في بدايات عام 2005 كتبت مقالاً حول دور المرجعيات الدينية في احتلال العراق، وركّزت بشكل خاص على المرجعيات ذوي الأصول غير العربية، واختزلته في مواقف علي السيستاني، الإيراني الأصل، وكتبت أنه "كان له الدور الأكبر في ترسيخ أقدام الاحتلال في العراق وتحريم مقاومته، وشرعنته..."، وذكرت أيضاً ان هذه الحقيقة قد شهد عليها حينها كل من "دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، وكونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، بما أسبغا عليه من كلمات المديح والشكر والثناء على ما قدّمه لهم من خدمات جليلة... فقالت الوزيرة رايس، بعد الانتخابات مباشرة (يناير 2005) "لولا دعوة السيستاني العراقيين الى الصبر على الأمريكان لكان الأمر مختلفاً"، لتُذكرنا بدور السيستاني في تعزيز كل الخطوات التي قام بها الاحتلال منذ البداية"..وقلت إنه "السند الأساسي للاحتلال الأمريكي في العراق، مما دفع الوزيرة الأمريكية إلى أن تعده علناً، في كلمتها، باستمراره في هذا الدور في المرحلة القادمة".أثار مقالي ذاك حفيظة تيار الإسلام السياسي الطائفي في البحرين فأعلنوا الحرب على الكاتبة وصحيفتها، ووصل الأمر إلى نشر إعلانات مدفوعة الثمن في صحيفتهم الطائفية تنديداً ورفضاً للقلم الذي تجرأ وكسر التابوت المقدس والمزيف الذي عبر من خلاله المحتلون لاحتلال عاصمة الخلافة الإسلامية.. بل وصل الأمر إلى درجة التهديد الشخصي الذي وصلني شفويا وخطيا وإعلاميا، ليعكس مدى الإرهاب الفكري الذي يمارسه هذا التيار في سبيل منع ظهور الحقائق التي تدين قياداته.واليوم، بعد مرور خمس سنوات على تلك الأحداث، ظهر رامسفيلد مرة أخرى ليوثق تلك الحقيقة القاسية التي كشفناها في ذلك المقال، فاعترف في مذكراته بأن الإدارة الأمريكية اشترت علي السيستاني بمبلغ 200 مليون دولار ليفتي بتحريم مقاومة الاحتلال بالسلاح الذي وزعه صدام حسين على العراقيين قبل الغزو ليدافعوا به عن وطنهم وأنفسهم وأعراضهم، فحرّم السيستاني ذلك السلاح وحرّم مقاومة المحتلين ("أخبار الخليج" 22/12/2010).. والأسوأ من فعل السيستاني هذا، الذي استباح العراق أرضاً وشعباً أمام المحتلين، هو ردود الفعل المدافعة عنه، التي صدرت من أولئك الملالي والمطبلين الذين اعتلوا المنابر، ونشروا البيانات، في تكذيب مذكرات رامسفيلد (الذي كانوا يعتبرونه بطل تحرير العراق)، واصفين تلك المذكرات بأنها محض افتراء وكذب الهدف منه الإساءة إلى سمعة المرجعيّات الدينيّة، واشتغلوا على مدى الأيام الماضية بشتم وتهديد مروجي ذلك النص من المذكرات من دون أن يهددوا كاتب المذكرات، فلم يفت أحدهم بإراقة دم رامسفيلد، كما فعلوا مع آخرين.أما المشكلة الرئيسية في كل هذا الموضوع، فهي ما يعكسه من شعور عام بتدني الحال الذي وصلت إليه الأمة، والقلق على مصيرها المحكوم بداء التسطيح الفكري، بعد أن سلّم جموع المسلمين عقولهم لمن يقود مصائرهم في الدنيا، على أمل الفوز بجنان الآخرة، فأصبحنا أمة معنية بالآخرة، ولا علاقة لها بالحياة، وأصبح المسلم لا يحتاج إلى عقله الذي فضل الله به الإنسان على الكائنات الأخرى، حتى باتت أوطاننا وثرواتنا لقمة سائغة يبلعها الآخرون من دون عناء، وصفقة رخيصة يسهل بيعها بأبخس الأثمان.. وليكن الله في عون الأمة حتى تستفيق من سباتها.. اخبار الخليج