ان العمل الفكري في الحزب يجب أن ينطلق من المستقبل، وليس من الماضي او الحاضر مع الرجوع إلى الماضي والحاضر، وهذا يتطلب تحديد معالم الثورة العربية بآفاقها القومية والعالمية كما يتطلب دراسة واقع المجتمع العربي دراسة علمية دقيقة بنواحيه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والنفسية والعلمية والعسكرية. ان هذه الحقائق تعيدنا الى ماضي الحزب ومنطلقاته، فالحزب انطلق من منطلقات عميقة وناضجة، ولما لم يتيسر لها العقول التي توضحها وتعمقها بقيت أدلة على الطريق. كان للحزب منذ بدايته نظرة ليست حدسية كما يقولون وانما ناتجة عن الدراسة والتتبع، وقد توصل الحزب إلى إدراك "نسبية" الشيوعية كنظرية وبالتالي كتطبيق ونظام، أي ليست هي الشيء الذي ليس فيه خطأ، وإنما كشيء نسبي وأنها معرضة لان يتجاوزها الزمن، كان هذا واردا منذ السنوات الاولى للحزب، وأحيانا كان هناك انفعال في التعبير عن هذه الحقائق لأننا كنا وجها لوجه مع أحزاب شيوعية محلية كانت تجافي مصلحة البلاد وتتحدى فكان هناك انفعال، فلنطرح الانفعال جانبا، نجد هناك نظرة أعطيت حقها من الدراسة. والعالم الرأسمالي، هل هو الآن كما كان قبل نصف قرن ؟.. ما هي التطورات التي حدثت عليه؟.. عندما ندرس التطورات التي طرأت على الماركسية وندرس الأشياء التي أتت مخالفة لهذه النظرية، اي مخالفة للقوانين التي وضعتها، لا بد ان نكوّن فكرة عامة واضحة عن المجتمع الغربي في أوربا وأمريكا، عن التقسيم الطبقي، والتطور العلمي والمراحل البعيدة التي وصلها والنتائج التي توصل إليها والتناقضات التي يعيش عليها. إن من أسباب نجاح الحزب في بدء الأربعينات وعند تأسيسه انه لم يعمل بأفق محلي ولم تقتصر نظرته على البلاد العربية، وإنما كانت نظرة حضارية مستوعبة بشكل جيد الى حد ما اوضاع العالم ودرجة تطوره ونموه والقوى المختلفة التي تؤثر في العالم الحديث، كذلك يجب ان يكون مثل هذا الإدراك اليوم في هذه المرحلة من الثورة العربية مع المحافظة على السبق، فالحزب قد حقق سبقا قبل ربع قرن، وفي المرحلة الجديدة في العالم تتأكد استقلالية فكر الحزب، وهي الشيء الذي الح عليه منذ البداية، اي ان لا تتقيد بمذهب معين، وان تكون لنا نظرة مستقلة، وهذا أهم شيء في فكر الحزب، لقد أخذت الاستقلالية تعبيرها السياسي في نظرية الحياد الايجابي، ولكن الاستقلالية أعمق واشمل من نظرية الحياد، لأنها الحرص على الموضوعية الذي لا يترك أي مجال للوقوع في اسر المذهبية. ان النظرية المتعصبة المغلقة التي تعطي قوة عملية في فترة من الزمن تحجب الكثير من الحقائق وتخل بعملية التفكير. . ان النظرية التنظيمية للحزب لم تستكمل بعد، انها موجودة بشكل موزع ومشتت في كتابات الحزب ولكن لم تكن هناك دراسة جدية لها. ان النظرية التنظيمية من الأمور الرئيسية في عمل اللجنة الفكرية لانها من الأمور الرئيسية لضمان مستقبل الحزب. يتفرع عن النظرية التنظيمية موضوع التثقيف والتربية، ان الحزب الثوري هو الحزب الخلاق الذي يخلق شخصية جديدة لأعضائه، شخصية فكرية وعملية، يخلق منطقا جديدا في التفكير ومسلكا وقيما عملية. إن الأثر الذي أحدثه الحزب في أعضائه وفي المجتمع العربي كان أثرا آنيا وليس نتيجة تخطيط وتصميم حيث لم توضع نظرية للتنظيم والتثقيف. ان ما كان يصل من أفكار الحزب إلى قواعده وأنصاره ومؤيديه احدث بعض الأثر، هذا اثر بدون جهد وغير إرادي ولا يسمى تثقيفا ثوريا او تربية ثورية لأنه لم يدخلها عنصر الإرادة والتخطيط، انني في هذا الحديث أعمم، لأنه ربما كانت هناك محاولات أصابها الفشل أو لم تستمر ولم تعط النتيجة المطلوبة لا بد ان نعتبر بان هذا الشيء كان مفقودا ويجب ان نحدثه وان نركز عليه الاهتمام. وفي حزبنا لا ترد المحاذير التي ترد في الأحزاب الشيوعية إذا نحن بقينا أمناء لمنطلقاتنا فالتربية لا يدخلها الاصطناع وقولبة الشخصية بحيث يفقدها الحرية والإبداع ولكنه ينقذها من التسيب والميوعة والضياع والفردية التي تشل الحرية الحزبية. عندما نكتب تاريخ الحزب فعلينا ان ندرك ان مهمتنا هي المستقبل، من هذه الزاوية يسد هذا النقص. ان حزبا بلا تاريخ غير مضمون الاستمرار. ان كتابة تاريخ الحزب ليس عملا أكاديميا انه عمل لضمان تقدم الحزب المضطرد نحو المستوى الذي طمحنا إليه كي يكون حركة تاريخية تقود الثورة العربية في أحرج وأدق مراحل نهضة الأمة العربية. اننا يجب ان نرى الطور الذي وصلناه في الوطن العربي وللتبسيط اقول انه يشبه زمن ظهور الحزب. ان المستقبل هو المهم، وأهمية الماضي تأتي من كونه تراثا، ان مهمتنا هي سد حاجات المستقبل دون التقيد الشديد بالماضي الا كروح وتراث. ماذا نستخلص من هذه القواعد؟ تركيز الانتباه والاهتمام على حاجات المستقبل، وهي غير خافية وغير غامضة، من خلال هذه الحاجات هناك عودة طبيعية الى الماضي، ولكن تبقى في هذه الحدود، حدود الماضي باعتباره روحا وتراثا، لو سألنا أنفسنا ما هي حاجات المستقبل التي يطرحها وجود الحزب واستمراره وتقدمه، الحاجات الفكرية او النظرية، ان الحزب مطالب بان يكون له موقف نظري من القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة في هذا العصر بالنسبة للعالم وبالنسبة للأمة العربية ان العمل الثوري هو اختصار الزمن دون قلع الجذور، ان ابعد حد في اختصار الزمن مع إبقاء جو نفسي سوي للشخصية، لشخصية الفرد والأمة، كما يفترض أيضا دراسة العناصر المكونة للشخصية في المجتمعات الغربية، الأمريكية والأوربية.