة القتالية للجيش الأمريكي في العراق من 6 شهور إلى 12 شهراً ثم إلى 15 شهراً، ومع إعلان البنتاغون في 20-5-2008 بأنها سترسل سبعة ألوية بالإضافة إلى 25 ألف من قوة الواجبات الحيوية إلى العراق، فإن البنتاغون يكون قد أرسل أكثر من مليون جندي أمريكي للحرب في العراق. ورغم ذلك لم يتجرأ أي مسؤول أمريكي بالحديث عن نصر مزعوم، بل أقوال وتصريحات تنم عن وهن الحل العسكري. في حين أشاوس المقاومة العراقية هم مَنْ يتحدثون بكل عزيمة وثقة عن تحقيق إحدى الحسنيين أما النصر على العدو المحتل أو الشهادة دفاعاً عن العرض والوطن. إن النظرية التي طرحها توينبي ودعمها بشواهد تاريخية تؤكد لنا إن حقائق التاريخ تبقى ثابتة ساطعة يفهمها من يعي مسار التاريخ. ولهذا قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل (1874-1965) بشكل واضح: "إننا ننتصر في الحرب لأننا درسنا التاريخ وخصمنا لم يستفيد من دراسته". علِماً إن ونستون لم يكن سياسياً فقط، بل عسكرياً شارك في المعارك، ومؤرخاً نال جائزة نوبل عام 1953 عن مؤلفاته في التاريخ، وخطيباً بارعاً. فهل يعي باراك أوباما ما فات سلفه جورج بوش من حقائق التاريخ، وإن النصر حليف البواسل المجاهدين عن أوطانهم، لا الجنود الدخلاء المدججين بأعتى السلاح. وإن إلتفافه حول عملية الإنسحاب في نهاية 31-12-2011 عبر ما تسمى بالإتفاقية الأمنية المبرمة بين بغداد وواشنطن في عام 2008 بغية بقاء الوجود العسكري الأمريكي، فإن هذا الوضع يعد تحدياً وحافزاً وأحد أهم عوامل ديمومة المقاومة العراقية في تحقيق نصرها المؤزر بإذن الله تعالى.




الثلاثاء١٢ ÑÈíÚ ÇáÇæá ١٤٣٢ ۞۞۞ ١٥ / ÔÈÜÜÇØ / ٢٠١١


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق د. عماد الدين الجبوري طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان