لدى الحكام العرب , خلافا لبقية حكام العالم , ميزات وصفات كثيرة. , جميعها بطبيعة الحال سيئة أو سلبية , سواء كبشر أم كقادة دول. والغباء , بشقيه الثقافي والسياسي , يشكّل القاسم المشترك بين جميع حكام هذه الأمة التي بدأت تتمرد وترفض بتحدي أن تبقى"أمّة ضحكت من جهلها الأممُ". فعلى مدى عقود طويلة مارس حكّامها المُصابون بجنون العظمة , رغم أنهم خدم وعملاء لأمريكا والكيان الصهيوني , عمليات مراوغة ولف ودوران للبقاء والتعفّن على كرسي الحُكم , مستخدمين بذلك الدستور الذي فّصل على مقاس أكتافهم ومؤخراتهم حتى تستوعبها مقاعد القصر الرئاسي الوثيرة جدا. وبسبب ذات الغباء الممزوج بالغطرسة والعجرفة والتعالي تمادى الحكام العرب في غرورهم وتجذّرت قناعتهم بانهم من طينة خاصة جُلبت من كوكب آخر , وشعوبهم من طين الشوارع والحُفر المهملة.إحتموا دائما كالخراف السائبة في ظل أسيادهم في الغرب الذين زوّدوهم بانواع لا تُحصى من أدولات القمع والتعذيب وترويع الناس , وأسكنوهم في قصور رئاسية لا تختلف عن القلاع المحصّنة في القرون الوسطى الاّ بشكلها الخارجي. فازادت عزلتهم في جنان النعيم والترف والبذخ وما لذّ وطاب في هذه الدُني , بينما شعوبهم تموت واقفة في طوابير الخبز والمحروقات والدواء. ولم يكتفِ الحكام العرب بسرقة لقمة خبز الشعوب المغمسة أصلا بألف مأساة وفجيعة , بل شرعوا في تأسيس عصابات مافيا على أحدث الطرق والموضات , يتصدرها رجال أعمال وسماسرة لهم باع طويل في النهب والسلب وامتصاص آخر قطرة من دم شعوبهم المجوّعة. هؤلاء اللصوص والسُراق تربّعو , كما هي الحال في مصر , على سدّة الحُكم الى جانب صنمهم المفضّل , حسني اللامبارك , الذي عجز لمدة ثلاثين عام , لأنه يحتقر شعبه ويعتبره قاصر , أن يجد له نائبا من بين ثمانين مليون مصري. مع أن مصر هي أمُ الدنيا ! لكن من سوء حظ الحكام العرب , الذين جرّوا على شعوبهم الويلات والمآسي والحرمان من أبسط حقوق البشر , أن السلطة والجاه والعظمة الزائفة التي بنوها وأسسوها وساهمت في إستمرار وديمومة نظامهم القمعي الجائر , طبعا بدعم ومساندة لا محدودة من قبل أسيادهم في أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني , لا تدوم يوما واحداعندما تقترب ساعة الحسم مع الشعوب التي إبتلت بهم. ثم أن مشكلة الزعماء العرب , سواءا كانون حلفاء مخلصين وخدم لأمريكا كفرعون مصر اللامبارك أم مجرد مجرّد سائرين في فلكها وهائمين بعشقه , يتجاهلون بسبب قصر النظر وقراءة التاريخ بالمقلوب , أن البيت الأبيض لا ينفعهم في اليوم الأسود الذي ينتظرهم.فها هي دولة العام سام , وبعد أن جعلت من الدكتاتور حسني اللامبارك , شريك أساسي في كلّ جريمة ومجزرة وحرب قامت به , في العراق وغزة والضفة الغربية وافغانستان والصومال وغيره , بدأت رويدارويدا تسحب البساط من تحت قدميه المرتجفتين. وبالرغم من أن إدارة باراك أوباما لم تطلب بصريح العبارة , لأسباب لها علاقة مباشرة بالكيان الصهيوني وسلامة وأمن شعبه"المختار"من عميلها حسني مبارك التنحّي فوراعن السلطة ومغادرة المسرح , الاّ أنها أرسلت له أكثر من رسالة وعبر أكثر من مسؤول وباوضح العبارات بان "أيامه باتت معدودة". والحر تكفيه الاشارة. لكن حسني اللامبارك الذي أرتضى لنفسه أن يكون عبدا وتابعا ذليلا لواشنطن وتل أبيب سوف يصمّ أذانه كالعادة ويستمر في عناده المعهود. إن قدرة أمريكا على خلق وصناعة العملاء والأعداء فائقة ولا تنافسها في هذا الميدان أية دولة في العالم. وسياستها الخارجية تقوم , خصوصا مع العملاء , على مبدأ ثابت لا يتغيّر أبدا مع تغيّر الادارات والرؤساء. ومفاده أن على العميل , المعيّن أمريكيا كرئيس في هذه الدولة أو تلك , ولقاء إستمرا نظامه مهما كان قمعيا ودموي , أن يدرك إن مصالح دولة العام سام يجب أن تكون فوق مصالح شعبه حتى إذا أبيد هذا الشعب جوعا وحرمانا ومرضا وقهرا. كما انها تعطيه الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء بوطنه نهبا وسلبا وتخريبا في ثرواته وخيراته الوطنية. لكنه , أي أمريك , سرعان ما تدير ظهرها لمن خدمها ولعق أحذية مسؤوليها وساستها وساهم في كل مشاريعها العدوانية ضد الدول والشعوب الأخرى , كما فعل راضيا مرضيا فرعون مصر مبارك. فمَن لا يستمد شرعيته من شعبه ولا يلقي الدعم منه ولا يحظى بتأييده وإحترامه , لا تستطيع ألف أمريكا إنقاذه من ثورة ملايين الجياع والمضطهدين والمحرومين , يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا حتى بني صهيون ومعاهدة "كامب ديفيد" المشؤومة المذلّة. وبعد ثلاين عاما عُجافا حفل فيها سجل حسني اللامبارك بشتى أنواع المؤامرات والدسائس على الدول العربية والاسلامية. هاهو اليوم , حسني اللامبارك وحيدا فريد , يواجه مصيره المحتوم كأي دكتاتور جائر متجبّر , بعد أن سقطت وتلفت جيمع الأقنعة المستوردة من أمريكا وإسرائيل التي إستخدمها في إذلال وإفقار وحرمان الشعب المصري العظيم. ولأنه , أي الفرعون مبارك , متشبّث بكرسي السلطة بكل ما تبقى له من قوى جسدية وعقلية وأمنية ومخابراتية , الاّ أن نهايته البائسة بدأت تلوح في الأفق في تزامن رائع وبديع مع بزوغ شمس جديدة على شعب مصر البطل , وسط سماء زرقاء خالية من عيوم وضباب القمع والارهاب وحُكم العائلية الفرعونية الفاسدة. mkhalaf@alice.it