لم يعد خافيا أن الهدف الرئيسي من أحتلال العراق عام 2003 لم يكن نشر الديمقراطية في العراق, ولا القضاء على البرنامج النووي العراقي أو تعاونه مع القاعدة , بل كان تنفيذا لمخطط أمريكي صهيوني قديم بتقسيم العراق الى دويلات طائفية عرقية , وكان هذا الهدف الرئيسي الذي تبنّته ما أطلق عليها المعارضة العراقية في الخارج منذ مؤتمر صلاح الدين عام 1992 وجرى الأتفاق النهائي عليه في مؤتمر لندن في أواخر عام 2002 أذ كانت أول فقرة في ما أطلق عليه بيان لندن هي ما وضع تحت عنوان ( مستقبل العراق والديمقراطية ) وفيه وُصٍفَ العراق بدولة ديمقراطية برلمانية تعددية فدرالية (لكل العراقيين ) ويلاحظ وضع كلمة لكل العراقيين بين قوسين والمعنى معروف وهو أن الفدرالية لجميع المحافظات وليس للمحافظات الشمالية الكردية فقط , وتم التوقيع عليه من قبل ( 65 ) مندوب لمن أطلق عليهم بالمعارضة العراقية . وفي عام 2006 وبعد أن شعرت أمريكا أن حساب البيدر لم يكن كحساب الحقل , بدأت تفتش عن طريقة تخرج بها من ورطة العراق مع الأحتفاظ بماء وجهها , والدفاع بقدر الأمكان عن مصالحها في العراق لكي لا تذهب سُدى دماء حوالي (4500) قتيل أمريكي وأكثرمن ( 000 32) جريح, أكثر من ثلثهم مصابون بعوق دائم ( حسب البيانات الأمريكية نفسها) , فضلا عن سمعتها الدولية التي نزلت الى الحضيض , فطرحت للتنفيذ مشروع ( جوزيف بايدن) الذي أقترحه عام 2006 لتقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم ( سني - شيعي - كردي ) . بدأت أمريكا بتنفيذ خطتها بدءاً بجنوب العراق من محافظة البصرة ليكون نواة أو أنموذجا لأقاليم شيعية أخرى مستقبلا وكانت أدواتها جاهزة وهم موقعوا بيان لندن في 17122002 الذين كانوا يسيطرون على الحكم في العراق ومنهم الحكومة المحلية في البصرة آنذاك وهم حزب الفضيلة الشيعي والنائب وائل عبد اللطيف , ولكنهم أصطدموا بالجدار الوطني والشعبي لأهالي البصرة وعشائر الجنوب الوطنية حيث بلغ عدد رؤساء العشائر والأفخاذ الذين وقفوا ضد مشروع التقسيم أكثر من ثمانون رئيس عشيرة وفخذ , فضلا عن المثقفين والتجار ومختلف شرائح المجتمع في البصرة . كانت محاولة أمريكا الأخرى هذه المرة في محافظة الأنبار التي تعتبر من أكبر محافظات العراق مساحة ( 000 138 ) كيلو متر مربع ونفوسها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة حسب تقديرات عام ( 2004 ) كما أنها تحادد ثلاث دول عربية هي(سوريا -الأردن- السعودية ) ومحافظة الأنبار تعرّضت لأقسى عملية عسكرية أمريكية ولا سيّما قضاء الفلوجة بحجة مقاومتها للأحتلال ,وبوشر بتنفيذ مخطط التقسيم بحجة أنشاء فدرالية الأنبار مستندين كذلك على من أعتبرتهم أمريكا من أعوانها وهم الحزب الأسلامي وبعض العشائر التي عملت مع أمريكا تحت راية محاربة القاعدة , الا أن النتائج في الأنبار لم تكن بأفضل من البصرة حينما هبّ مواطنوا الأنبار بمثقفيه وعشائره الوطنية ضد هذا المشروع الهادف الى تمزيق العراق الى دويلات وأمارات طائفية سهلة القيادة لتنفيذ أهداف المحتل وأيران والصهيونية وبعض أمارات الخليج العربي , وكان أقوى هذه الأصوات المعارضة البيان الذي أصدره أمير الدليم الشيخ علي حاتم السليمان الذي رفض أية محاولة للتقسيم تحت أية تسمية كانت, ومن الغريب أن تكون الجهات التي تأتمر بأوامر المحتل محسوبة على الأسلام السياسي سواء كانت شيعية كما في البصرة أو سنيّة كما في الأنبار واضعة نفسها ومستقبلها الى جانب الجهات التي رذلها الشعب العراقي , بدليل فشل معظمها في الأحتفاظ بكراسيها في مجلس النواب الأخير, وأن الناخب العراقي ورغم الضغوط والأغراءات التي شابت هذه الأنتخابات , الا أنه منح صوته لمن يعتقد أنه سوف يسير في خطّ العراق الواحد الموحّد. أما أقليم الشمال الذي يضم المحافظات الكردية الثلاث ( دهوك - أربيل - السليمانية ) فكان الأتفاق شبه تام بين جميع العراقيين وحتى قبل الأحتلال الأمريكي بخصوصيتها وأحقيتها في الحكم الذاتي أو أقليم ضمن الدولة العراقية ولكن بعد 2003 وبروز الدورالكردي وتأثيره القوي في قرارات الدولة العراقية نتيجة المحاصصة الطائفية , فأعتبروا ذلك فرصة قد لا تتكرر في عهود أخرى , فرفعوا سقف طلباتهم حتى المطالبة بتقرير المصير وأنظارهم تتجه نحو الأستقلال التام عن العراق , والأستقلال التام عن العراق لن يكون أمرا سهلا الا في ظل تقسيم العراق الى كيانات ضعيفة . وأستعدادا لذلك توسعوا أفقيا في المناطق المحاذية للمحافظات التي هي خارج خط العرض ( 36 ) الذي كان الحد الفاصل قبل الأحتلال الأمريكي وحاولوا ضم أراضي جديدة تعود الى محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين وكركوك ولأعطاء صفة الشرعية على ضم سهل نينوى الى حدود أقليمهم خرجوا بنظرية ( الحكم الذاتي) تارة وأخرى ( بالمنطقة الآمنة للمسيحيين), وأخيرا ما سميت ( بالمحافظة المسيحية) في مدن وقصبات سهل نينوى , تساندهم في ذلك الأحزاب الآشورية التي راودها الحلم القديم الذي غشّهم به الأنكليز أثناء الحرب العالمية الأولى بأقامة كيان للآثوريين في نينوى التاريخية , بدعم وتمويل من السيد سركيس آغا جان القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان نائبا لرئيس الوزراء ووزير المالية في حكومة أقليم كردستان السابقة مؤسس ما أطلق عليه ( المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ) ليكون عونا للأحزاب الآثورية في تنفيذ خططها ولأحتواء الكلدان وتهميشهم وألغاء قوميتهم , ولأعطاء صفة العمومية لمشاريعهم هذه ضمّوا الى جانبهم بعض الأسماء من الكلدان الساعين خلف المناصب والأموال . أن أساس هذه الدعوة الى أنشاء كيانات مسيحية تحت أسماء مختلفة هو نفس الأساس الذي أستندت عليه محاولات الأسلام السياسي للأحزاب الشيعية والسنيّة التي أتت مع الأحتلال الأمريكي , وهم ينفذون مقررات مؤتمرات المعارضة التي عقدت في الخارج وآخرها مؤتمر لندن , وفيما يتعلق بالمسيحيين فلم يكن من بين من حضروا هذه المؤتمرات أية شخصية من القومية الكلدانية التي هي عماد المسيحيين في العراق حيث تمثل أكثر من ( 80% ) من مسيحيي العراق , بل كان الذين أعتبروا ممثلي المسيحيين العراقيين شخصيتان آثوريتان يحملان التسلسلين الخامس , والخامس والستون من تسلسل أسماء الموقعين على قرارات مؤتمر لندن , مع ملاحظة أن الشخصين المذكورين كانا يحتلان مناصب عالية في حكومة الأقليم الكردي منذ أنشاءه بعد العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 , ولا بد لنا أن نتذكر أن أهم قرار في قرارات مؤتمر لندن (2002 ) كان تقسيم العراق الى كيانات طائفية , لذا كان لزاما عليهما العمل على تنفيذ ما وقّعا عليه . أن المسيحية العراقية ( الذي يمثل الكلدان فيها أكثر من 80% ) هي مسيحية وطنية دافعت عن وطنها العراق منذ الأزل لأن لا وطن آخر لها , عاشت مع مواطنيها العراقيين الآخرين في السراء والضراء , قدّمت قوافل من الشهداء في معارك الدفاع عن العراق ضد الطامعين في أراضيه وموارده , نبغ أبنائها في جميع المجالات العلمية والفنية والأقتصادية والتجارية , كان همّهم الوحيد خدمة العراق , حريصون على وحدة أراضيه وهم ضد أي تقسيم تحت أية تسمية كانت فالعراق كله وطنهم لأنهم أصل العراق بشهادة التاريخ والكتب المقدسة , يمثلهم ويتكلم بأسمهم فقط ( مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق ) الذي يضم كافة البطاركة والأساقفة ورؤساء الكنائس في العراق , وهذا المجلس صرّح وبوضوح , أن العراق كله هو وطن المسيحيين , ولا يمكن حصرهم في منطقة عراقية دون أخرى , لذلك فأي تصريح لأي رجل دين مسيحي يخالف هذا الأجماع أنما هو رأي شخصي لا يعتدّ به .ومن مهازل القدر أن الوطنيين الكلدان الذين يحاربون مؤامرة تقسيم العراق , يطلق عليهم الأحزاب الآشورية والسائرين خلفهم تسمية الأنقساميين !!! ستندحر بعون الله هذه المؤامرة كما أندحرت مؤامرة أنشاء أقليم البصرة أو الأنبار لأن العراق الشامخ لا ولن يقبل القسمة الا على نفسه فقط