ستحتفل بلادنا رسميا ،يوم 28 نوفمبر المقبل، بذكرى مرور خمسين عاما على جلاء الفرنسيين عسكريا عن موريتانيا. وقد دأبت الأنظمة السياسية المتناسلة ، في قطرنا، على توصيف هذه الذكرى ب" عيد الاستقلال الوطني"؛ إلا أن ما حدث لم يكن ،في جوهر الأمر، استقلالا ناجزا ؛ إذ أن فرنسا ذهبت بأشخاصها، وبقيت بثقافتها ولغتها ومحبيها المخلصين في ولائهم لها على رأس السلطة في موريتانيا ، يتداولونها ، نفر بعد نفر! إذ كيف نحتفل بعيد الاستقلال الوطني ، وإدارتنا مفرنسة بالكامل كما لو أننا ضاحية من مدينة باريس وولاة أمورنا ومنتخبونا يخاطبوننا برطانة الأعجمي الفرنسي ؟! .. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال الوطني ، وأكثرية مثقفينا وحملة الشهادات العليا من بيننا مهمشين في حياتنا العامة بسبب "جريمة " جهلهم للغة فرنسا ؟!.. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال الوطني ، والمؤسسات الدولية عندنا تكتتب موظفيها حصرا في الناطقين بالفرنسية؟!.. و كيف نحتفل بالاستقلال الوطني ، وتلفزيوننا " الوطني" يحتفي بشهادات عملاء الاستعمار والمتعاطفين معه والمحاربين في صفوف جنده ... والمنتفعين منه إلى الآن على حساب وطنهم وأبناء جلدتهم؟!.. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال الوطني و"تلفزيوننا " يغيب شهادات المجاهدين ضد الاستعمار ويطمس على شهادات أحفادهم؟!.. و كيف نحتفل بالاستقلال الوطني ، وشوارعنا خالية من أي نصب تذكاري لشهدائنا؟!.. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال ونحن لا نملك رقما، على الأقل تقريبيا، عن شهداء مقاومتنا المسلحة ولا عن ضحايا شعبنا في فترة الاحتلال؟!.. و كيف نحتفل بالاستقلال، ونحن لم نطلب من فرنسا الاعتذار لشعبنا عن إهدار كرامته الإنسانية، وقتل نخبته المتحررة؟!.. و كيف نحتفل بالاستقلال، وليس في عاصمتنا ساحة عمومية تحمل اسم رمز المقاومة الثقافية واللغوية والدينية، المحظرة!!.. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال وأبناء العملاء فينا يفتخرون بعمالة آبائهم للمستعمر (أولاد الشيوخ المنصبين من فرنسا)؟!.. كيف نحتفل بعيد الاستقلال ونحن لا نمتلك هوية وطنية وما زلنا نحن إلى العهد الذي جعل منا مجرد "همزة وصل" بين مستعمرات فرنسا في جنوب الصحراء ومستعمراتها في شمالها؟!.. و كيف نحتفل بعيد الاستقلال والمركز الثقافي الفرنسي ما يزال يتحكم، أكثر من أي وقت مضى، في منظومتنا التربوية، ويصوغ مستقبل أجيالنا، أذنابا له؟! لا.. لن نحتفل معكم باستقلالكم إلا: - إذا بنيتم نصبا تذكاريا على طريق الأمل للشهيد بكار ولد اسويد احمد، ونصبا تذكاريا على طريق المطار للشهيد سيدي ولد مولاي الزين، ونصبا تذكاريا على طريق روصو للشهيد بناهي ولد سيدي، ونصبا تذكاريا على طريق انواذيبو للشهيد سيد أحمد ولد أحمد العيده، ونصبا تذكاريا في وسط العاصمة لأبطال المقاومة السياسية، من أمثال أحمدو ولد حرمه، وبوياكي ولد عابدين، ومحمد فال ولد عمير... وإلا إذا بنيتم في الساحة المقابلة لسفارة فرنسا ومركزها الثقافي المشبوه مجسمات شاهقة ترمز لمقاومتنا الثقافية واللغوية والدينية، أي المحظرة! ..غيره نفخ المناخير عند النوم بالتخدير!! .