الحزب هو نتيجة المعاناة، هو ثمرة معاناة أبناء مخلصين لهذه الأمة وشاعرين بمسؤوليتهم تجاهها حزموا أمرهم وتوكلوا على الله وتصدوا لمهمة صعبة جدا وها قد مضى ما يقرب من نصف قرن والحزب قائم يتطلع إلى المستقبل بإيمان وتفاؤل رغم كل المظاهر المثبطة التي نراها في الواقع العربي، فإذن هذه هي الميزة الأساسية للحزب، هذا التجاوب ألصميمي الخالص لوجه الأمة، هذا الانقطاع لخدمة قضيته، هذا التهيؤ النفسي والروحي والعقلي لمواكبة مصيرها، والاستجابة للواجبات المترتبة على المناضلين ولإيجاد حلول لما يعترض نهضة الأمة وحركة انبعاثها من عقبات ومن صدمات متسلحين بالإيمان العميق الحي المتجدد على الدوام، متسلحين بالحب للأمة ولتاريخها ولعبقريتها ولبطولاتها وللغتها ولأبناء الشعب الذين يجسدون هذه الأمة. اعتقد بان ألبعثي الذي يستلهم الدوافع الأولى العميقة التي دفعت الأجيال البعثية منذ البداية وحتى الآن إلى العمل والنضال، يستلهم الإيمان ويستلهم المحبة ويستلهم العقل والموقف العقلاني الذي هو شرط أساسي لمن يتصدى لمهمة قومية جليلة أن يكون مستوعبا لظروف الأمة في حاضرها وفي ماضيها وظروف ما يحيط بها.. ظروف العالم وشروط النهوض والتقدم والصراع والدفاع والمقاومة.. إن ألبعثي الذي يعود بين الحين والآخر إلى هذه الدوافع يتذكرها، يجددها في نفسه، اقدّر بأنه لا ينظر إلى أوضاع الأمة نظرة تشاؤمية ولا يرى ما يبرر اليأس رغم كل شيء، بل ان إيمانه يجعله في حالة نشوة عندما يواجه الحالات الصعبة لأنه إنما وجد حزب البعث وإنما وجد المناضلون البعثيون للمهام التاريخية. وهذا كان واضحا منذ البداية، بأنهم مدعوون للاضطلاع بمهمة تاريخية فالبعثي في حالات الأزمات المستعصية يشعر ببعثتيه ويشعر بوجوده كمناضل وعندما يعود ألبعثي إلى الرافد الآخر، إلى جانب الإيمان أي إلى العقل والى العقلانية والى ما زوده به حزبه من منطلق ومبادئ وطريقة في التحليل والتعليل لمشاكل الأمة فانه يصل أيضا إلى نفس النتيجة بأنه ليس هناك ما يدعو إلى اليأس والى التشاؤم إذ أن هذه الأوضاع المؤسفة والممضة لها تفسيرها فهي ليست مستعصية على التحليل العقلاني وبالتالي ليست مستعصية على الحل لأننا إذا نظرنا نظرة متأنية بعيدة عن الانفعال، فيها الوضوح وفيها التجرد، سنجد أن كل حالة من هذا الحالات التي نشاهدها على مساحة وطننا العربي الكبير لكل منها أسبابها القريبة والبعيدة. والنتيجة التي نخرج بها من هذا التحليل الأولي، هي إن الشعب العربي في مختلف أقطاره بريء من هذه الأوضاع وأنها أوضاع مفروضة ومزورة وإنها بالتالي لا يمكن ان تنال من ثقتنا بشعبنا وانه مستعد دوما لتلبية نداء النضال ولسماع كلمة الحق ولان يعطي أكثر مما يطلب منه ومما يتوقع منه وهكذا كان دوما شأن الشعب. نحن نعيش في صميم تجربة عربية وحالة انبعاثية بكل معاني الكلمة هي وحدها كافية لكي تبعد عن نفوسنا كل اثر للتشاؤم واليأس وهي كافية لكي تملأ نفوسنا بالثقة والأمل والتفاؤل وتجديد الإيمان بأمتنا وبمستقبلها، هي الحالة التي يعيشها العراق ألبعثي والتي نرجو أن تكون بإشعاعها طريقا إلى معالجة هذه المظاهر المرضية في الأوضاع العربية، على الأقل في القدوة وفي الاقتداء بان تبعث الأمل حتى في أبعد بقعة عربية عندما يصلها أخبار هذه البطولات التي تتحقق على ارض العراق، عندما يعرف العربي في كل جزء وحتى في الأجزاء النائية من الوطن هذا الصمود التاريخي، وبأنه لم يوجد صدفة هذا الصمود الرائع، هو بناء شامخ أعد له منذ سنين وسنين وبني على هذه الأسس التي ذكرناها وبهذه الدوافع، بالإيمان بالأمة وبحب الشعب وبالنضج العقلاني، النضج والحكمة، حتى أمكن أن يرتفع مثل هذا البناء الفريد في الواقع العربي ولكنه هو من تربة هذا الوطن ومن عبقرية هذه الأمة.