منذ الخامس والعشرين من يناير - كانون الثاني - 2011 والأحداث تغلي في مصر والكل عين على الشارع المصري الذي يصنع الحدث وعين على الأطراف التي تحاول من خلف الستار أن تجعل مايجري يصب في مصلحتها، وأن تضع الأمور في نصابها كما تراه هي أو كما يحلو لها... والجميع بأنتظار النتيجة! والكرة تنتقل بين البرادعي وعمر سليمان وشخصيات أخرى بعضها لمع أسمه على شاشة الأحداث ثم أختفى وبعضها من تسلط عليه الأضَواء بشدة، وبعضهم مايزال بأنتظار الدور،،، لكن الشباب الذي صنعوا المستحيل لم يقولوا كلمتهم بعد. هناك سؤلان من المهم الأجابة عنهما وقد يكشفان جانباً من المستور، أولهما من الذي تفاجأ بالحدث ومن لم يتفاجأ ؟ إن قراءة سريعة للأحداث تشير إلى إن الجهة الوحيدة التي لم تتفاجأ بالأحداث بالإضافة إلى المنظمين لها هو الأمن الداخلي المصري! فقد تم إعتقال مجموعة من الشباب أبرزهم وائل غنيم في مرحلة مبكرة جداً من الأزمة على أمل تطويق المسألة من اساسها وإجهاضها... ومع ذلك فقد تفجّر الوضع! ربما كان الأمن الداخلي قد قلل من أهمية الحدث ولم يكن يتوقعه أن يتفجر بمثل هذا الشكل وبمثل هذه الضخامة، لكنه لم يؤخذ به على حين غرة لذا كانت ردة فعله سريعة لكنها أقل مما كان يتمنى حاكم مصر. وقد تكون ردة الفعل المتواضعة هذه أحد الأسباب التي أدت إلى إختيار وزير الداخلية السابق ككبش فداء وتحميله مسؤولية الأخطاء التي حصلت قبل وبعد الحدث. ومن قراءة سلسلة المواقف والتصريحات فيبدو أن كل من أمريكا والجيش المصري ومعظم الأحزاب السياسية المصرية قد تفاجأت بالحدث! وهذا الذي أطال عمر الأزمة وجعلها تقترب من العشرين يوما دون بوادر حل تلوح في الأفق. إن إطالة أمد الأزمة يسمح لكل هذه الأطراف ان ترتب أوراقها بما يناسب المرحلة المقبلة وبما يُمَكّن كل طرف من تجيير النتائج لمصلحته. فهاهم الأمريكان يسابقون الزمن لتقديم بديل يرضي الشارع المصري دون أن يكون مكشوفاً، وهم يعلمون جيداً أن المصريين اذكى من أن يستبدلوا عمر سليمان أو البرادعي أو أحمد شفيق بمبارك. فهؤلاء كلهم مبارك! ومادام البديل ليس جاهزاً بعد فسيبقى الموقف الأمريكي متذبذاً وغير قاطع، فهو مع التغيير ولكنه ليس متحمساً له، وهو مع الديمقراطية ولكنه ليس مستعجلاً والغرض كسب مزيد من الوقت لتهيئة الأرضية للبديل القادم. أما الجيش، فمازال على الحياد والحياد السلبي أحياناً ومازالت قياداته لم تفرز موقفاً وطنياً واضحاً يجعل النظام المصري في وضع لا خيار له أمامه غير الرحيل، وهو اي الجيش مابرح يراوح في محله ورجل في الجنة والأخرى في النار. إن حاجة الجيش إلى حركة وطنية داخلية تحسم الأمور أصبحت ماسة وحيوية، ولو كان الجيش مستعداً للحدث لكانت هذه الحركة قد حسمت الوضع لصالح الشعب والجماهير بدلاً من أن تدخل في لعبة الإنتظار والمطاولة هذه. إن الجيش المصري بتاريخه العريق والمشرف لقادر على أن يسدد اللكمة القاضية إلى نظام اصبح يترنح تحت وطأة ثورة جماهيرية عارمة عمت مصر من اقصاها إلى اقصاها. كما إن جيشاً وطنياً كجيش مصر لقادر على سحب البساط من تحت أي مغامر قد تدفعه الولايات المتحدة الأمريكية لتقدم الصفوف وأخذ زمام المبادرة وتجييرها لصالح أسياده. وبينما تشكل الأحزاب الوطنية في مصر ثقلاً سياسياً وشعبياً كبيراً. لا يقلل من أهميته الثقل ولا من حجم تاثيره عدم حصول هذه الأحزاب على مقاعد برلمانية في الإنتخابات الأخيرة التي فقدت شرعيتها قبل أن تولد والتي كانت مثالاً صارخاً على التزوير والتلاعب وشراء الأصوات. وبأستثناء حركة الأخوان المسلمين التي تعاني من رفض شعبي يمكن تفسيره على اساسين أهمهما التخوف من الإسلام السياسي بسبب فشل التجارب السابقة في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي في تقديم النموذج المعتدل المقبول شعبياً وشرعياً، وبسبب الحملات الإعلامية القاسية التي شنها النظام المصري عليه إضافة للممارسات الخاطئة التي مارستها قيادات الأخوان، نقول بأستثناء الأخوان فقد كان بمقدور الأحزاب الوطنية الأخرى تقديم الوجه الوطني المشرق الذي يقود الجماهير الغاضبة والذي يستطيع هو وتستطيع تلك الأحزاب من خلاله إيصال سفينة التغيير إلى بر الأمان. ولكنها المفاجأة هي التي منعت ظهور هذه الوجه أو لنقل غياب مثل هذه الوجه عن ساحة الأحداث. وأكتفت الأحزاب الوطنية هذه بأدوار هامشية وتصريحات يحذر فيها أحدهم الآخر من "ركوب الموجة" و"إستغلال المشاعر". وثاني الأسئلة التي تبرز إلى السطح هو من يقود هذه الجماهير إذن ؟؟؟ ومادام الكل يؤكد أن الحركة من صنع الشعب وأن الشباب هم الذين يخططون وينفذون فمن هم هؤلاء الشباب؟ ومن يقودهم؟ ربما يمتلك الناس الذين يتواجدون في ميدان التحرير بالقاهرة جواباً على هذا السؤال، لكن اياً من مراسلي القنوات الفضائية أو وكالات الأنباء من الذين كانوا فعلاً في الميدان لم يجب على هذا السؤال. فمن يقود إذن؟ إن الوضع هناك في ميدان التحرير وماحوله هو ساحة حرب حقيقية، ولكن باسلحة ليست تقليدية، ولو تناسينا للحظات أن هناك جانبان: جانب الجماهير وجانب الحكومة الذي يخطط لإفشال وإحراج وإخراج المتظاهرين من ميدان التحرير- وهذا وحده يستدعي جهداً كبيراً لرصده والتحرك بالضد من مخططاته، نقول لو تناسينا ذلك فأن تحريك وإدامة زخم مثل هذه التجمعات البشرية الكبيرة ليست بالمهمة الصعبة ولكنها مهمة تقترب من المعجزة! إن الأمور الإدارية واللوجستية التي تتطلبها مثل هكذا مهمة هائلة وكثيرة ويصعب الإحاطة بها لمن لم يتعامل مع مثلها، فتوفير المشرب والمأكل- ولو كان بسيطاً- والمأوى ولو كان متواضعاً لمائة ألف على أقل تقدير ليس أمراً هيناً، وتنظيف الميدان بوجود مثل هذه الحشود ليس لعبة والمحافظة على الأمن الداخلي داخل الميدان ليس تسلية وكل هذه أمور اساسية فكيف ونحن نتكلم عن مستلزمات أكبر كثيراً مما سبق منها أجهزة صوت وشاشات تلفزيون وحملات توعية وغيرها كثير، إضافة إلى القابلية على تحريك الحشود لسد المنافذ وتجنب المواجهة وتطبيب المرضى وغيرها ولأيام قد تطول. ومن المهم هنا أن نلفت النظر إلى أن حسن الأدارة هذا قد رافقه وعي عالٍ أدى إلى يكون مطلب المتظاهرين مطلباً واحداً لاغير، كان في البداية إسقاط حسني مبارك ثم أرتفع سقف المطلب الواحد رداً على مناورات النظام ليصبح الشعار "إسقاط النظام". فمن الذي يقود؟؟؟ لسنا متأكدين ولكننا وبتواضع نرى أن هناك قيادة ميدانية واعية وذات خبرة كبيرة وواسعة وذات حرفية عالية تخطط وتقود وتشارك، ولا بد ان تضم هذه القيادة كفاءات عسكرية-ربما سابقة- وسياسية وإقتصادية وشخصيات حزبية وطنية إضافة إلى الشباب الذي يجيد التعامل مع التكنولوجيا ويتحمل الضغط الميداني ويعبأ الجماهيروستكشف هذ القيادة عن وجهها في الوقت المناسب الذي لا نشك في حسن إختيارها له بعد أن أثتبتت جدارتها في صفحات جهادية أصعب واكثر خطراً. إذن ماهو الرهان؟ إن من أستطاع قيادة الأزمة وبهذه الكفاءة والهمة والمبدأية العالية لقادر على أن يخرج منها منتصراً رغم ضراوة المنافسة مع المعسكر الأمريكي المعادي الذي سيحاول في حال فشله في تقديم البديل أن يلتف على القيادة الشابة محاولاً إغراءها ... ومن يطالع الأخبار سيرى أن هذه المرحلة قد بدأت بتسليط أضواء البطولة على وائل غنيم ومحاولة دفعه إلى الواجهة، والذي نرجو أن يعي دوره جيداً وأن يفهم لعبة الإعلام الغربي الذي يصب أولاً واخيراً في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني المعادي لمصر وللأمة العربية. ولأن الثوريين متفائلون فدعونا نأمل بمصر عربية تنبض في قلب الأمة لتعيد الحياة في أحلام أوشكت أن تموت.