ليس من السهل الخوض بموضوعة انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم , لان الإشكاليات التي تحيط بهذا الموضوع عديدة ومركبـــة ومتراكمة , منها عوامل داخلية وأخرى خارجية , ولكن إننا هنا نريد أن نربط الجزء بالكل والكل بالجزء , واعـــــــني بهذا تسليط الضوء على وضــع السودان كـكل ومن ثم الجزء أي الجنوب , لنصل للأسباب وراء المطالبة بالانفصال ونقول : السودان كغيره من بعض أقـطار الوطن العربي , نظامه يعاني من أزمة في الديمقراطية وهنا لبد لنا انا نعرف وبشكل مختصر الديمقراطية: فـــــهي النظام الذي يحرر المواطنين من العــبودية السياسية والخوف ,ويطلـــق . الطاقات الاجتماعية للإنتاج والإبــداع والتنافس وتحقيق التراكم المادي والمعنوي , ويعزز اللحمة الوطنية والقومية استنادا إلى رابـــــطة المواطنة , وما أحوج المجتمع السوداني (ومجتمعاتنا العربية ) , الذي يعطل الاستبداد طاقات أبناء الوطن ويستبعدهم عن المشاركة في صنع مصيرهم , نحوالديمقراطية التي هي وسيلة لطلب التقدم , كما أنها أي الديمقراطية ضرورة لا غنى عنها لأنها تفتح أمام مجتمعاتنا سبل الخروج من أصفاد الكبت السياسي والاستبداد , كما إنها ضرورة أساسية , كونها الوسيلة الأمثل لإطلاق طاقات الجماهير وتحريرها من السلبية والتواكل , والزج بـــها في معركة البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي .... ومجتمعاتنا العربــــــية ومن ضمنها المجتمع السوداني ,كغيرها من المجتمعات العربية البشرية لا يمكن لها أن تكسب معركة التنمية إلا بفك قيود العبودية السياسية وتحريــر إرادتها المصادرة ونيلها فرص المشاركة في صنع المستقبل والمصير , كما ان الديمقراطية , هي القــــــاعدة التي تبنى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع , والتي ينبغي بالتالي أن تقوم عليها العلاقة في مجتمعنا العربي ومنه السودان , فحين لا تســـتقيم العلاقة بين الدولــة والمجتمع وفق الضرورة الديمقراطية , يشعر المواطنون بأنهم محــــض رغبة للسلطة, والسلــــطان, وعندها تنشأ أسبـــــاب الاحــــتقان والاضطراب والحراك نحو العنف , والنزوع نحو أساليب لا تتمناها الجماهير , ومنها الانفصال والتمــــرد المسلح ,وهذاما يحصل في مجتمعاتنا العربية , ولكن العلاقة عندما تقوم بين الدولة ( وسلطتها التنفيذية والتشريعية ) والجماهير على قاعدة الديمقراطية , يـــــكون المجتمع في صدارة من يحمي الدولة وسلطتها التنفيذية والتشريعية ويـــــدافع عنها على خلفية شعوره بأنها دولــــته , وهذا ما تــفتــقده مجتمعاتنا , ومنها السودان , وخاصة جنوبه , لان قيام العلاقة بين الدولة والمجتمع على مقتضى ديمقراطي من شانه أن يحـــصن جبهة الوطن ويجعلها بمنأى عن اي مخاطر داخلية أو خارجية . من هنا أصبح النزوع نحو التمرد المسلح ضد الدولة احد الوسائل الاضطرارية , ونتيجة لعدم حل المشاكل السياسية والاقتصادية ..... الخ أصبح الانفصال أسلوبا للخروج من هذه المظالم , بدل اللجوء للدولة لحلها مجتمعة , كما إن عدم اعتماد الديمقراطية قد أدى بالتالي إلى انعدام توزيع السلطة والثروة بمقتضى ديمقراطي وعادل , وهذا بدوره أدى إلى تفاقم الأوضاع حــــتى وصلت إلى مرحـــلة خـــــطرة على السودان عامة وجنوبه خاصة , لان ابن الجنوب يشعر بان 40 بالمائة من المــراعـي و 60 بالمـــائة من الأرض الزراعية تقع في هــــذا الجنوب الذي مساحته 648 كيلو مترا مربعا , ونفوسه أكثر من 8 ملايين و200 ألف نسمة اغلبهم من غير المسلمين ,إضافة لما يشعر به المواطن في جنوب السودان من إن عائدات الثروة النفطية لا توزع بشكل عادل . هذا من جانب ومن جانب آخر فان الدول العربية الغنية أهملت احتياجات السودان ككل للتنمية وعزفت عن تقديم ما يمكن تقديمه , ومن منطلق أن السودان يشكل سلة الغذاء العربي لو تم توظيف جزء من عائدات النفط العربي في التنمية هناك بدل توظيفها في أوربــــــــــا وأمريكا لأمكن تجنيب السودان المخاطر الحالية , وبذات الوقت لأمكن تامين الغذاء العربي من هذا البلد المعطاء, وغلق أبوب التفكــــــير بالانفصال ,لان الفقر والحرمان والحكم الشمولي لا يأتي إلا بهذه النتائج التي تجعل الظروف مواتية للمقص الصهيوأمركي أن يحضر قبل غيره إلى السودان ,ذلك لان هذا المقص يتعكز على نقطتين مهمتين : الأولـــى هي انعدام الديمقراطية , والثانيــــة وجود أقليات عنصرية وطائفية في الوطن العربــــــي يزين لها أن الانفصال عن الأوطان هو سبيلها للديمقراطية والازدهار , وحقيقة الأمر إن الانفــــصال هو سقوط في مستنقع التبعية للامبريالية والصهيونية , لان مشاكل جمة سوف تظهر بعد الانفصــــــال ليس بمستطاع الانفصاليين حلها ,مــا يجعلهم أسرى بيد الامبريالية والصهيونية , وهذا ما تهدفان إليه في السودان اليوم وغدا في قطر عربي آخر , والدالة على ذلك ما حصـل في العراق بعد الاحتلال عام 2003, كما إن الدموع التي تذرفها الامبريالية على الأقليات القومية والطائفية في وطـــــننا العربي لا تذرف بصدد إقرار حق تقرير المصير لشعبنا الفلسطيني المجاهد , وتمنع قيام دولته المستقلة حتى ولو على الأرضـــــي التي احتلها الكــــــــيان الصهيوني بدعم مباشر من الامبريالية العالمية عام 1967, ويمانع في طرح موضوع قيام الدولة في الأمم المتحدة على أساس القـرارات الدولية الصادرة بعد حرب حزيران 1967 بتهديدها باستعمال الفيتو ضد الحق الفلسطيني . من هنا فان نظامنا العربي الرسمي مهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى بوصول المقص الصهيوأمريكي إليه, ما لم يعد النظر في مسألة تقاسم السلطة والثروة على مقتضى ديمقراطي ومنع تدحرج الكرة نحو مخاطر لا تحمد عقباها .