تسعير المنطقة ورفع درجات حرارتها إلى مستويات الصهر يسمح بإعادة المناطق الصلبة ويمطّ جغرافيّتها حسب طلب "الصاهر" حتّى لو كانت بمستوى منطقة الشرق الأوسط وتغييرها إلى منطقة شرق أوسط جديد , ولا غرابة أن جاء التغيير بوجه جديد هذه المرّة ,أو يبدو أنّه جاء بهذا الشكل , فقد جاء على شكل "وثائق" لفضائح سياسيّة وأخلاقيّة أبطالها لا زالوا في سدّة الحكم , في المنطقة , وفي الكثير من دول العالم بما فيها فضائح طالت ساسة في البيت الأبيض الأميركي نفسه , قام بنشرها "ويكيليس" اشتعلت لوثائقه التي قدّمها , غابات السياسة في العالم أجمع , بما فيها حدائق جهات إعلاميّة وغير إعلاميّة بارزة , وقد أثار الناشر بتوقيت نشره لوثائقه الكثير من علامات الاستفهام , حول حياديّة ما يتم نشره , من غيره , ولمصلحة من هذ الفضح المدوّي , وما الأغراض التي تسعى إليها هذه الحملة المستعرة بمئات الآلاف من الوثائق الموثّقة التي تفضح الكثير من الأسرار الدوليّة التي كان القسم الأكبر منها حمل نتائج كارثيّة على الكثير من دول العالم كانت جريمة احتلال العراق أهمّها وأغربها , فيما حبس المراقبون الدوليّون أنفاسهم تحسّباً لغايات لابدّ وتكون قادمة , درجة حساسيّتها , وأهميّتها , تكمن خلف هذه الأسرار التي يقدّمها للعالم , ويكيليكس ... انشغل المحلّلون والمتابعون والسياسيّون والمشتغلون بحاسة التوقّع , وكذا الحذرون , عن الأهداف الحقيقيّة أو الهدف الحقيقي الذي يقف وراء هذا الكرم الحاتمي من البذخ والإسراف والتبذير في نشر هذه التلال الورقيّة من أسرار دولة هي الأعظم في عصرنا الحالي ترافقها تهديدات ووعيد بالويل والثبور الذين سيلحقان بهذا الشيطان الذي يتحدّى البنتاغون وساسة البيت الأبيض في نشر مئات الألوف من الوثائق السرّيّة التي تفضح جميع ساسة العالم الأحياء منهم والأموات بينما لا يستطيعون القبض عليه رغم كونه مواطن أوروبّي يسكن أوروبّا وليست جبال تورا بورا! بل ويعلنون عن خوفهم وقلقهم من اجتياز العقبات القانونيّة لما يتملّكهم , من حياء ومن خجل لا يريدون أن يقعوا ضحيّتهما أمام حكومات وشعوب دول العالم ! بل ويختلقون الصعوبات في النيل من هذا الناشر العنيد ويعقّدون سبل ملاحقته ويكتفون بتهديده على طريقة "جاك الذيب جاك الواوي" و "إكعد ولك .. وِلك إكعد وِلك .. وِلك والله خجّلتنه .. وِلك عيب منّا الوادم .. ولكّ فشّلتنه !" بينما صاحبنا يستمر بنشر الوثائق ويلقي خطب التحدّي وقرارات المضيّ برسالته الإعلاميّة ! , وهي مسرحيّة بلا شكّ , تذكّرنا فصولها المعرّاة بمسرحيّة بوش وقناة "الجزيرة" القطريّة عشية غزو العراق واحتلاله الديمقراطيّ "المجتمعي" النزيه ! حين هدّد بوش بقصف قناة الجزيرة "إذا لم تكفّ عن إثارة الفتن !" في حين أن مكتب هذه القناة الخبيثة لا يبعد أكثر من خطوات قليلة عن أكبر قاعدة عسكريّة أميركيّة في "دولة" قطرعرفها العالم , قديمه وحديثه , بإمكان ثلاثة أو أربعة من عساكر الخدمات في هذه القاعدة العسكريّة الضخمة الذهاب إلى مكتب هذه القناة مشياً على الأقدام بدون واسطة نقل "شبح" وإغلاق مكتبها دون عناء يذكر , ولنا في عساكر القائد العام للقوات المسلّحة العراقيّة الأب القائد المهيب الركن أبو إسراء حفظه الله ورعاه , المثال , الذي يحتذى في مثل هكذا أمور عندما أغلقت قوّات حرسه الجمهوري دون عناء يذكر قناة البغداديّة الإرهابيّة في بغداد لم تتعدّى القوّة المداهمة لمكتبها سوى مدرّعتين "صناعة أميركيّة صديقة" من ذوات الهبّة الخلفيّة وربع فرقة من فرقة قوّات "العِتوي" لا أكثر ولا أقل ... من خلال تضارب التصريحات الغربيّة وارتباكها , خاصّة قلق اوباما الواضح على مصير النظام المصري , نستنتج التالي : ـ أنّ الانتفاضة في مصر خرجت "تقريباً" من أيدي الغرب , ولربّما بشكل نهائي هذه المرّة , بعد أن استولى الغرب على مصر منذ أن كسرت جيوش الخديوي محمّد علي على أيدي القوّات الانكليزيّة والفرنسيّة معاً بدعم من السلطان العثماني , ولغاية اليوم , أي منذ ما ناهز القرنين من الزمان ! , فيما عدى "الحقبة الناصريّة" التي وجد فيها الغرب ضرورة ملحّة لمواجهة المدّ الايديولوجي الشيوعي بأيديولوجيا مناطقيّة يمكن السيطرة عليها فيما بعد بعد أن تكون الأمور العالميّة استتبّت للغرب مرّة أخرى ! .. ولا ننسىً أيضا أنّ خروج مصر "مصرالدولة" وانفصال هيكلها الوظيفي عن سيطرة الغرب يعتبر بمثابة نكبة كبرى سيكون وقعها عليه أعلى بكثير من سقوطه الاقتصادي المتهاوي على أيدي نشامى العراق , فخروج مصر من السيطرة الغربيّة سيكون أثمن شيء سيسقط من قلاع يمتلكها الغرب في المنطقة يوازي تأثيره العام عليه زلزال سقوط قلعة درّة التاج البريطاني "الهند" ! ومع كل ذلك , فإنّنا لا يمكننا أنّ نقطع بشكل نهائي أو نقرّ بأنّ وثائق وليكليكس التي نشرها جاءت على شكل محفّزات مخطّط لها مسبقاً لتثوّر "ولو أنّ كلمة تثوّر غير محبّبة وبعيدة كل البعد عن نبض المصطلح الرأسمالي الغربي !" لتثوّر الشارع العربي وتهيئته كأداة مهمّة من أدوات تغيير "الشرق الأوسط" بشرق جديد ! بل يجب , بحسب رأيي , أن نضع نصب أعيننا , أيضاً , أن الولايات المتّحدة الأميركيّة , لربّما , قد أحسّت , ومنذ وقت مبكّر , بحالة الغليان الشعبي العربي الطامح لتغيير أوضاعه بعد أن شعر هذا الشعب بالمآسي المتراكمة وهي تنهال عليه منذ عقود طويلة وتخترق جميع أسوار محيط جسده لتدقّ عظمه المتوجّع من مكابدة الفقر المدقع والجوع ومصادرة التعبير والقهر وآلام الذل وضبابيّة وانعدام مستقبله , فركبت , كعادتها , الولايات المتحدة الاميركية الموجه , ولكن من وقت مبكّر , بعد أن قرأت في صفحات "مصالحها" في المنطقة نتائج مستقبليّة غير سارّة بالنسبة إليها , فجاءت الوثائق بمثابة تغطية منها مسبقة وشاملة وبمثابة "تعجيج" لأثارة غبار التطبيع المحيط بالبلدان العربيّة من دول جوار خارج المنظومة العربيّة وتهيأتها لقبول المتغيّرات السياسيّة المحتملة لهذه البلدان قد تؤدّي ما ستصل إليه هذه الدول من حسابات في نهاية الأمر إلى اتخاذها التدابير اللازمة لتحديد وتقنين حركة التغيير العربيّة أو تساعد هذه الدول الغرب في امتصاص نهوضها!...