قبل أربع سنوات زُفّ الشهيد صدّام حسين المجيد في موكب لم تر الدنيا له مثيلا.. قاد جلاّديه إلى المشنقة، وسار متّئدا إلى صهوة الخلود فامتطاها بعزم الفارس وشجاعة المقاتل وثبات المؤمن. أربع سنوات تمرّ على الاغتيال الغادر.. والشهيد لا يزداد إلاّ حضورا في وجدان شعبه وفي ذاكرة الأحرار والشرفاء. تتوهّج صورة الشهيد صدّام وترتفع هامته حتّى لكأنّ ما فعله أعداؤه به كان جزءا من صورة الخلود لا يكتمل المشهد دونه. لم يكن صدّام حسين ملاكا، وما كان يجب أن يكون .. لكنّه بالقطع لم يكن شيطانا مثلما حرص الإعلام المعادي على تصويره وعلى اقتناص ما ارتُكب من أخطاء في فترة حكمه ليضخّموا ويهوّلوا وينفّروا الناس لاسيّما الأجيال الشابّة من تجربته ومن فكر البعث كذلك.. نجحت أمريكا إلى حدّ ما في شنّ حملة قذرة على العراق حكومة وقيادة توّجتها بعدوانها الوحشيّ الذي أسفر عن الاحتلال العسكريّ لكامل أرض العراق، مثلما نجحت في تدمير هياكل الدولة العراقيّة بكلّ مؤسّساتها وعصفت بالنسيج الاجتماعيّ لشعب العراق العظيم ووضعت يدها على الثروة النفطيّة العراقيّة الهائلة.. وربّما صوّر لها جنون العظمة أنّها أنهت دور العراق العربيّ إلى الأبد وأخضعت المقاومة وقدّمت درسا لكلّ من يفكّر في تحدّي القوّة الأمريكيّة.. كلّ هذا كان محض خيال.. هذا ما يقوله الأمريكيّون أنفسهم.. خبراؤهم ومختصّوهم.. وأحيانا عقلاؤهم..لقد عصف حجم الخسائر البشريّة والماديّة التي تكبّدتها قوات الاحتلال الأمريكيّة بهيبة أمريكا واقتصادها ومكانتها في العالم. ومع عجز الموازنة الأمريكيّة عن تحمّل نفقات الحرب فقد حسمت الإدارة الأمريكيّة خيارها السياسيّ بحتميّة انسحاب القوّات الغازية من العراق أو جدولته. وهو خيار حدّدته المصالح الأمريكيّة أوّلا وآخرا.لم يُجد التعتيم في إخفاء أعداد قتلاهم.. ولم يُجد العنف في إخضاع شوكة المقاومة.. إن قصّة الأربعة آلاف وبضع مئات من القتلى التي دأب البنتاغون على تبنّيها لم تعد تنطلي على أحد، وأغلب الدراسات المحايدة والإحصاءات العلميّة الموثوقة ترفع عدد قتلى الأمريكيّين إلى حوالي 32 ألف قتيل و224 ألف جريح بحسب آخر رقم لوزارة المحاربين القدامى. أمّا عن كلفة الحرب فبعد أن كانت أربعة مليارات و(400) مليون دولار شهريّا عام 2003، ارتفعت عام 2008 لتصل إلى (12) مليار دولار شهريّا، فيما بلغت الكلفة الإجماليّة لاحتلال العراق طبقا للمصادر الأمريكيّة وفي مقدّمتها تقرير اللجنة الاقتصاديّة المشتركة التابعة للكونغرس (1.8) تريليون دولار . كلّ هذا حدث أثناء الغزو وقبل أسر الشهيد صدّام وأثناءه.. وكذلك بعد اغتياله. والذين كانوا يروّجون لضعف المقاومة بعد أسر الرئيس الشهيد كانوا واهمين.. أمّا الذين كانوا يتوقّعون انهيارها بعد اغتياله فقد كانوا أكثر وهما.. وكثير منهم كان يعبّر عن أمنياته وأحلامه.. تلك التي سفّهتها المقاومة وعبثت بها. كان استشهاد صدّام حسين المجيد درسا في الشجاعة.. ودرسا في العطاء.. ودرسا في التضحية.. وإلى كلّ ذلك كان درسا خالدا في الثبات على المبدأ والوفاء للوطن والأمّة.. ولهذا بكاه العراقيّون، وبكاه العرب، وبكاه الأحرار في كلّ مكان. كان صدّام حسين عظيما.. وما كان صدّام ليشغل الكون كلّه في حياته وبعد استشهاده لو لم يكن عظيما.. وكان وطنيّا حدّ النخاع.. وما كان الكون ليبكيه لو كان يعلم أنّه يلهث خلف مجد شخصيّ.. يعنينا اليوم أن نكتب عن صدّام حسين الشهيد العنيد، ونحن ندرك أنّ الناس يخلّدون عظماءهم في سفر الأبديّة، ليظلّوا منبعا يستلهمون منهم القوّة والصبر والإيمان، مثلما ندرك ونعي أنّ الشهيد يلاحق قاتليه حتّى بعد استشهاده، فيرونه في يقظتهم كما يرونه في منامهم.. صورته التي يراها عبيد الأمريكيّين في كلّ مكان ستؤرقهم باستمرار، ومبادئه التي رفعها وآمن بها الذين أحبّوه ستظلّ سيفا مشهرا فوق رؤوسهم.. قاومتهم حيّا وميّتا.. ألا طوبى لك الحياة والموت أيّها الشهيد الخالد.. akarimbenhmida@yahoo.com