رحل نجم ساطع عن عالمنا ، رحل سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري في حرب تشرين العبور العظيم ، رحل الشاذلي الذي كان له رؤية عسكرية فذة ومقتدرة وافقا سياسيا واعيا وحكيما ، سمتهما حب مصر والأمة العربية وسيادتهما على مقدراتهما والحفاظ على تحررهما وانعتا قهما من التبعية والاستغلال ورفضهما للاحتلال واستلاب الحقوق . وهذا هو سعد الدين الشاذلي الذي عبر عن العسكرية المصرية والعربية اسطع تعبير ، رافضا أية مساومة على الحقوق أو انحراف عن المسار أيا كانت المغريات .كان صاحب مشروع ، عبر عنه في السنوات اللاحقة لحرب تشرين المجيدة ، لم يكن يرى في تضحيات جند مصر بوابة للاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة سلام مع مغتصب الأرض والحقوق الثابتة لشعبنا العربي الفلسطيني واخطر ما زرعه الاستعمار في وطننا العربي، ذلك السلام المزعوم الذي أدى إلى تراجع دور مصر حتى أضحت عصا غليظة وهراوة تستخدمها قوى الامبريالية والصهيونية المعادية لطموحات الأمة العربية وشعب مصر الأبي من اجل إجهاض أي متغير حقيقي وايجابي في الوطن العربي وفي القارة السوداء . سعد الدين الشاذلي صاحب نظرة ثاقبة وبعيدة أدرك من خلالها إن ثغرة الدفرسوار هي جيب مهلك عسكريا والأخطر منها سياسيا لو تركت من دون فعل عسكري عزوم وقد تحقق ذلك عندما تم التهاون معها بقرار من أنور السادات تبين فيما بعد انه قرار مدروس للانتقال إلى الصفحة الثانية ألا وهي إقدامه على زيارة الأرض المحتلة وتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية السلام المصري الصهيوني وإعلانه المشؤوم إن حرب تشرين هي أخر حروب مصر والعرب مع المحتلين الغاصبين لأرضنا العربية . ووفق هذا المسار الذي اختطه السادات جاءت سياسة التطبيع ، وان فشلت شعبيا لأنها على خلاف ثوابت ورغبات ومصالح شعبنا العربي في مصر الكنانة ،على نحو اضر بالاقتصاد المصري صناعيا وزراعيا حتى أضحت الزراعة المصرية حقلا لتجارب البذور الصهيونية من اجل إشاعة الآفات الزراعية والإمراض والأوبئة التي تفتك بها بموجب اتفاقيات عقدتها وزارة الزراعة المصرية مع الجانب الصهيوني ، كما جرى نهب لثروات مصر تحت لافتة تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني بأبخس الأسعار، وإقامة مشاريع وشركات مشتركة ، تختفي من خلالها الأداة الصهيونية بينما تتقدم عليها في الواجهة عناوين عربية ومصرية بالاسم فقط ..وخلاف ذلك من تنظيمات سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها ، يسرح ويمرح من خلالها النفوذ الصهيوني الأميركي بالضد من مصالح مصر وشعبها وأمتها العربية ! لقد أدرك الراحل العظيم سعد الدين الشاذلي إن المرحلة اللاحقة لحرب تشرين المجيدة ستطبع دور الجيش المصري بمهمات ليست من مهامه ومن طبيعته وعلى النقيض من دوره المعروف وتوجهاته الحقيقية وثوابته الوطنية والقومية والإفريقية والعالم ثالثية ! أضحى جيش مصر زمن السادات وخلفه حسني يقوم بمهام لحساب أميركا وكيانها الصهيوني في فلسطين المحتلة ، وينخرط في مناورات وادوار في هذه الساحة أو غيرها ليس من مهامها حفظ حقوق مصر والأمة العربية وسيادتهما . وبمرور الأيام والسنوات ، تراجع دور مصر وثقلها العربي والإفريقي والعالم الثالث وتم تجاهل حدود أمنها الوطني والقومي من قوى ودول لم تكن تجرأ أبان دور مصر التحرري والرائد على القيام يذلك ، فتهددت مصر وحوصرت وما عادت إلا في موقع رد الفعل على الإحداث أو إخفاء نظامها لرأسه كما تفعل النعامة ، بعدما كانت مؤثرة في الأحداث ويحسب لها حساب ، وقدوة تقتدي بها شعوب أفريقيا واسيا وأميركا اللاتينية والأمة العربية محيطها وعمقها الحقيقي . وان توارى دور الفقيد سعد الدين الشاذلي السياسي وغيبت حركته التنظيمية لأسباب لامجال لها الآن ، إلا إن الشاذلي بقي رمزا وطنيا شامخا وكفاءة عسكرية نادرة ومقتدرة ، مخلصا لمصر وأمته العربية، لم يضعف أمام المغريات والضغوط ، بقي نظيفا يحمل هموم مصر ويتابع عن كثب كل المتغيرات في الشارع المصري وعلى مستوى سياسة مصر التي انحدر بها حسني إلى منحدرات لا تليق بها . غادرنا الشاذلي وثورة مصر في يومها السابع عشر تكتب حاضرا مجيدا ومستقبلا زاهرا بالأمل والعطاء والدور المرتقب المنشود .رحمك الله يا سعد الدين الشاذلي وأسكنك سبحانه وتعالى فسيح جناته .